صلاة الكسوف والخسوف
باب صلاة الكسوف
إذا كسفت الشمس أو القمر فزعوا جماعة وفرادى إلى صلاة ركعتين يجهر فيهما كل ركعة بركوعين، يطيل الأولى نحو البقرة، ويقصر الثانية يسيرا، وينادي لها وللعيد الصلاة جامعة، وسن الدعاء والصدقة والتوبة، ويصلى لزلزلة دائمة فقط.
الباب الذي بعده باب صلاة الكسوف؛ الكسوف والخسوف: هو أن ينمحي ضوء الشمس أو ضوء القمر، الله تعالى هو الذي سخر الشمس والقمر، خلق هذين النورين، قال الله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ يعني: مستمرين، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ .
أخبرنا بأنه: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً يعني: تضيء للناس في منازلهم، وجعل "القمر نورا" يعني: في ظلمة الليل يضيء لهم القمر فيرون به طرقهم، أو يعرفون به أوقاتهم، فجعل الله -تعالى- هذه الشمس علامة على النهار، وجعل القمر في الليل، فقال الله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً "آية الليل": هي القمر، و"آية النهار": هي الشمس.. هكذا أخبر.
ثم ذكر أنهما مسخران كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " ركّب الله الشمس في فلك كفلكة المغزل، مركبة في هذا الفلك، فهي تسير في هذا الفلك وتقطع هذه المسافة في أربع وعشرين ساعة، هذه المسافة الطويلة تقطعها في هذا الزمن القصير وذلك بقدرة الله تعالى، فإنه قادر على أن يسيرها في لحظة.
نحن الآن نشاهد هذه الآيات الجديدة، فنشاهد أن هذا الصوت الذي هو صوت الإذاعة يصل في لحظته إلى أقصى الأرض شرقًا أو غربًا، وكذلك أيضًا المكالمات.. نشاهد أن المكالمة تنطلق من المتكلم في ثانية تصل إلى مسيرة ألوف الكيلوات، أليس ذلك دليل على أن الله -تعالى- جعل هذا الجو فيه هذه الآيات؟!
فكذلك هذه الشمس، فجعلها سائرة ولو كان جرمها كبيرًا فهي تسير سيرًا أسرع من سير الطرف، سيْر العين، تسير سيرًا حثيثا، وذلك السير لتقطع به هذا الفلك في يوم وليلة خلافًا لمن يدعي أن الشمس راكدة ثابتة، وأن الأرض هي التي تدور حولها، فإن هذا يخالف الأدلة.
الله -تعالى- ذكر أن الأرض قرار، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا يعني: ثابتة مستقرة، فجعل لكم.. الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ .
وأخبر بأنه سيَّر الشمس والقمر الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ يعني: يسيران، وقال تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فأخبر بأنهما يجريان، والجري: هو السير، كما أخبر بأن السفينة تجري؛ لقوله تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وفي قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ فجريان الفلك، يعني السفن: هو سيرها في البحر، وجريان الشمس والقمر هو سيرها في هذا الفلك العظيم سيرًا سريعًا.
ثم قدر الله -تعالى- أن القمر يكتسب ضوءه من الشمس، فإذا كان قريبًا من الشمس في أول النهار لم تسطع الشمس إلا في .. يسيرة، تسطع فيها، فإذا ابتعد ازداد سطوع الشمس، فإذا قابلها كانت في المغرب وهو في المشرق سطعت الشمس فيه كما يسطع السراج في المرآة، فإذا سطعت فيه وإذا هو قد كمل نوره، أي: تكامل نوره فكانت تلك ليلة البدر.
يقدر الله أحيانا أن الأرض تحول بينه وبين الشمس، أي: الأرض التي عليها هذا الخلق تكون حائلة بينه وبين الشمس، وإذا حالت بينهما حصل هذا الانمحاء الذي هو كسوف القمر، يعني: لم تسطع فيه الشمس لوجود هذا الحائل، فكما أنه قد يحول بيننا وبينه الغيم فلا نراه ساطعًا، فكذلك إذا حجزت بينه وبين الشمس الأرض تغير فيكون هذا كسوفه.
