عودة المغني
أبيع المدينة
أبيع المواعيد والأغنيات
أبيع دفاتر شعري ,
وكلّ حكايا الأماسي الحزينة
وآتي لأشرب من حدقتيك ,
شعاع الحياة
وأزهو بأني
أعيش بأرض بلادي
وأحضن رمل بلادي
وأنّي أسير هواك
وأنّي حظيت كعشب البراري
بخصب التراب ,
وسرّ حنان المطر
لأن المغنّي
تعذّب فوق الصليب
وطاف أقاصي الدروب
وظلّ يلوب
سنينا ليأتيك طفلا جديدا ..
تعّرى ,
وألقى ثياب السفر
البداية
الصورة والتذكار
-1-
وأذكر لم يكن أحد ,
عشيّة أن رحلت فعادني حزني
تلفّت قلبي الموجوع بالأشواق
وألقى نظرة مكلاورة الأهداب ,
فوق رفوف مكتبتي ..
وكان فراس
جميلا يرسم البسمات خلف إطار
وكان فراق
يجلّل وجه أمّي بالأسى ,
فتهمّ أن تبكي ..
فأضحك كي تشاركني
وفي جنبات قلبي يطلع الصبّار
فيا تعبي :
أشيل حقائبي , أمشي ..
ولا ألقاكمو قربي
وأحمل ما تضيق به الجوانح ,
-2-
يا شوارع أينهم صحبي ؟1
ويا مقهى " رقيق الحال " كانوا ..
أمس في ركنك
ترى غابوا ؟
فهات إذن " طويل العنق " , أشربه ,
وآخذه معي تذكار
ونمشي والطريق أمامنا تمتدّ للصحراء
فتورق في القرار قصائد التحنان ,
أدرك أنّني في التيه ..
أنقل يا أحبّائي الخطى
وأكابد الإعياء
وأقرأ فوق صفحة هذه الكثبان
رسائلكم
تقول سطورها ويجاهر العنوان
بأنّ طريقنا تفضي إلى البحر
فعد يا أيّها الربّان ,
عد لعروسة الفقر ..
وأومن أن في كلماتكم ..
يا أيّها الأحباب منجاتي
من التجوال والغربة
وأومن أنّ نارا في العروق تعانق الآتي
وتبدع من أحاسيس العذاب خيوط رايتنا
-3-
وماذا بعد ؟
وماذا ينبيء العرّاف , ماذا تضمر الأيام ؟
يقول الكفّ أنّي ..
سوف أرحل باتجاه جزيرة الأحلام
وسوف أخوض نهرا من دم ,
ويصير لون قميصي الكاكيّ ..
أحمر مثل حطّة والدي ,
- الله يرحمه – أبيّا كان
فعاجله رصاص الإنجليز ,
- وكان عمري يومها سنتين –
فهاهت ساعة أمي ,
وكان البين
عميق الحزن ,
فيا أحباب
بعيد ذلك الجرح الذي ,
يمتدّ من عمري
إلى قبري
فذاكرة الطفولة لا تموت ,
ولم تزل في دفتري صورة
لأمي وهي جاثية أمام أبي
وكان جبينه ينزف
وكانت ساقه تنزف
ولهوي يومها بعقاله ,
فلبسته وركضت في الحارة
فأشرق وجهه بالبشر ..
أذكر أنّه قد قال :
" يا ولدي "
وأحنى رأسه وغفا
ولم ~أعرف
لماذا كان يبتسم لي ..
لماذا كان يبتسم لي
البداية
بطاقة إلى فراس
يا لغتي , يا رعشتي المنسابة
في جانحيّ , يا تدفّق الكآبة
يا كلّ هذه المكابدات ,
والتأوهات ,
والرؤى الأسيانة
يا جوع هذا القلب , يا عذابه
يا قمرا على بوّابة
إذا أتتك هذه الكتابة
من يحمل الربابة
من يبعث الحياة في الأوصال
من ينشد الموّال ؟
ومن ..
ومن ..
ومن
تعبت من مرارة السؤال
هل تهطل السحابة ؟
ويهدل الحمام في الوطن ؟
البداية
أيتها الغربة وداعا
-1-
كان صديقي خالد
ممتلئا بالحب
كان رقيقا وعنيفا كالنسمة والإعصار
كان معي في هذا البلد يكابد ..
غربته ,
مرتقبا سيل النار
مسكونا بالفعل الحيّ الصامت
وكان يعانق في الصحراء
واحته المنفيّة خلف جدار باهت
ويحدّثني إذ ألقاه
عن فقدان المعنى والتيه
عن تلك الأيام الصفراء
عن موت الإنسان الضائع ,
خلف قناع التمويه
عن غضب سوف يجيء
يكنس فينا هذا الفقر المعتم ويضيء
غرفا في النفس رماديّة
كان يواجهني بالبسمة
محتجّا ..
إذ أسمعه بعض الشعر الأسيان
- يا قيسيّ
دعنا من هذي السوداويّة
- الحزن خميرتنا يا خالد
والحزن سلاح لا يغمد
نغسل أعماق الروح به ,
نسمو , نتجدّد
حين يرافقنا في اليقظة والنوم
يتنفّس معنا , ويشاركنا الخبز
لا نقدر أن نتجاهل هذي النعمة
يا خالد
-2-
كان جريئا في زمن الصمت
لا يخفض هام الكلمة
لا يرسلها زلفى لأمير أو حاكم
كان يجلّ الصدق
يحلم بمدائن تحتضن الإنسان
لا تورده الموت
لكنّ صديقي خالد
طولب أن يصمت
طولب أن يكلار قلمه
طولب أن يخنق ألمه
طولب أن يرضى بالأمر الواقع
-3-
أسألكم ..
من يرضى أن يسقط طوعا ؟
من يقدر أن يمنع أمّا ,
معدمة , جوعى
من أن تحمل سيفا ؟
وإذا لزم الأمر
أن تسرق ثمن حليب الطفل الجائع ؟
طوبى لأبي ذر
-4-
لم يسرق خالد , لم يحمل سيفا
لم يقتل يوما نملة
كان صديقا للناس , محبّا للفقراء
لكنّ الخوف على أمن الدولة
يلزمهم أن لا تبقى الكلمة مسموعة
أن لا يبقى خالد حرّا
-5-
فوجىء خالد ذات صباح
بدخول الشرطيّ عليه
يحمل بين يديه
كومة أصفاد
في اليوم التالي
نشرت بعض الصحف اليوميّة
أمر الإبعاد
-6-
" ملاحظة ..
في ذلك اليوم , بكت طفلتان صغيرتان , لأن
أباهما تأخر عن موعده , ولم يعد للبيت ,
كانت تنتظران أن يحمل لهم حبّا , وأمنا ,
وحلوى ..
ربما كانت جائعتين .."
-7-
لم أر خالد ذاك اليوم
لكّني كنت أرى جبهته ,
سارية في الريح , منارة
لم يوهنها الإبحار
كان الإصرار
مرسوما في عينيه علامة
كان يردّد أنّ الصبح ,
- وإن طال سيأتي
واحتضن وسامه
ومضى ..
يبحث عن أرض ,
تطعمه خبزا وكرامة ..
-8-
لا أذكر كم مرّ من الأعوام
حين تقابلنا أول مرّة
في باحة فندق
وسط دمشق
أذكر كان عناقا ,
عبر الصمت مليئا بالصدق
حيث أعاد إلى سمعي الكلمات الحرّة
كان كلانا ,
يبحث في رحلته عن شاطىء
عن قطعة أرض غالية ,
يسند جبهته المتعبة عليها ..
