الشاعر محمد القيسي
نبذة
ولد في كفر عانة (فلسطين) عام 1945 ، عمل في حقل الصحافة والمقاومة ، عضو جمعية الشعر. مؤلفاته:
1- راية في الريح- شعر- دمشق 1969.
2- خماسية الموت والحياة- شعر- بيروت 1971.
3- رياح عز الدين القسام- مسرحية شعرية- بغداد 1974.
4- الحداد يليق بحيفا- بيروت 1975.
5- إناء لأزهار سارا، زعتر لأيتامها- شعر- بيروت 1979.
6- اشتعالات عبد الله وأيامه- شعر- بيروت 1981.
7- كم يلزم من موت لنكون معاً- شعر- بيروت 1982.
8- أغاني المعمورة- شعر- عام 1982.
9- أرخبيل المسرات الميتة- شعر- عمان 1982.
البداية
في المنفى
ترى من سيخبر الأحباب أنّا ما نسيناهم
وأنّا نحن في المنفى نعيش بزاد ذكراهم
وأنّا ما سلوناهم
فصحبتنا بفجر العمر ما زالت تؤانسنا
وما زالت بهذي البيد في المنفى ترافقنا
ونحن بهذه الغربة
تعشّش في زوايانا عناكب هذه الغربة
تمدّ خيوطها السوداء في آفاقنا الغبراء أحزانا
تهدهد جفننا الأحلام تنقلنا على جنح من الذكرى
إلى عهد مضى حيث السكون يثير نجوانا
وحيث الشوق أغنية نردّدها على ربوات قريتنا
وحيث الحبّ في بلدي كلام صامت الّنبرة
كلام صادق الإحساس والنظرة
وحلم أخضر في القلب يروي سرّ نشوتنا ,
ويحضننا ويرعانا
ترى من يخبر الأحباب أنّا ما نسيناهم
فكيف يغيب من في القلب محفوظ له تذكار
ومن في الغور في طيّ الحنايا شعلة من نار
تجدّد صفحة الماضي
فينهار المدى النائي
وتحذف بيننا الأبعاد
ويجمعنا بجوف الليل حلم ينثر النّوار
فنصحو والفؤاد يلملم الذكرى
يجفّف دمعة حرّى
ترى من يعرف الأحباب من يدري نواياهم
وهل بثّوا بقلب الليل للغيّاب نجواهم
وهل عرجوا ترى يوما على عشّ الهوى المهجور
وهل ذرفوا دموع الصمت , هل أدمتهم الذكرى
وهل خففت جوانحهم وقالوا مثلنا شعرا ؟
فإنّ البعد أدمانا , أحال حياتنا تنّور
يعذّبنا خفوق القلب , تملك روحنا الرعشة
وفي أحداقنا تنمو جذور الحزن والآلام والوحشة
يمرّ الليل عن جفني ويسألني
حزين ساهر تشكو من الأيام والمحن
متى تشفى من الشجن ؟
أحبائي سؤال الليل يؤلمني
ويحزنني
لأنّي كلّ ما أدريه أنّي بتّ منفيّا
وأنّي لم أزل حيّا
تعذّبني وتقلقني
طيوف الأمس والذكرى تعذّبني
فأجترّ الأسى والصمت والحيرة
وأقتات الفراغ الرحب أنحر فيه أيامي
وتقضم عشب أحلامي
نيوب الوحشة المرّة
وتملأ خافقي بالحزن , تفعم عالمي حسرة
فأطوي صفحة الماضي , وأغفو علّني أصحو
على ربواتنا أعدو
وأحضن في ثراها الشوق , ألمسه بتحنان
ويغرقني عبير الأرض , يسكرني بلا خمرة
وأحيا حلمي المنشود , ألمح فيه إنساني
وأدفن فيه أشجاني
ولكّني أحبائي أفيق وبيننا سدّ
غريب في بلاد النفي ينهش عمره البعد
ويسقم قلبه الوجد
يداعبه سنا أمل , بدا في أفقه واه
غدا يمضي بنا التّيار يجمعنا بمن نهوى
ويدري الناس والأحباب أنّا ما سلوناهم
وأنّا لم نزل في مركب الأشواق نبحر صوب دنياهم
ويدفعنا جنون الوجد يسبقنا للقياهم
ترى من يخبر الأحباب أنّ ما نسيناهم
وأنّا لم نزل في مركب الأشواق نبحر صوب دنياهم