ولا شك أنه آية من آيات الله يقدرها كما يشاء، فهو الذي يسيره وهو الذي جعل فيه هذا الانمحاء، وهذا التغير الذي سببه معلوم فهذا هو سبب كسوف القمر.
وأما كسوف الشمس فإنه يكون في آخر الشهر؛ وذلك لأن القمر يسير في كوكب، والأرض تسير في كوكب، وقد يكون بينهما فرق، قد يكون القمر فوقنا والشمس في جهة الجنوب، أي: بعيدة، ومع ذلك كل منهما يجري، ولكن في بعض الأحيان يصير فلك القمر محاذيًا لفلك الشمس وهو دونها بشيء يسير، فإذا كان أحيانًا في آخر الشهر وحاذاها حال القمر بين الناس وبين الشمس، فإذا حال بينهم وبينها حصل هذا الكسوف، وهو عدم إضاءتها وعدم سطوعها.
وهو مع ذلك آية من آيات الله ولو كان سببه معلوما؛ ولأجل ذلك الذين يدققون في الحساب يعرفون متى تكون الشمس محاذية للقمر في آخر الشهر، ويحول بين الناس وبينها، ومتى تكون الأرض حاجزة بين القمر وبين الشمس فيكون منه هذا الكسوف؛ وذلك لأن هناك نجوم يعرفونها، حددت تلك النجوم أن في النجم الفلاني يكون القمر بين الناس وبين الشمس،أو تكون الأرض بين الشمس وبين القمر، ستة نجوم أو سبعة نظمها بعضهم بقوله:
نجــوم الكســوف عـدد سـتة
عـلـى النيرين جميعًا سطينة
مقدم جـبهة مع دبرة قـيل صـرف
وبُلــع والزبانــة بطينـة
يعني: هذه النجوم مقدم جبهة مع دبرة قيل صرف، وبلع والزبانة بطينة، وأغلبها من نجوم الخريف، فإن البطين والدبرة والصرفة وكلها من نجوم الخريف، إذا كان القمر في أحدها في الليلة خمس عشرة كسف بإذن الله، وإذا كانت الشمس في أحدها يوم تسع وعشرين كسفت بإذن الله.
فإذا كسفت الشمس والقمر فإن عليهم أن يعرفوا أن هذا تغير، وأنه بتقدير الله، فهو الذي يسيرهما، وهو الذي يعلم سيرهما، قال الله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ يعني: أنهما مسخران، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ .
إذا رأوا الكسوف فزعوا جماعات وفرادى إلى صلاتها يفزعون إلى صلاة ـ ويصلونها جماعات وفرادى، والأولى أن يكونوا جماعة مجتمعين في المساجد، وإذا صلوها فإنهم يصلونها جهرًا، يجهر فيها الإمام بالقراءة سواء إن كانت الصلاة نهارًا أو ليلا، فيرفع بها صوته بالقراءة.
ويصلي بهم ركعتين، كل ركعة بركوعين، يقف فيقرأ قراءة طويلة قدر سورة "البقرة" ثم يركع ويطيل الركوع قدر عشر دقائق أو ربع ساعة، ثم يرفع ويقول: ربنا لك الحمد، ثم يبدأ ويقرأ وهو رافع ويطيل القراءة إلا أنها دون القراءة الأولى يعني قدر سورة "آل عمران" ثم بعد ذلك يركع ويكون هذا الركوع الثاني.
ثم يركع فيقول ربنا ولك الحمد ثم يسجد سجدتين ويطيل السجدتين فتكون الثانية أطول من الأولى، ثم بعد ذلك يقوموا بعد السجدتين ويقرأ ويطيل القراءة إلا أنها دون القراءة الثالثة، يمكن أن تكون بقدر سورة المائدة.
ثم بعد ذلك يركع ثم يرفع وإذا رفع قرأ أيضًا وأطال القراءة وأطال القيام، ولكنه أيضًا أقل من القيام الثالث، يمكن أنه بقدر سورة يونس ثم يركع بعد ذلك، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين كسجدتي الأولى إلا أنها هنا أقصر، يذكر أنه يطيل في الأولى نحو سورة "البقرة" ويقصر الثانية يسيرًا.
ثم بعد ذلك يسلم، فإن تجلت الشمس وإلا يُسن أن يعيد الصلاة يعني يصلي مرة ثانية، فإن تجلّت وإلا جلسوا يستغفرون ويدعون الله حتى يزيل ما بهم حتى يكشف ما نزل بهم، هكذا تكون هذه الصلاة.