تطفىء ظمأ الأيام
عن شجر يمنحه الظلّ
عن بيت دافيء
يؤويه إذا جاء الليل
-9-
وفتحنا كلّ شبابيك الجرح
-10-
كان تراب الوطن العربي
ما زال طريّا أخضر
والجثث المقتولة في سيناء
وغزة والجزلان
ينهشها الطير ولم تدفن
وتحدّثنا في ذاك اليوم ,
عن الآمال البرّاقة
وعن السفر الثاني ,
وزنود الفتيان الغلاّبة
إذ تلج بجنح الليل
أبواب فلسطين بلا تصريح
مثل الريح
تحمل شارات الصبح ..
-11-
كنّا نعبر في الطرقات معا
أحزنني وجه دمشق
بردى كان بلا صوت
لاحظت لأول مرّة
أنّ ملابس خالد كانت كاكيّة
لكن فيما بعد عرفت
أنّ صديقي من زمن ,
يلتزم بتدريبات يوميّة
فسرحت ببصري في الصمت
وتحدّث خالد , فاجأني بسؤاله
- ما حال الغربة والأصحاب ؟
جالت في أعماقي الكلمات المرّة
لكنّي أطرقت
-12-
يا أيام الغربة أعطيني إسمي
أعطيني أوراقي ويدي
أعطيني قلمي
آن لنا أن نفترق الآن
آن لهذا القلب المحكوم عليه
أن يرتاد الأبعاد
ركضا خلف خلاص موهوم
آن له أن يستقبل ,
فعل المرتقب المحتوم
بعد سنّي التجوال
أزهر يا غربة في أرضي الليمون
وامتلأ " المارس " بسنابل معطاءة
وابتهج الفلاحون
أمّا الفقراء فقد مدّوا أيديهم ,
واحتضنوا قمر الثورة
يا غربة هاتي كفيّك
أودعك بها كلماتي المرّة
ورنين الزمن الجاحد
إني أرتحل الآن
فيّاضا بالفرح إلى خالد ..
البداية
الخيط
عيناها دوريّان طعينان
والأرض كما تبدو ضيّقة ,
يأخذها الرجفان
كانت تلمس قلبي
وأنا أرفو أيامي كجوارب بالية ,
وأحاول أوّل خيط يوصلني بالموّال ,
أغني هذا الريحان
كيف يسبّح في بستان يديها ,
ويسيل
إذ تهدل أو تسكن أوتارا وأناجيل !
كانت تلمس قلبي وتقوم
فتشيع الموسيقى صامتة من خجل ,
وينّور لوز ,
ويحوم
رفّ نورس في أفق ,
من قمح وغيوم
كانت تلمس قلبي وأغنّي
عيناها دوريّان طعينان
والأرض كما تبدو ضيّقة ,
لا تسع اثنين معا ..
لا تسع اثنين فهل
يأتي الطوفان !
البداية
لها ولي
التراب لها والحجارة لي
الأغاني لها والهوامش لي
النهار الشفيف لها ,
والزوايا البعيدة لي
والهديل الذي ينتهي عند شرفتها فرحا
والضحى
والأريكة والبيلسان
ورنين الكمان
وقطوف الكروم لها
كلّها
ولها المرجان
ثمّ لا شيء لي
غير هذي الحجارة تسقط من منزلي
البداية
الحصار
آه يا وجهي المحنّى
بتراب الوطن
لم يزل يعصرك البعد ..
على أرض المنافي
ويغطّيك بعشب الشجن ..
وأغاجميل انتظار
ورحيل من مدار لمدار
بعدت عنك التي تهوى ,
وقد شطّ المزار
بعدت وجهك ودار
وحدك الآن وقد مرّ القطار
وحدك الآن ومن حولك ,
يلهون بزهر الطاولة
وحدك الآن وصمت البحر ,
ناء عن حصير العائلة
والتي ترقب لم تأت ,
وفيروز تغنّي
بوحها المقهور ,
عن جيل احتراف الحزن ,
والصمت وليل الانتظار
فمتى نخرج من هذا الحصار ؟
فمتى نخرج من هذا الحصار ؟
البداية
الوطن في الأسر
أ
التي رحلت في صمت على أرض المطار
حمّلتني فوق ما أحمل ,
من باقات زهر الانكلاار
والتي ترحل لا تعرف عني
غير حزني
ب
وطني في الأسر يا سيدتي
وأنا أعرف أنّي
ليس لي أن أسأل الآن ,
متى اللقيا ..
فقد حان الرحيل
وبريدي دون عنوان
ويومي سفر ..
وحياتي تذكرة
وارتحال دائم عبر الفصول
فاسألي لي المغفرة
البداية
كفر عانة البعيدة
وحين ابتعدت ,
ومالت على البحر شمس حكاياتنا
وغّيبك الليل عنّي
وأطبق أفق ثقيل الجناح
عرفت مدى اللوعة الحارقة
وكنت صغيرا على الحب ,
لكنّني
بكيت كشيخ ,
وأنت تغيمين في عربات الرحيل
ولمّا كبرت ,
رسمتك في الذاكرة ..
البداية
احتجاج شخصي
-1-
وأينع وجهك هذا المساء
جميلا على صفحة الذاكرة
فغنّيت موت السنابل , جوع العصافير ,
أيقنت أنّك في لحم وقتي
وأنّك أكبر من خاطرة
-2-
تساءلت يا حبّة القلب ,
كيف تمرّ الثواني ,
ويهدر نهر الدقائق ؟
ونحن بعيدان , تعبر تيه المنافي
ولمّا تهبّ الحرائق ؟
-3-
لماذا يمرّ سحاب النهار
ةتبعد عن ناظريّ المراكب ؟
ويزحف في داخلي الليل ,
أشعل كلّ الشموع ولا
ألتقي بك .. أمضي
وأحضن بين يديّ الحقائب ؟
-4-
لئن كان هذا زمان تحت سياط الظهيرة
فكيف لمن شاخ أن يشتهي
عناق الألى غيّبوا , في طوايا الحريق
وكيف تكون الطريق
وما بيننا يا أسيرة
ركام من اللحم , نهر دم من ضحايا ؟
وأخفيت وجهي , هو البعد يدنو
لعيجميل هذي الصلاة , وهذي الأغاني الكلايرة
-5-
ألا إنّني أوجز الآن كلّ فصول الرواية
فلم يسدلوا بعد ستر الختام
ولكن أحسّ بأنّ البطل
سيخدع قبل حلول الظلام
وها أنذا يا نيام
أصيح : حذار , حذار
البداية
شارة المذبحة
أقول وبي همّ جيل
وقدّام عينيّ رفّ سنونو قتيل
ألا إنّها شارة المذبحة
وأنّ الأغاني ديباجة زائفة
وسيل الوعود كمائن للموجة الزاحفة
قرأت الكتاب من الافتتاح إلى الخاتمة
وفاجأت كلّ الشخوص بلا أقنعة
قرأت تواقيعهم في سجلّ التهاني
أنا كنت حامل أوراقهم ,
وكنت أصوغ الأغاني
وحين تجاسرت ألفيتني
خارج القوقعة
أقول وقد أيقظتني رؤى الفاجعة
يجيء زمان السقوط الأخير
ويقضى على الشوكة الجارحة
فقادتنا يجهلون علينا ,
ويريدون أن نترك الأسلحة
ألا إنّها شارة المذبحة
البداية
واستطلعي وجهي
أ – الطيف
بكاء عن شبّاكي وعصف رياح
وأيّ نواح
ويعبر طيفك المبلول بالمطر المدمّى ,
والحطام من السلاح
قفي .. من أين جئت ,
وكيف خلفّت الجراح ؟
يدي يبست , ندائي بحّ ,
واختنق الصباح
وأجزع إذ تجيء الريح بالخبر
ترى صلبت أغانينا على بوّابة السفر ؟
قفي ,
واستطلعي وجهي المحنّى بالتراب
وما كتبت عن الذي يأتي
فما سمعوا
وها أنذا تضجّ بي البلاد ويكبر الوجع
ب- أسفي على إبراهيم
إنّي لأبكي الآن أياما ,
مضين مطرزّات الحلم , لا أبكي على عمري
أبكي على خسران ما كنّا ,
تصوّرناه يوما داني الثمر
أبكي لأنّ أصابعي ,
جمدت على الأغصان لم تقطف ,
وكنت حسبت أنّ مواسما , معطاءة الأمطار ,
تمنح جيلنا خبزا وأورادا
وترقب فوج من يأتون من سفر
أواه لكّني , شهقت , شهقت من جزعي ,
على الميناء
وخجلت إذ تتراجع الأنهار ,
يا أسفي على إبراهيم , لو ألقاه بعد الموت ,
سوف يشيح عنّي الوجه , ينكرني
ويرفضني ..