ويدفعنا جنون الوجد يسبقنا للقياهم
ترى من يخبر الأحباب أنّ ما نسيناهم
البداية
مشهد الدخان
ودخان على القلب هذا الدخان
دخان،
دخان
خرجت من النور أم خانني النص،
حتى ليزداد أو يتجدد هذا الغياب،
وتنأى ظلال النهار،
وينأى الأمان
دخان
دخان
تدور بي الدائرات بعيدا
رماد الهواجس يومي
ويكلار قلبي الرهان
دخان
دخان
ويظلم دوني المكان
درجت هنا عزلة عزلة
ورماني الحنان
وقلت أمرن حالى على الاحتمال،
ويصقل روحي المران
دخان،
دخان
فلا حصدت كلماتي سوى الكلمات،
ولا خف في جانبي اعتمال
ولا واصل الأقحوان
سكينة من بات في الظل،
مكتفيا بالقليل،
وأيامه جيشان
دخان،
دخان،
ويكتب ما يفلق الصخر حزنا
يململ هذا الفضاء
ويهفو له الخفقان
هوى إذ روى
واستبد الجوى
بمجامعيه،
وتقاطيعه،
وانتهى المهرجان
دخان
دخان
رعيت الأوز وأطعمت بين يديك الحمام،
وما شاب قمحي زؤان
وأعرف ما كنت إلا الغلام القتيل،
وسياف نفسي أفردت جدا
فمن أين يأتي ائتمان
دخان،
دخان
يموت الندى كل يوم
ويذبل في حبه البيلسان
دخان على القلب هذا الدخان
دخان،
دخان.
البداية
قصيدة يونانية
(إلى هنري ميللر)
مشبع بالرنين
مشبع بتفاصيلها
وبسيط كخيط الأنين
وهي حبلى بأشياء غامضة،
غالبا ما أجيء نضارتها بعد حين
مشبع بالرنين
قرب سورلبيت
يظل بمكنونه لا يبين،
وآنا يبين
كيف أملأ هذا الفراغ إلهي
وأخفر ساحل أهدابها
برياش الحنين!
إنني ميت لا محالة من فرحي
وأسيف
وبي نفحة مثلما قيل لي
من سلالة قوم،
قضوا
عاشقين
مشبع بالرنين
البداية
الليل والقنديل المطفأ
الليل وقنديلي المطفأ
والصمت المطبق والجدران
وصرير الريح الضائع في جوف الليل
ونجوم شاحبة تغرب , صفراء اللون
وبقايا أغنية يلفظها مذياع
سكبت في قلبي الأحزان
جمعت في بيدر إحساسي الأشجان
وانثالت في روحي شلاّل عذاب وهوان
وأنا والقلب وهدبي المبتل
نجترّ الحزن ونقتات الحرمان
نركض خلف الحلم الهارب منّا
الحلم النائم في إيوان الغيب
ما زلنا نحلم أن نلقاه
في درب العمر ولو مرّة
كي يملأ دنيانا فيض سناه
فلقد أعيانا عبء الصخرة
عبء يرسب في أعماق منانا الحسرة
يرمي بالسهد طيور القلب
ونظلّ نطارد في الوهم خيالا
ونجوس التيه ونعبر غابات الموت
ويظلّ القنديل بلا زيت
وأنا والليل المطبق
أشلاء ضائعة تتمزّق
تضنينا الأشواق فلا نشكو
ونموت إذا عرّتنا الشمس
أو سبرت منّا الأغوار
ننشد في ظلّ دروب الغربة والترحال
نهرا يغسل فينا الأحزان
ننشد شمسا تدحو عن درب العودة أشباح الظلمة
ننشد نجمة
تحضننا في ليل اليأس
تهدي خطوات القلب
للحلم الضائع , للطفل الغافي في حضن الغيب
علّ جراحات الأمس
تخمد جذوتها ويجفّ غدير الأحزان
ونذوب صلاة
ونعود كمن يحرث في الملح
لا نجني غير عذاب الجرح
غير ضياع الأحلام
لنعيش كأغراب تحت الشمس
ما زلنا نحمل فوق الصدر بقايا الأحزان
نصرخ في وجه الأيام
نتحدّى في إصرار جلاّد العصر
وسياط الغربة تدّمي فينا الوجدان
ما زلنا نمخر في الليل دياجير العمر
ننهل من كأس الصبر
ومع الخفقات ونوح الآه
تورق أزهار محبّة
تولد رغبة !