ورد في أحاديث في صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- كرر الركوع ثلاث مرات أو أربع مرات، أنه قرأ ثم ركع وأطال الركوع، ثم رفع وقرأ جهرًا، ثم ركع ثم رفع وقرأ وأطال القيام، ثم ركع ثلاث مرات في قيام واحد.
وفي رواية: قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، يعني: أربع ركوعات، هكذا في صحيح مسلم، وجاء في سنن أبي داود خمس مرات: قرأ فركع، ثم قرأ فركع، ثم قرأ فركع، ثم قرأ فركع، ثم قرأ فركع، في كل قيام خمس ركوعات.
والأحاديث صحيحة الأسانيد، ومع ذلك أنكرها كثير من العلماء، وأشهر من أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، رجح أنه ما وقع الكسوف إلا مرة يوم كسفت الشمس لموت إبراهيم، وأن الذين رووا هذه الركوعات يقولون: إنها وقعت يوم موت إبراهيم، وأن الناس قالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم، بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكسف لموت أحد ولا لحياته.
يقول شيخ الإسلام: معلوم أن إبراهيم لم يمت موتتين، ولا كان هناك إبراهيمان، فإذا تحققنا أنها ما كسفت إلا يوم موت إبراهيم، فإنه ما صلى بهم إلا صلاة واحدة، وأنه صلى بهم وقام قيامًا واحدًا فيه ركوعان، ثم قام قيامًا آخر فيه ركوعان، وأن من روى ثلاث ركوعات أو أربعًا فإنه مخطئ.
نظرنا إلى تلك الأحاديث وإذا هي صحيحة، لو رددناها وخطَّأْنا أولئك الرواة لزمنا أن نرد كثيرًا من الرواة وكثيرًا من الأحاديث؛ فلذلك لا بد أن نقبلها، كيف نحملها؟
يرى بعض المشايخ ومنهم الشيخ ابن باز -رحمه الله- أن الكسوف تعدد، كما أن صلاة الخوف تعددت، فمرة ركع ركوعين في كل قيام، ومرة ركع ثلاث ركوعات في كل قيام، ومرة ركع أربع ركوعات في كل قيام، وإذا ثبتت الخمس أيضًا نقول بها.
وذلك لأن الكسوف عادة يكون في كل سنة، يحصل كسوف القمر في كل سنة، وكذلك كسوف الشمس غالبًا أنها تحصل كل سنة أو كل سنتين، فلا يمكن أن يمضي على النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين بمكة وهو مع ذلك لم يكسف إلا مرة واحدة، فإذا قدّرنا أنه تعدد الكسوف فتلك الاختلافات تكون بتعدد الكسوف هذا هو الأكثر على الأوضح.
ذكر أنه ينادى لها ولا ينادى للعيد: ( الصلاة جامعة )، أما صلاة الكسوف فينادى لها؛ وذلك لأنها تقع بغتة فينادى لها في المساجد "الصلاة جامعة" وأما العيد والاستسقاء فلا ينادى لها، لماذا؟ لأن وقتها واضح؛ لأن يوم العيد معدود معروف، ويوم الاستسقاء يحدد له يوم، فلا حاجة إلى أن ينادى لها: "الصلاة جامعة".
يسن في الكسوف كثرة الدعاء والصدقة والتوبة، يعني: يعترفون بأن هذا من آيات الله، قال الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ وقال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا فإذا كان كذلك فعليهم أن يكثروا من الدعاء أن يزيل الله عنهم ما نزل بهم، كذلك يكثرون من الصدقة رجاء أن يكشف الله هذا الأمر الذي نزل بهم.
كذلك التوبة، يعني: يكثرون من التوبة: ربنا تب علينا، ربنا اغفر لنا وارحمنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم وما أشبه ذلك.
ذكر أنه يُصلَّى لزلزلة دائمة ولا يصلَّى لغيرها، فإذا كان هناك صواعق فلا يصلى، صواعق ورعود شديدة لا يصلى لها، وإنما إذا حصلت الزلزلة التي هي رجفة الأرض، فإنه يصلى لها، روي ذلك عن ابن عباس.