إنّي أعود لطفلة الأمس التي
قضت الليالي
وهي ترسم بيتها في دفتر الإنشاء ..
ج – ما يحكيه الموتى
ولست يعاتب يوما ,
إذا راحت أناشيدي
تولول في بكاء خافت خائب
وإن ظلّ الغسيل على سطوح الدار مبلولا
وعقد زواجنا ملقى على الغارب
وإن عبرت طيور الحزن من
شبّاكي المفتوح , حطّت فوق أوراقي ,
بنت أعشاشها في وجهي الشاحب
ولكّني سأذكر أنّ وجه حبيبتي ,
قد كان آخر مرّة غاضب ..
البداية
بضع كلمات للحديث عن فراس
ينهلّ صوتك والأغاني مطفأة
والعابرون تأخروا
فالدرب ملغوم , وخلف الباب موتك
قالت لهم ريح البلاد :
ألا احذروا
فتعثّروا
والصمت شارك في سيول الدّم
أعرف أنّ تحت الظلّ , كان الآخرون ,
يدخّنون ,
ويرقبون ..
في نشرة الأخبار – مع زوجاتهم – موتي
وهم يتسامرون
ينهلّ صوتك والنساء لبسن أثواب الحداد
وأنا خبرت من الزمان المرّ هذا أسوأه
هلكت جمال قبيلتي,
لم يسأل الوالي ,
ومزّق جنده كتبي , وأنت تسألين
عن لون هذا الحزن في عينيّ , عن
شعري المشعّث عن مشاوير المساء
والحارس الليليّ أيضا , لا يكفّ عن السؤال
صمت يرافقني
شوارع ذلك البلد البعيد معي ,
وليس بهذه الطرقات من أحد
وأنا أضمّ فراس :
( آه فراس يأكل قلبنا هذا البعاد
ويعود لي حزني الجميل ,
وزهرة الحلم المهاجر والبكاء )
وتعاتبين وأنت لا تدرين ما يفري القلب
هذا شتاء آخر قد فاجأه
ينهلّ صوتك , والأغاني مطفأة
البداية
حين قال سامر : لا في المواجهة الأولى
( أرض واسعة كخلاء
أشبه بالمسرح
يتجمّهر خلق , وإضاءة
فوضى أصوات متداخلة , خطوات المرأة
تملأ أرجاء المطرح
تتوّسط دائرة الضوء
شيء كالصمت
تتحرك , وتحدّق مذعورة ) :
امرأة – من ذا يفتح دفتر أيامي
ويواجه سفر المأساة
إني أرهب سيف التاريخ
حين يسطّر ما كنت كتبت
يا رمل الذكرى , كن طينا وتماسك
( تنفر أعناق الناس
تتلّفت في غضب نحو المرأة
إذ تلمس زيف الكلمات
والحركات المفتعلة
فتواجهها بالأيدي المرفوعة
والنظرات المحتّجة والصيحات
يخرج من بين الجمهور
سامر كالرمح نحيلا , ومضيئا بالحب
يتوّقف في دائرة النور )
سامر- إني أنشل نفسي من بئر الأخطاء
وأحاكمها وأدينك باسم سنابلنا الظمآنه
والشجر المقصوف
( أصوات تخرج من عمق الأشياء
لا يظهر من ينشد
بينا سامر يتمترس خلف الكلمات
والمرأة تخفي عينيها
بيديها )
الأغنية
الجوقة – الحب الماضي ماذا أثمر في دنيانا
ماذا أعطى ؟
هل ثمّة شيء بعد الحب ؟
كلّ الأوراق امتلأت بالكلمات
لم يبق لدينا ما نحكيه
والآن علينا أن نفعل , أن نفعل
نحن عشقنا حتى العشق
وفتحنا الأيدي
لكن لا شيء
نفس الإحساس
نفس الحب ونفس اللحظات
إنّا ننشد أكثر من هذا
نحلم أن يتحقّق في الحب
كلّ رموز العالم
لكن ما زلنا ننتظر , فماذا بعد ؟
ماذا بعد ؟
( تخفت كلمات الأغنية
ويهزّ الغضب المتسائل أبدان الناس
أما المرأة
فتحاول أن لا تستسلم
تتمالك منها الأنفاس
تتحرك في حذر ملحوظ )
المرأة – كنت قديما أبحث عن هذا المطلق
لكن حين رأيتك
صرت لديّ المجهول ,
وصرت عروق الأشياء المفقودة
وعشقتك ,
ليس كما يعشق كلّ الناس
وحلمت بأطفال يأتون
وبفرح لم يشرق ..
سامر- معذرة يا سيدتي
لا يرحل إلاّ من يأتي
لا يكفي الحلم
الجوقة – خيمتنا تحت الدلف
جحظت عيناها
فخجلنا أن لا نبحث عن سقف
سامر- حين تغوص السكين عميقا ,
في القلب
ويصير رغيف الحب
أبعد من قمر في الصحراء
حينئذ لا يتسّع الميناء
لأنين صواري البحر ,
وأشرعة السفن الغرقى
المرأة – سامر يرسم فوق الماء
أجنحة لعصافير الأمس
ويكتب فوق الرمل
ما يرويه الليل
سامر – لا تجرحني كلماتك
أكثر مما فعلت بي
رؤية طفل كان يصيح
وبقايا جدران وسطوح
( يظهر في الظلمة
طيف لامرأة بثياب العرس
تتوسط دائرة الضوء
تبدو مكتئبة
فيباركها سامر بالحب الصامت )
سامر- إنّي أحفر فوق جذوع الأشجار
وجها محزونا
وعصافير تموت
وعيونا
تحمل كلّ ملامح ذاك الطفل
( يتلّمس بيديه ,
جديلتها المبلولة بالدم )
وسأكتب أن الأسفار
أخذتني منك ,
وأنّ الغزلان البريّة والأعشاب
وعبور الليل
أشهى من كلّ الأضواء ,
ومن مدن الغربة
( ينسحب الطيف
يتلاشى تدريجيا في الظلّ
تكبر بقع الدم
في عينيّ سامر
يهذي بكلام لا يفهم )
المرأة – ماذا حلّ بعقله ؟
سامر – من سنوات حين تلاقينا
بعد هبوب الريح الأولى
أخذتني نظرتك ,
أحاطتني كلماتك بالحب
منحتني أجمل وعد
كنت عرفتك من قبل ولكّني ,
صدّقت ..
عدت فغّنيت على أبوابك
كان غنائي يرتّد
مخنوقا داخل حنجرتي
ويموت صداه على أعتابك
وظللت أحدّق في المرآة
منتظرا فعل جوابك
المرأة – ماذا يمكن أن تلقى ,
مرسوما في المرآة
إلاّ وجهك ,
وشحوب النظرات ؟
سامر – إنّي أعبر في تقطيب القسمات
سردابا مجهولا
وأرى باب
أتهيّأ حتى أحمل زادي
لأجوس طريق النار
المرأة – لا تفضي بشبابك للتهلكة , فتندم ..
سامر – لا يا سيدتي
لم يحدث يوما أنّ سماء
مدّت للجائع طبق غذاء
ما لم يصفع جوعه
الصدى - لم يحدث يوما أنّ سماء
مدّت للجائع طبق غذاء
ما لم يصفع جوعه
المرأة – أتشكّ بأخوتك ,
وأبناء العم ؟
سامر – لا يا سيدتي
فأنا أعرفهم جدا
فهمو من هدموا بيتي
من أكلوا لحمي
من باعوا أرضي
أعرف أنّك أنت وعشّاقك ,
أعددتم هذا الحفل
أعرف أكثر من هذا
نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
وتواقيع التجّار
الصدى - نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
وتواقيع التجّار
( المرأة تأخذ شكلا آخر
فالفستان عليها يعتم ,
بأهلّته ونجومه
تتميّع ألوانه
الأحمر والأخضر والأبيض ,
والأصفر والأسود ..
تغدو شرطيّا وهراوة )
المرأة – الشرطيّ – حاذر , حاذر
واضبط أعصابك يا سامر
الجوقة – قل كلماتك يا سامر , قلها
وليرتفع السيف
قلها ,
حتى يكتمل الصف
سامر- وجهك يا سيدتي
يتلوّن ,
يكلح ,
يصفّر ,
ويطالبني بالصمت
لكّني أختار الموت
( إعتام
فوضى , ودوي كلام )
الجوقة – سامر يصنع من ورق الذاكرة ,
رسوما للأطفال
ويشدّ خيوط الأمس
يتماسك في وجه الريح
سامر يختار الموت
صوت سامر – إنّي أؤمن أنّ المطر الخيّر
سيجيء
ويكلاونا بالأعشاب
وستطلع ثانية أزهار الحنّون
ويعمّ غناء الأطفال
ويكون على الأرض
فرح غامر ..
الصدى - ويعمّ غناء الأطفال
ويكون على الأرض
فرح غامر ..
( يظهر سامر
متّجها نحو الظلّ )
سامر- فلتفتح يا سيدتي أبواب السجن
طفح الحزن
طفح الحزن
( الظلمة تفرد في بطء
أطراف ستارتها
فترة صمت )
الجوقة – الليلة لا يحلم سامر أو يتسكّع
بين رفوف الكتب الصفراء
الليلة لا يستجي لقمته ,
لا يكتب أشعار بكاء
الليلة يرسم أقمارا خضراء
فوق الجدران
ويغّني للإنسان
الليلة يحتفل وحيدا في عرسه
يبدع موّالا ,
وأناشيد جديدة
تحمل رائحة القمح الأسمر
والأرض الظمأى
والعشب اليابس
الليلة يمنحنا سرّ الخصب ,
وبدء التكوين
( صمت
موسيقى غضب أسيان )
الجوقة متوّزعة-
أما وقد اختار
في آخر هذا الفصل
أن يرفع كلمتنا ,
ويشيل صليب النار
فلنتذكّر أنّ الليل
سيكون ثقيل الخطو عليه
فلكي لا تمتلىء كؤوس مرارتنا ,
أو تطفح
فلنهدم هذا المسرح
فلنهدم هذا المسرح
( يهدر فجأة
نهر الأصوات الغضبى
وتدّق الأجراس
في حين
تسمع في الظلمة , أصوات مقاعد
تتحّطم
إذ ينفضّ الناس )
البداية
أمور تتعلق بها خاصة
تدفق نهر أغان ,
على شفتيك فأسندت رأسي
وأغفوت حينا
على شرفة الحلم ,
أنصتّ ..( كنت حزينا )
فتابعت أنّ المساء جميل ,
وهذا الهوى لم يدوم
فأيقظت فيّ الهموم
وكانت جدائل شعرك بين يديّ
وفوق جبيني
تراتيل حزن , وحقل سنابل
فدانيت وجهك , زخّ رصاص
على قارعات الطريق بكلّ اتجاه
وأنّت شبابيك جدراننا
تحت نار الجنود
فسبع رؤوس تشبّ بها النار ,
كانت تغنّي ليوم الخلاص
وغالوك يا مهرتي ,
ما انكلارت , ولكن آه
وآه
وآه
البداية
الموت خلف الباب
الموت خلف الباب هل تتسمعّين خطاه
أم تتزيّنين لطلعتي ,
ورضى الوصول .
بحّت ربابات المغّني ,
ما انتهى مدّ النشيد ,
ولا استحال إلى ذهول
عيني على أطفال قريتنا ,
وكيف عراهموا همّ الذبول
كبروا مع الأيام , آه , أكاد ألمحهم ,
كأنّي ما نأيت
ولا عرفت ,
مكابدات النار والدم والرحيل
عيني على صوت يجيء مبلّلا ,
بندى الحقول
مطر الحنين يسحّ دفّاقا ,
على صحراء قلبي ,
غاسلا وجعي ,
يجيء إليّ ذاك الصوت ,
وجها ناضرا وحديقة ,
يغفو على أسوارها طير المساء
ويرق هدهدة ,
فيصغي كلّ عرق فيّ مرتجفا
أعيدي آه ذاك الصوت ثانية ,
وقولي :
( يا ابن العم يا ثوبي علّيي
إن اجاك الموت لاردّه بيدي
ابن العم يا ثوبي الحريري
لاحطّك فوق جنحاني وأطيري
واهدّي فيك ع برج الخليلي )
أواه لا أدري ,
فصوتك موجع هذا المساء
لأشم عطر الجرح ,
نزف طراوة الأعشاب في نبراته ,
وصدى الأفول
" ويلي عليك "
تكلاّرت أغصان حزني فيك ,
صوني الثوب ,
يا أم الذين تضّوروا
جوعا وشالوا في الضلوع ,
بنادق الحب العظيم وسافروا
في الريح فانتظري ,
قدومهمو على باب الفصول
البداية
ثبت العويل في سعف النخيل
أيها الأصدقاء القدامى
سلاما
في المساء يطيب لي الخمر ,
أركض عبر حقول البكاء
أنزوي هامد القلب , مشتعلا بالغناء
شاكرا للزمان جزيل العطاء
راسما شارة للعبور الأليم ,
أزامل برد العراء
وأجمع وردي من الطرقات ,
وما كنت أهديته للمساء
وألملم نفسي علي حرقة ,
إذ يهبّ الهواء
لاهجا باسم من غازلتني
وجاسدتها ألفة ,
وبكينا أسى وانتشاء
ها أنا في عيون التذكّر أهمي وحيدا ,
وأذبل شيئا فشيئا بلا أصدقاء
وأهزّ جذوع النخيل
فيدوّي العويل
آه , آه
يا عيون التي أمطرتني شجى
ليس من مرتجى
***
أذكر الآن أغنية
عن زمان بلون الفجيعة والانكلاار
يوم أفردت أفراد طرفه
حين فقدت جوادي
وأطفأت الريح قنديل ذاك النهار
لا يد لوّحت في المطار
لا عيون التي أشعلتني حوارا ,
دون حوار
فلبست الظلال
عابثا بالحقيبة حينا ,
وحينا أعود فأفرد بين يديّ الجريدة ,
كان الحصار
نافذا مثل سهم ,
وتحتلني وحشة في القرار
لحظة ,
ورأيت المناديل للآخرين انتظار
وأنا كنت وحدي الزحام , وكنت الغبار
أستطيب التذكّر والخمر عند المساء
أيها الأصدقاء
البداية
أبيع المدينة
أبيع المواعيد والأغنيات
أبيع دفاتر شعري ,
وكلّ حكايا الأماسي الحزينة
وآتي لأشرب من حدقتيك ,
شعاع الحياة
وأزهو بأني
أعيش بأرض بلادي
وأحضن رمل بلادي
وأنّي أسير هواك
وأنّي حظيت كعشب البراري
بخصب التراب ,
وسرّ حنان المطر
لأن المغنّي
تعذّب فوق الصليب
وطاف أقاصي الدروب
وظلّ يلوب
سنينا ليأتيك طفلا جديدا ..