باب صلاة الكسوف
إذا كسفت الشمس أو القمر فزعوا جماعة وفرادى إلى صلاة ركعتين يجهر فيهما كل ركعة بركوعين، يطيل الأولى نحو البقرة، ويقصر الثانية يسيرا، وينادي لها وللعيد الصلاة جامعة، وسن الدعاء والصدقة والتوبة، ويصلى لزلزلة دائمة فقط.
الباب الذي بعده باب صلاة الكسوف؛ الكسوف والخسوف: هو أن ينمحي ضوء الشمس أو ضوء القمر، الله تعالى هو الذي سخر الشمس والقمر، خلق هذين النورين، قال الله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ يعني: مستمرين، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ .
أخبرنا بأنه: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً يعني: تضيء للناس في منازلهم، وجعل "القمر نورا" يعني: في ظلمة الليل يضيء لهم القمر فيرون به طرقهم، أو يعرفون به أوقاتهم، فجعل الله -تعالى- هذه الشمس علامة على النهار، وجعل القمر في الليل، فقال الله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً "آية الليل": هي القمر، و"آية النهار": هي الشمس.. هكذا أخبر.
ثم ذكر أنهما مسخران كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " ركّب الله الشمس في فلك كفلكة المغزل، مركبة في هذا الفلك، فهي تسير في هذا الفلك وتقطع هذه المسافة في أربع وعشرين ساعة، هذه المسافة الطويلة تقطعها في هذا الزمن القصير وذلك بقدرة الله تعالى، فإنه قادر على أن يسيرها في لحظة.
نحن الآن نشاهد هذه الآيات الجديدة، فنشاهد أن هذا الصوت الذي هو صوت الإذاعة يصل في لحظته إلى أقصى الأرض شرقًا أو غربًا، وكذلك أيضًا المكالمات.. نشاهد أن المكالمة تنطلق من المتكلم في ثانية تصل إلى مسيرة ألوف الكيلوات، أليس ذلك دليل على أن الله -تعالى- جعل هذا الجو فيه هذه الآيات؟!
فكذلك هذه الشمس، فجعلها سائرة ولو كان جرمها كبيرًا فهي تسير سيرًا أسرع من سير الطرف، سيْر العين، تسير سيرًا حثيثا، وذلك السير لتقطع به هذا الفلك في يوم وليلة خلافًا لمن يدعي أن الشمس راكدة ثابتة، وأن الأرض هي التي تدور حولها، فإن هذا يخالف الأدلة.
الله -تعالى- ذكر أن الأرض قرار، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا يعني: ثابتة مستقرة، فجعل لكم.. الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ .
وأخبر بأنه سيَّر الشمس والقمر الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ يعني: يسيران، وقال تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فأخبر بأنهما يجريان، والجري: هو السير، كما أخبر بأن السفينة تجري؛ لقوله تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وفي قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ فجريان الفلك، يعني السفن: هو سيرها في البحر، وجريان الشمس والقمر هو سيرها في هذا الفلك العظيم سيرًا سريعًا.
ثم قدر الله -تعالى- أن القمر يكتسب ضوءه من الشمس، فإذا كان قريبًا من الشمس في أول النهار لم تسطع الشمس إلا في .. يسيرة، تسطع فيها، فإذا ابتعد ازداد سطوع الشمس، فإذا قابلها كانت في المغرب وهو في المشرق سطعت الشمس فيه كما يسطع السراج في المرآة، فإذا سطعت فيه وإذا هو قد كمل نوره، أي: تكامل نوره فكانت تلك ليلة البدر.
يقدر الله أحيانا أن الأرض تحول بينه وبين الشمس، أي: الأرض التي عليها هذا الخلق تكون حائلة بينه وبين الشمس، وإذا حالت بينهما حصل هذا الانمحاء الذي هو كسوف القمر، يعني: لم تسطع فيه الشمس لوجود هذا الحائل، فكما أنه قد يحول بيننا وبينه الغيم فلا نراه ساطعًا، فكذلك إذا حجزت بينه وبين الشمس الأرض تغير فيكون هذا كسوفه.
ولا شك أنه آية من آيات الله يقدرها كما يشاء، فهو الذي يسيره وهو الذي جعل فيه هذا الانمحاء، وهذا التغير الذي سببه معلوم فهذا هو سبب كسوف القمر.