تعّرى ,
وألقى ثياب السفر
البداية
الصورة والتذكار
-1-
وأذكر لم يكن أحد ,
عشيّة أن رحلت فعادني حزني
تلفّت قلبي الموجوع بالأشواق
وألقى نظرة مكلاورة الأهداب ,
فوق رفوف مكتبتي ..
وكان فراس
جميلا يرسم البسمات خلف إطار
وكان فراق
يجلّل وجه أمّي بالأسى ,
فتهمّ أن تبكي ..
فأضحك كي تشاركني
وفي جنبات قلبي يطلع الصبّار
فيا تعبي :
أشيل حقائبي , أمشي ..
ولا ألقاكمو قربي
وأحمل ما تضيق به الجوانح ,
-2-
يا شوارع أينهم صحبي ؟1
ويا مقهى " رقيق الحال " كانوا ..
أمس في ركنك
ترى غابوا ؟
فهات إذن " طويل العنق " , أشربه ,
وآخذه معي تذكار
ونمشي والطريق أمامنا تمتدّ للصحراء
فتورق في القرار قصائد التحنان ,
أدرك أنّني في التيه ..
أنقل يا أحبّائي الخطى
وأكابد الإعياء
وأقرأ فوق صفحة هذه الكثبان
رسائلكم
تقول سطورها ويجاهر العنوان
بأنّ طريقنا تفضي إلى البحر
فعد يا أيّها الربّان ,
عد لعروسة الفقر ..
وأومن أن في كلماتكم ..
يا أيّها الأحباب منجاتي
من التجوال والغربة
وأومن أنّ نارا في العروق تعانق الآتي
وتبدع من أحاسيس العذاب خيوط رايتنا
-3-
وماذا بعد ؟
وماذا ينبيء العرّاف , ماذا تضمر الأيام ؟
يقول الكفّ أنّي ..
سوف أرحل باتجاه جزيرة الأحلام
وسوف أخوض نهرا من دم ,
ويصير لون قميصي الكاكيّ ..
أحمر مثل حطّة والدي ,
- الله يرحمه – أبيّا كان
فعاجله رصاص الإنجليز ,
- وكان عمري يومها سنتين –
فهاهت ساعة أمي ,
وكان البين
عميق الحزن ,
فيا أحباب
بعيد ذلك الجرح الذي ,
يمتدّ من عمري
إلى قبري
فذاكرة الطفولة لا تموت ,
ولم تزل في دفتري صورة
لأمي وهي جاثية أمام أبي
وكان جبينه ينزف
وكانت ساقه تنزف
ولهوي يومها بعقاله ,
فلبسته وركضت في الحارة
فأشرق وجهه بالبشر ..
أذكر أنّه قد قال :
" يا ولدي "
وأحنى رأسه وغفا
ولم ~أعرف
لماذا كان يبتسم لي ..
لماذا كان يبتسم لي
البداية
بطاقة إلى فراس
يا لغتي , يا رعشتي المنسابة
في جانحيّ , يا تدفّق الكآبة
يا كلّ هذه المكابدات ,
والتأوهات ,
والرؤى الأسيانة
يا جوع هذا القلب , يا عذابه
يا قمرا على بوّابة
إذا أتتك هذه الكتابة
من يحمل الربابة
من يبعث الحياة في الأوصال
من ينشد الموّال ؟
ومن ..
ومن ..
ومن
تعبت من مرارة السؤال
هل تهطل السحابة ؟
ويهدل الحمام في الوطن ؟
البداية
أيتها الغربة وداعا
-1-
كان صديقي خالد
ممتلئا بالحب
كان رقيقا وعنيفا كالنسمة والإعصار
كان معي في هذا البلد يكابد ..
غربته ,
مرتقبا سيل النار
مسكونا بالفعل الحيّ الصامت
وكان يعانق في الصحراء
واحته المنفيّة خلف جدار باهت
ويحدّثني إذ ألقاه
عن فقدان المعنى والتيه
عن تلك الأيام الصفراء
عن موت الإنسان الضائع ,
خلف قناع التمويه
عن غضب سوف يجيء
يكنس فينا هذا الفقر المعتم ويضيء
غرفا في النفس رماديّة
كان يواجهني بالبسمة
محتجّا ..
إذ أسمعه بعض الشعر الأسيان
- يا قيسيّ
دعنا من هذي السوداويّة
- الحزن خميرتنا يا خالد
والحزن سلاح لا يغمد
نغسل أعماق الروح به ,
نسمو , نتجدّد
حين يرافقنا في اليقظة والنوم
يتنفّس معنا , ويشاركنا الخبز
لا نقدر أن نتجاهل هذي النعمة
يا خالد
-2-
كان جريئا في زمن الصمت
لا يخفض هام الكلمة
لا يرسلها زلفى لأمير أو حاكم
كان يجلّ الصدق
يحلم بمدائن تحتضن الإنسان
لا تورده الموت
لكنّ صديقي خالد
طولب أن يصمت
طولب أن يكلار قلمه
طولب أن يخنق ألمه
طولب أن يرضى بالأمر الواقع
-3-
أسألكم ..
من يرضى أن يسقط طوعا ؟
من يقدر أن يمنع أمّا ,
معدمة , جوعى
من أن تحمل سيفا ؟
وإذا لزم الأمر
أن تسرق ثمن حليب الطفل الجائع ؟
طوبى لأبي ذر
-4-
لم يسرق خالد , لم يحمل سيفا
لم يقتل يوما نملة
كان صديقا للناس , محبّا للفقراء
لكنّ الخوف على أمن الدولة
يلزمهم أن لا تبقى الكلمة مسموعة
أن لا يبقى خالد حرّا
-5-
فوجىء خالد ذات صباح
بدخول الشرطيّ عليه
يحمل بين يديه
كومة أصفاد
في اليوم التالي
نشرت بعض الصحف اليوميّة
أمر الإبعاد
-6-
" ملاحظة ..
في ذلك اليوم , بكت طفلتان صغيرتان , لأن
أباهما تأخر عن موعده , ولم يعد للبيت ,
كانت تنتظران أن يحمل لهم حبّا , وأمنا ,
وحلوى ..
ربما كانت جائعتين .."
-7-
لم أر خالد ذاك اليوم
لكّني كنت أرى جبهته ,
سارية في الريح , منارة
لم يوهنها الإبحار
كان الإصرار
مرسوما في عينيه علامة
كان يردّد أنّ الصبح ,
- وإن طال سيأتي
واحتضن وسامه
ومضى ..
يبحث عن أرض ,
تطعمه خبزا وكرامة ..
-8-
لا أذكر كم مرّ من الأعوام
حين تقابلنا أول مرّة
في باحة فندق
وسط دمشق
أذكر كان عناقا ,
عبر الصمت مليئا بالصدق
حيث أعاد إلى سمعي الكلمات الحرّة
كان كلانا ,
يبحث في رحلته عن شاطىء
عن قطعة أرض غالية ,
يسند جبهته المتعبة عليها ..