وأما كسوف الشمس فإنه يكون في آخر الشهر؛ وذلك لأن القمر يسير في كوكب، والأرض تسير في كوكب، وقد يكون بينهما فرق، قد يكون القمر فوقنا والشمس في جهة الجنوب، أي: بعيدة، ومع ذلك كل منهما يجري، ولكن في بعض الأحيان يصير فلك القمر محاذيًا لفلك الشمس وهو دونها بشيء يسير، فإذا كان أحيانًا في آخر الشهر وحاذاها حال القمر بين الناس وبين الشمس، فإذا حال بينهم وبينها حصل هذا الكسوف، وهو عدم إضاءتها وعدم سطوعها.
وهو مع ذلك آية من آيات الله ولو كان سببه معلوما؛ ولأجل ذلك الذين يدققون في الحساب يعرفون متى تكون الشمس محاذية للقمر في آخر الشهر، ويحول بين الناس وبينها، ومتى تكون الأرض حاجزة بين القمر وبين الشمس فيكون منه هذا الكسوف؛ وذلك لأن هناك نجوم يعرفونها، حددت تلك النجوم أن في النجم الفلاني يكون القمر بين الناس وبين الشمس،أو تكون الأرض بين الشمس وبين القمر، ستة نجوم أو سبعة نظمها بعضهم بقوله:
نجــوم الكســوف عـدد سـتة
عـلـى النيرين جميعًا سطينة
مقدم جـبهة مع دبرة قـيل صـرف
وبُلــع والزبانــة بطينـة
يعني: هذه النجوم مقدم جبهة مع دبرة قيل صرف، وبلع والزبانة بطينة، وأغلبها من نجوم الخريف، فإن البطين والدبرة والصرفة وكلها من نجوم الخريف، إذا كان القمر في أحدها في الليلة خمس عشرة كسف بإذن الله، وإذا كانت الشمس في أحدها يوم تسع وعشرين كسفت بإذن الله.
فإذا كسفت الشمس والقمر فإن عليهم أن يعرفوا أن هذا تغير، وأنه بتقدير الله، فهو الذي يسيرهما، وهو الذي يعلم سيرهما، قال الله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ يعني: أنهما مسخران، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ .
إذا رأوا الكسوف فزعوا جماعات وفرادى إلى صلاتها يفزعون إلى صلاة ـ ويصلونها جماعات وفرادى، والأولى أن يكونوا جماعة مجتمعين في المساجد، وإذا صلوها فإنهم يصلونها جهرًا، يجهر فيها الإمام بالقراءة سواء إن كانت الصلاة نهارًا أو ليلا، فيرفع بها صوته بالقراءة.
ويصلي بهم ركعتين، كل ركعة بركوعين، يقف فيقرأ قراءة طويلة قدر سورة "البقرة" ثم يركع ويطيل الركوع قدر عشر دقائق أو ربع ساعة، ثم يرفع ويقول: ربنا لك الحمد، ثم يبدأ ويقرأ وهو رافع ويطيل القراءة إلا أنها دون القراءة الأولى يعني قدر سورة "آل عمران" ثم بعد ذلك يركع ويكون هذا الركوع الثاني.
ثم يركع فيقول ربنا ولك الحمد ثم يسجد سجدتين ويطيل السجدتين فتكون الثانية أطول من الأولى، ثم بعد ذلك يقوموا بعد السجدتين ويقرأ ويطيل القراءة إلا أنها دون القراءة الثالثة، يمكن أن تكون بقدر سورة المائدة.
ثم بعد ذلك يركع ثم يرفع وإذا رفع قرأ أيضًا وأطال القراءة وأطال القيام، ولكنه أيضًا أقل من القيام الثالث، يمكن أنه بقدر سورة يونس ثم يركع بعد ذلك، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين كسجدتي الأولى إلا أنها هنا أقصر، يذكر أنه يطيل في الأولى نحو سورة "البقرة" ويقصر الثانية يسيرًا.
ثم بعد ذلك يسلم، فإن تجلت الشمس وإلا يُسن أن يعيد الصلاة يعني يصلي مرة ثانية، فإن تجلّت وإلا جلسوا يستغفرون ويدعون الله حتى يزيل ما بهم حتى يكشف ما نزل بهم، هكذا تكون هذه الصلاة.
ورد في أحاديث في صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- كرر الركوع ثلاث مرات أو أربع مرات، أنه قرأ ثم ركع وأطال الركوع، ثم رفع وقرأ جهرًا، ثم ركع ثم رفع وقرأ وأطال القيام، ثم ركع ثلاث مرات في قيام واحد.
وفي رواية: قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، يعني: أربع ركوعات، هكذا في صحيح مسلم، وجاء في سنن أبي داود خمس مرات: قرأ فركع، ثم قرأ فركع، ثم قرأ فركع، ثم قرأ فركع، ثم قرأ فركع، في كل قيام خمس ركوعات.
والأحاديث صحيحة الأسانيد، ومع ذلك أنكرها كثير من العلماء، وأشهر من أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، رجح أنه ما وقع الكسوف إلا مرة يوم كسفت الشمس لموت إبراهيم، وأن الذين رووا هذه الركوعات يقولون: إنها وقعت يوم موت إبراهيم، وأن الناس قالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم، بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكسف لموت أحد ولا لحياته.
يقول شيخ الإسلام: معلوم أن إبراهيم لم يمت موتتين، ولا كان هناك إبراهيمان، فإذا تحققنا أنها ما كسفت إلا يوم موت إبراهيم، فإنه ما صلى بهم إلا صلاة واحدة، وأنه صلى بهم وقام قيامًا واحدًا فيه ركوعان، ثم قام قيامًا آخر فيه ركوعان، وأن من روى ثلاث ركوعات أو أربعًا فإنه مخطئ.
نظرنا إلى تلك الأحاديث وإذا هي صحيحة، لو رددناها وخطَّأْنا أولئك الرواة لزمنا أن نرد كثيرًا من الرواة وكثيرًا من الأحاديث؛ فلذلك لا بد أن نقبلها، كيف نحملها؟
يرى بعض المشايخ ومنهم الشيخ ابن باز -رحمه الله- أن الكسوف تعدد، كما أن صلاة الخوف تعددت، فمرة ركع ركوعين في كل قيام، ومرة ركع ثلاث ركوعات في كل قيام، ومرة ركع أربع ركوعات في كل قيام، وإذا ثبتت الخمس أيضًا نقول بها.
وذلك لأن الكسوف عادة يكون في كل سنة، يحصل كسوف القمر في كل سنة، وكذلك كسوف الشمس غالبًا أنها تحصل كل سنة أو كل سنتين، فلا يمكن أن يمضي على النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين بمكة وهو مع ذلك لم يكسف إلا مرة واحدة، فإذا قدّرنا أنه تعدد الكسوف فتلك الاختلافات تكون بتعدد الكسوف هذا هو الأكثر على الأوضح.
ذكر أنه ينادى لها ولا ينادى للعيد: ( الصلاة جامعة )، أما صلاة الكسوف فينادى لها؛ وذلك لأنها تقع بغتة فينادى لها في المساجد "الصلاة جامعة" وأما العيد والاستسقاء فلا ينادى لها، لماذا؟ لأن وقتها واضح؛ لأن يوم العيد معدود معروف، ويوم الاستسقاء يحدد له يوم، فلا حاجة إلى أن ينادى لها: "الصلاة جامعة".
يسن في الكسوف كثرة الدعاء والصدقة والتوبة، يعني: يعترفون بأن هذا من آيات الله، قال الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ وقال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا فإذا كان كذلك فعليهم أن يكثروا من الدعاء أن يزيل الله عنهم ما نزل بهم، كذلك يكثرون من الصدقة رجاء أن يكشف الله هذا الأمر الذي نزل بهم.
كذلك التوبة، يعني: يكثرون من التوبة: ربنا تب علينا، ربنا اغفر لنا وارحمنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم وما أشبه ذلك.
ذكر أنه يُصلَّى لزلزلة دائمة ولا يصلَّى لغيرها، فإذا كان هناك صواعق فلا يصلى، صواعق ورعود شديدة لا يصلى لها، وإنما إذا حصلت الزلزلة التي هي رجفة الأرض، فإنه يصلى لها، روي ذلك عن ابن عباس.