تطفىء ظمأ الأيام
عن شجر يمنحه الظلّ
عن بيت دافيء
يؤويه إذا جاء الليل
-9-
وفتحنا كلّ شبابيك الجرح
-10-
كان تراب الوطن العربي
ما زال طريّا أخضر
والجثث المقتولة في سيناء
وغزة والجزلان
ينهشها الطير ولم تدفن
وتحدّثنا في ذاك اليوم ,
عن الآمال البرّاقة
وعن السفر الثاني ,
وزنود الفتيان الغلاّبة
إذ تلج بجنح الليل
أبواب فلسطين بلا تصريح
مثل الريح
تحمل شارات الصبح ..
-11-
كنّا نعبر في الطرقات معا
أحزنني وجه دمشق
بردى كان بلا صوت
لاحظت لأول مرّة
أنّ ملابس خالد كانت كاكيّة
لكن فيما بعد عرفت
أنّ صديقي من زمن ,
يلتزم بتدريبات يوميّة
فسرحت ببصري في الصمت
وتحدّث خالد , فاجأني بسؤاله
- ما حال الغربة والأصحاب ؟
جالت في أعماقي الكلمات المرّة
لكنّي أطرقت
-12-
يا أيام الغربة أعطيني إسمي
أعطيني أوراقي ويدي
أعطيني قلمي
آن لنا أن نفترق الآن
آن لهذا القلب المحكوم عليه
أن يرتاد الأبعاد
ركضا خلف خلاص موهوم
آن له أن يستقبل ,
فعل المرتقب المحتوم
بعد سنّي التجوال
أزهر يا غربة في أرضي الليمون
وامتلأ " المارس " بسنابل معطاءة
وابتهج الفلاحون
أمّا الفقراء فقد مدّوا أيديهم ,
واحتضنوا قمر الثورة
يا غربة هاتي كفيّك
أودعك بها كلماتي المرّة
ورنين الزمن الجاحد
إني أرتحل الآن
فيّاضا بالفرح إلى خالد ..
البداية
الخيط
عيناها دوريّان طعينان
والأرض كما تبدو ضيّقة ,
يأخذها الرجفان
كانت تلمس قلبي
وأنا أرفو أيامي كجوارب بالية ,
وأحاول أوّل خيط يوصلني بالموّال ,
أغني هذا الريحان
كيف يسبّح في بستان يديها ,
ويسيل
إذ تهدل أو تسكن أوتارا وأناجيل !
كانت تلمس قلبي وتقوم
فتشيع الموسيقى صامتة من خجل ,
وينّور لوز ,
ويحوم
رفّ نورس في أفق ,
من قمح وغيوم
كانت تلمس قلبي وأغنّي
عيناها دوريّان طعينان
والأرض كما تبدو ضيّقة ,
لا تسع اثنين معا ..
لا تسع اثنين فهل
يأتي الطوفان !
البداية
لها ولي
التراب لها والحجارة لي
الأغاني لها والهوامش لي
النهار الشفيف لها ,
والزوايا البعيدة لي
والهديل الذي ينتهي عند شرفتها فرحا
والضحى
والأريكة والبيلسان
ورنين الكمان
وقطوف الكروم لها
كلّها
ولها المرجان
ثمّ لا شيء لي
غير هذي الحجارة تسقط من منزلي
البداية
الحصار
آه يا وجهي المحنّى
بتراب الوطن
لم يزل يعصرك البعد ..
على أرض المنافي
ويغطّيك بعشب الشجن ..
وأغاجميل انتظار
ورحيل من مدار لمدار
بعدت عنك التي تهوى ,
وقد شطّ المزار
بعدت وجهك ودار
وحدك الآن وقد مرّ القطار
وحدك الآن ومن حولك ,
يلهون بزهر الطاولة
وحدك الآن وصمت البحر ,
ناء عن حصير العائلة
والتي ترقب لم تأت ,
وفيروز تغنّي
بوحها المقهور ,
عن جيل احتراف الحزن ,
والصمت وليل الانتظار
فمتى نخرج من هذا الحصار ؟
فمتى نخرج من هذا الحصار ؟
البداية
الوطن في الأسر
أ
التي رحلت في صمت على أرض المطار
حمّلتني فوق ما أحمل ,
من باقات زهر الانكلاار
والتي ترحل لا تعرف عني
غير حزني
ب
وطني في الأسر يا سيدتي
وأنا أعرف أنّي
ليس لي أن أسأل الآن ,
متى اللقيا ..
فقد حان الرحيل
وبريدي دون عنوان
ويومي سفر ..
وحياتي تذكرة
وارتحال دائم عبر الفصول
فاسألي لي المغفرة
البداية
كفر عانة البعيدة
وحين ابتعدت ,
ومالت على البحر شمس حكاياتنا
وغّيبك الليل عنّي
وأطبق أفق ثقيل الجناح
عرفت مدى اللوعة الحارقة
وكنت صغيرا على الحب ,
لكنّني
بكيت كشيخ ,
وأنت تغيمين في عربات الرحيل
ولمّا كبرت ,
رسمتك في الذاكرة ..
البداية
احتجاج شخصي
-1-
وأينع وجهك هذا المساء
جميلا على صفحة الذاكرة
فغنّيت موت السنابل , جوع العصافير ,
أيقنت أنّك في لحم وقتي
وأنّك أكبر من خاطرة
-2-
تساءلت يا حبّة القلب ,
كيف تمرّ الثواني ,
ويهدر نهر الدقائق ؟
ونحن بعيدان , تعبر تيه المنافي
ولمّا تهبّ الحرائق ؟
-3-
لماذا يمرّ سحاب النهار
ةتبعد عن ناظريّ المراكب ؟
ويزحف في داخلي الليل ,
أشعل كلّ الشموع ولا
ألتقي بك .. أمضي
وأحضن بين يديّ الحقائب ؟
-4-
لئن كان هذا زمان تحت سياط الظهيرة
فكيف لمن شاخ أن يشتهي
عناق الألى غيّبوا , في طوايا الحريق
وكيف تكون الطريق
وما بيننا يا أسيرة
ركام من اللحم , نهر دم من ضحايا ؟
وأخفيت وجهي , هو البعد يدنو
لعيجميل هذي الصلاة , وهذي الأغاني الكلايرة
-5-
ألا إنّني أوجز الآن كلّ فصول الرواية
فلم يسدلوا بعد ستر الختام
ولكن أحسّ بأنّ البطل
سيخدع قبل حلول الظلام
وها أنذا يا نيام
أصيح : حذار , حذار
البداية
شارة المذبحة
أقول وبي همّ جيل
وقدّام عينيّ رفّ سنونو قتيل
ألا إنّها شارة المذبحة
وأنّ الأغاني ديباجة زائفة
وسيل الوعود كمائن للموجة الزاحفة
قرأت الكتاب من الافتتاح إلى الخاتمة
وفاجأت كلّ الشخوص بلا أقنعة
قرأت تواقيعهم في سجلّ التهاني
أنا كنت حامل أوراقهم ,
وكنت أصوغ الأغاني
وحين تجاسرت ألفيتني
خارج القوقعة
أقول وقد أيقظتني رؤى الفاجعة
يجيء زمان السقوط الأخير
ويقضى على الشوكة الجارحة
فقادتنا يجهلون علينا ,
ويريدون أن نترك الأسلحة
ألا إنّها شارة المذبحة
البداية
واستطلعي وجهي
أ – الطيف
بكاء عن شبّاكي وعصف رياح
وأيّ نواح
ويعبر طيفك المبلول بالمطر المدمّى ,
والحطام من السلاح
قفي .. من أين جئت ,
وكيف خلفّت الجراح ؟
يدي يبست , ندائي بحّ ,
واختنق الصباح
وأجزع إذ تجيء الريح بالخبر
ترى صلبت أغانينا على بوّابة السفر ؟
قفي ,
واستطلعي وجهي المحنّى بالتراب
وما كتبت عن الذي يأتي
فما سمعوا
وها أنذا تضجّ بي البلاد ويكبر الوجع
ب- أسفي على إبراهيم
إنّي لأبكي الآن أياما ,
مضين مطرزّات الحلم , لا أبكي على عمري
أبكي على خسران ما كنّا ,
تصوّرناه يوما داني الثمر
أبكي لأنّ أصابعي ,
جمدت على الأغصان لم تقطف ,
وكنت حسبت أنّ مواسما , معطاءة الأمطار ,
تمنح جيلنا خبزا وأورادا
وترقب فوج من يأتون من سفر
أواه لكّني , شهقت , شهقت من جزعي ,
على الميناء
وخجلت إذ تتراجع الأنهار ,
يا أسفي على إبراهيم , لو ألقاه بعد الموت ,
سوف يشيح عنّي الوجه , ينكرني
ويرفضني ..
إنّي أعود لطفلة الأمس التي
قضت الليالي
وهي ترسم بيتها في دفتر الإنشاء ..
ج – ما يحكيه الموتى
ولست يعاتب يوما ,
إذا راحت أناشيدي
تولول في بكاء خافت خائب
وإن ظلّ الغسيل على سطوح الدار مبلولا
وعقد زواجنا ملقى على الغارب
وإن عبرت طيور الحزن من
شبّاكي المفتوح , حطّت فوق أوراقي ,
بنت أعشاشها في وجهي الشاحب
ولكّني سأذكر أنّ وجه حبيبتي ,
قد كان آخر مرّة غاضب ..
البداية
بضع كلمات للحديث عن فراس
ينهلّ صوتك والأغاني مطفأة
والعابرون تأخروا
فالدرب ملغوم , وخلف الباب موتك
قالت لهم ريح البلاد :
ألا احذروا
فتعثّروا
والصمت شارك في سيول الدّم
أعرف أنّ تحت الظلّ , كان الآخرون ,
يدخّنون ,
ويرقبون ..
في نشرة الأخبار – مع زوجاتهم – موتي
وهم يتسامرون
ينهلّ صوتك والنساء لبسن أثواب الحداد
وأنا خبرت من الزمان المرّ هذا أسوأه
هلكت جمال قبيلتي,
لم يسأل الوالي ,
ومزّق جنده كتبي , وأنت تسألين
عن لون هذا الحزن في عينيّ , عن
شعري المشعّث عن مشاوير المساء
والحارس الليليّ أيضا , لا يكفّ عن السؤال
صمت يرافقني
شوارع ذلك البلد البعيد معي ,
وليس بهذه الطرقات من أحد
وأنا أضمّ فراس :
( آه فراس يأكل قلبنا هذا البعاد
ويعود لي حزني الجميل ,
وزهرة الحلم المهاجر والبكاء )
وتعاتبين وأنت لا تدرين ما يفري القلب
هذا شتاء آخر قد فاجأه
ينهلّ صوتك , والأغاني مطفأة
البداية
حين قال سامر : لا في المواجهة الأولى
( أرض واسعة كخلاء
أشبه بالمسرح
يتجمّهر خلق , وإضاءة
فوضى أصوات متداخلة , خطوات المرأة
تملأ أرجاء المطرح
تتوّسط دائرة الضوء
شيء كالصمت
تتحرك , وتحدّق مذعورة ) :
امرأة – من ذا يفتح دفتر أيامي
ويواجه سفر المأساة
إني أرهب سيف التاريخ
حين يسطّر ما كنت كتبت
يا رمل الذكرى , كن طينا وتماسك
( تنفر أعناق الناس
تتلّفت في غضب نحو المرأة
إذ تلمس زيف الكلمات
والحركات المفتعلة
فتواجهها بالأيدي المرفوعة
والنظرات المحتّجة والصيحات
يخرج من بين الجمهور
سامر كالرمح نحيلا , ومضيئا بالحب
يتوّقف في دائرة النور )
سامر- إني أنشل نفسي من بئر الأخطاء
وأحاكمها وأدينك باسم سنابلنا الظمآنه
والشجر المقصوف
( أصوات تخرج من عمق الأشياء
لا يظهر من ينشد
بينا سامر يتمترس خلف الكلمات
والمرأة تخفي عينيها
بيديها )
الأغنية
الجوقة – الحب الماضي ماذا أثمر في دنيانا
ماذا أعطى ؟
هل ثمّة شيء بعد الحب ؟
كلّ الأوراق امتلأت بالكلمات
لم يبق لدينا ما نحكيه
والآن علينا أن نفعل , أن نفعل
نحن عشقنا حتى العشق
وفتحنا الأيدي
لكن لا شيء
نفس الإحساس
نفس الحب ونفس اللحظات
إنّا ننشد أكثر من هذا
نحلم أن يتحقّق في الحب
كلّ رموز العالم
لكن ما زلنا ننتظر , فماذا بعد ؟
ماذا بعد ؟
( تخفت كلمات الأغنية
ويهزّ الغضب المتسائل أبدان الناس
أما المرأة
فتحاول أن لا تستسلم
تتمالك منها الأنفاس
تتحرك في حذر ملحوظ )
المرأة – كنت قديما أبحث عن هذا المطلق
لكن حين رأيتك
صرت لديّ المجهول ,
وصرت عروق الأشياء المفقودة
وعشقتك ,
ليس كما يعشق كلّ الناس
وحلمت بأطفال يأتون
وبفرح لم يشرق ..
سامر- معذرة يا سيدتي
لا يرحل إلاّ من يأتي
لا يكفي الحلم
الجوقة – خيمتنا تحت الدلف
جحظت عيناها
فخجلنا أن لا نبحث عن سقف
سامر- حين تغوص السكين عميقا ,
في القلب
ويصير رغيف الحب
أبعد من قمر في الصحراء
حينئذ لا يتسّع الميناء
لأنين صواري البحر ,
وأشرعة السفن الغرقى
المرأة – سامر يرسم فوق الماء
أجنحة لعصافير الأمس
ويكتب فوق الرمل
ما يرويه الليل
سامر – لا تجرحني كلماتك
أكثر مما فعلت بي
رؤية طفل كان يصيح
وبقايا جدران وسطوح
( يظهر في الظلمة
طيف لامرأة بثياب العرس
تتوسط دائرة الضوء
تبدو مكتئبة
فيباركها سامر بالحب الصامت )
سامر- إنّي أحفر فوق جذوع الأشجار
وجها محزونا
وعصافير تموت
وعيونا
تحمل كلّ ملامح ذاك الطفل
( يتلّمس بيديه ,
جديلتها المبلولة بالدم )
وسأكتب أن الأسفار
أخذتني منك ,
وأنّ الغزلان البريّة والأعشاب
وعبور الليل
أشهى من كلّ الأضواء ,
ومن مدن الغربة
( ينسحب الطيف
يتلاشى تدريجيا في الظلّ
تكبر بقع الدم
في عينيّ سامر
يهذي بكلام لا يفهم )
المرأة – ماذا حلّ بعقله ؟
سامر – من سنوات حين تلاقينا
بعد هبوب الريح الأولى
أخذتني نظرتك ,
أحاطتني كلماتك بالحب
منحتني أجمل وعد
كنت عرفتك من قبل ولكّني ,
صدّقت ..
عدت فغّنيت على أبوابك
كان غنائي يرتّد
مخنوقا داخل حنجرتي
ويموت صداه على أعتابك
وظللت أحدّق في المرآة
منتظرا فعل جوابك
المرأة – ماذا يمكن أن تلقى ,
مرسوما في المرآة
إلاّ وجهك ,
وشحوب النظرات ؟
سامر – إنّي أعبر في تقطيب القسمات
سردابا مجهولا
وأرى باب
أتهيّأ حتى أحمل زادي
لأجوس طريق النار
المرأة – لا تفضي بشبابك للتهلكة , فتندم ..
سامر – لا يا سيدتي
لم يحدث يوما أنّ سماء
مدّت للجائع طبق غذاء
ما لم يصفع جوعه
الصدى - لم يحدث يوما أنّ سماء
مدّت للجائع طبق غذاء
ما لم يصفع جوعه
المرأة – أتشكّ بأخوتك ,
وأبناء العم ؟
سامر – لا يا سيدتي
فأنا أعرفهم جدا
فهمو من هدموا بيتي
من أكلوا لحمي
من باعوا أرضي
أعرف أنّك أنت وعشّاقك ,
أعددتم هذا الحفل
أعرف أكثر من هذا
نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
وتواقيع التجّار
الصدى - نعرف كلّ سطور التاريخ السريّة ,
وتواقيع التجّار
( المرأة تأخذ شكلا آخر
فالفستان عليها يعتم ,
بأهلّته ونجومه
تتميّع ألوانه
الأحمر والأخضر والأبيض ,
والأصفر والأسود ..
تغدو شرطيّا وهراوة )
المرأة – الشرطيّ – حاذر , حاذر
واضبط أعصابك يا سامر
الجوقة – قل كلماتك يا سامر , قلها
وليرتفع السيف
قلها ,
حتى يكتمل الصف
سامر- وجهك يا سيدتي
يتلوّن ,
يكلح ,
يصفّر ,
ويطالبني بالصمت
لكّني أختار الموت
( إعتام
فوضى , ودوي كلام )
الجوقة – سامر يصنع من ورق الذاكرة ,
رسوما للأطفال
ويشدّ خيوط الأمس
يتماسك في وجه الريح
سامر يختار الموت
صوت سامر – إنّي أؤمن أنّ المطر الخيّر
سيجيء
ويكلاونا بالأعشاب
وستطلع ثانية أزهار الحنّون
ويعمّ غناء الأطفال
ويكون على الأرض
فرح غامر ..
الصدى - ويعمّ غناء الأطفال
ويكون على الأرض
فرح غامر ..
( يظهر سامر
متّجها نحو الظلّ )
سامر- فلتفتح يا سيدتي أبواب السجن
طفح الحزن
طفح الحزن
( الظلمة تفرد في بطء
أطراف ستارتها
فترة صمت )
الجوقة – الليلة لا يحلم سامر أو يتسكّع
بين رفوف الكتب الصفراء
الليلة لا يستجي لقمته ,
لا يكتب أشعار بكاء
الليلة يرسم أقمارا خضراء
فوق الجدران
ويغّني للإنسان
الليلة يحتفل وحيدا في عرسه
يبدع موّالا ,
وأناشيد جديدة
تحمل رائحة القمح الأسمر
والأرض الظمأى
والعشب اليابس
الليلة يمنحنا سرّ الخصب ,
وبدء التكوين
( صمت
موسيقى غضب أسيان )
الجوقة متوّزعة-
أما وقد اختار
في آخر هذا الفصل
أن يرفع كلمتنا ,
ويشيل صليب النار
فلنتذكّر أنّ الليل
سيكون ثقيل الخطو عليه
فلكي لا تمتلىء كؤوس مرارتنا ,
أو تطفح
فلنهدم هذا المسرح
فلنهدم هذا المسرح
( يهدر فجأة
نهر الأصوات الغضبى
وتدّق الأجراس
في حين
تسمع في الظلمة , أصوات مقاعد
تتحّطم
إذ ينفضّ الناس )
البداية
أمور تتعلق بها خاصة
تدفق نهر أغان ,
على شفتيك فأسندت رأسي
وأغفوت حينا
على شرفة الحلم ,
أنصتّ ..( كنت حزينا )
فتابعت أنّ المساء جميل ,
وهذا الهوى لم يدوم
فأيقظت فيّ الهموم
وكانت جدائل شعرك بين يديّ
وفوق جبيني
تراتيل حزن , وحقل سنابل
فدانيت وجهك , زخّ رصاص
على قارعات الطريق بكلّ اتجاه
وأنّت شبابيك جدراننا
تحت نار الجنود
فسبع رؤوس تشبّ بها النار ,
كانت تغنّي ليوم الخلاص
وغالوك يا مهرتي ,
ما انكلارت , ولكن آه
وآه
وآه
البداية
الموت خلف الباب
الموت خلف الباب هل تتسمعّين خطاه
أم تتزيّنين لطلعتي ,
ورضى الوصول .
بحّت ربابات المغّني ,
ما انتهى مدّ النشيد ,
ولا استحال إلى ذهول
عيني على أطفال قريتنا ,
وكيف عراهموا همّ الذبول
كبروا مع الأيام , آه , أكاد ألمحهم ,
كأنّي ما نأيت
ولا عرفت ,
مكابدات النار والدم والرحيل
عيني على صوت يجيء مبلّلا ,
بندى الحقول
مطر الحنين يسحّ دفّاقا ,
على صحراء قلبي ,
غاسلا وجعي ,
يجيء إليّ ذاك الصوت ,
وجها ناضرا وحديقة ,
يغفو على أسوارها طير المساء
ويرق هدهدة ,
فيصغي كلّ عرق فيّ مرتجفا
أعيدي آه ذاك الصوت ثانية ,
وقولي :
( يا ابن العم يا ثوبي علّيي
إن اجاك الموت لاردّه بيدي
ابن العم يا ثوبي الحريري
لاحطّك فوق جنحاني وأطيري
واهدّي فيك ع برج الخليلي )
أواه لا أدري ,
فصوتك موجع هذا المساء
لأشم عطر الجرح ,
نزف طراوة الأعشاب في نبراته ,
وصدى الأفول
" ويلي عليك "
تكلاّرت أغصان حزني فيك ,
صوني الثوب ,
يا أم الذين تضّوروا
جوعا وشالوا في الضلوع ,
بنادق الحب العظيم وسافروا
في الريح فانتظري ,
قدومهمو على باب الفصول
البداية
ثبت العويل في سعف النخيل
أيها الأصدقاء القدامى
سلاما
في المساء يطيب لي الخمر ,
أركض عبر حقول البكاء
أنزوي هامد القلب , مشتعلا بالغناء
شاكرا للزمان جزيل العطاء
راسما شارة للعبور الأليم ,
أزامل برد العراء
وأجمع وردي من الطرقات ,
وما كنت أهديته للمساء
وألملم نفسي علي حرقة ,
إذ يهبّ الهواء
لاهجا باسم من غازلتني
وجاسدتها ألفة ,
وبكينا أسى وانتشاء
ها أنا في عيون التذكّر أهمي وحيدا ,
وأذبل شيئا فشيئا بلا أصدقاء
وأهزّ جذوع النخيل
فيدوّي العويل
آه , آه
يا عيون التي أمطرتني شجى
ليس من مرتجى
***
أذكر الآن أغنية
عن زمان بلون الفجيعة والانكلاار
يوم أفردت أفراد طرفه
حين فقدت جوادي
وأطفأت الريح قنديل ذاك النهار
لا يد لوّحت في المطار
لا عيون التي أشعلتني حوارا ,
دون حوار
فلبست الظلال
عابثا بالحقيبة حينا ,
وحينا أعود فأفرد بين يديّ الجريدة ,
كان الحصار
نافذا مثل سهم ,
وتحتلني وحشة في القرار
لحظة ,
ورأيت المناديل للآخرين انتظار
وأنا كنت وحدي الزحام , وكنت الغبار
أستطيب التذكّر والخمر عند المساء
أيها الأصدقاء
البداية