البداية
عن الصمت والكلمات
أضمّ يدي على جرحي
وأخنق في قرار القلب تنهيدة
وأمضي في الأسى وحدي
وليل الصمت يطويني
وأشرب خيبة الكلمة
وأجرع غصّتي والحزن يضنيني
وفي قلبي نداء لاهف ما زال يدعوني
يشبّ حرائقا في أضلعي ويشدّني للخلف
ويزرع في عيوني الخوف
فأوغل في متاهاتي
أواري الحزن في طيّات أغواري
وأطمر في رمال الغيب أسراري
على شفتيّ قد صلبوا حنين الحرف
أهانوا عفّة الكلمة
أرادوا الموت للكلمة
أرادوا الصمت للشاعر
وما حسبوا بأنّ الحرف بحر ما له آخر
وأنّ المجد للشاعر
البداية
الليل والقنديل المطفأ
الليل وقنديلي المطفأ
والصمت المطبق والجدران
وصرير الريح الضائع في جوف الليل
ونجوم شاحبة تغرب , صفراء اللون
وبقايا أغنية يلفظها مذياع
سكبت في قلبي الأحزان
جمعت في بيدر إحساسي الأشجان
وانثالت في روحي شلاّل عذاب وهوان
وأنا والقلب وهدبي المبتل
نجترّ الحزن ونقتات الحرمان
نركض خلف الحلم الهارب منّا
الحلم النائم في إيوان الغيب
ما زلنا نحلم أن نلقاه
في درب العمر ولو مرّة
كي يملأ دنيانا فيض سناه
فلقد أعيانا عبء الصخرة
عبء يرسب في أعماق منانا الحسرة
يرمي بالسهد طيور القلب
ونظلّ نطارد في الوهم خيالا
ونجوس التيه ونعبر غابات الموت
ويظلّ القنديل بلا زيت
وأنا والليل المطبق
أشلاء ضائعة تتمزّق
تضنينا الأشواق فلا نشكو
ونموت إذا عرّتنا الشمس
أو سبرت منّا الأغوار
ننشد في ظلّ دروب الغربة والترحال
نهرا يغسل فينا الأحزان
ننشد شمسا تدحو عن درب العودة أشباح الظلمة
ننشد نجمة
تحضننا في ليل اليأس
تهدي خطوات القلب
للحلم الضائع , للطفل الغافي في حضن الغيب
علّ جراحات الأمس
تخمد جذوتها ويجفّ غدير الأحزان
ونذوب صلاة
ونعود كمن يحرث في الملح
لا نجني غير عذاب الجرح
غير ضياع الأحلام
لنعيش كأغراب تحت الشمس
ما زلنا نحمل فوق الصدر بقايا الأحزان
نصرخ في وجه الأيام
نتحدّى في إصرار جلاّد العصر
وسياط الغربة تدّمي فينا الوجدان
ما زلنا نمخر في الليل دياجير العمر
ننهل من كأس الصبر
ومع الخفقات ونوح الآه
تورق أزهار محبّة
تولد رغبة !
البداية
العابر
كان يمشي واهي الخطو حزينا
شارد الطرف رهيبا في خطاه
وجهه المغبّر يطوي ,
في تجاعيد الأسى بوح جراحه
كان في أحداقه سيل دموع
ولقد كان سجينا
بإسار الصمت , باستغراقه في الحزن ,
والتحديق في الأفق البعيد
ومضى عنّا وما عدنا نراه
دون أن نفلح في إدراك أغوار أساه
ظلّ لغزا في العيون
مثل وهم لا يصدّق
ظلّ باب في ضمير الغيب مغلق
نحن كم جئنا إليه
وابتهلنا أن يعرّي ,
حزنه المدثور بالكتمان والصمت الرهيب
وفتحنا شرفة القلب له ,
وغمرناه بسيل من حنان
كان لا يعرف معنى الإبتسام
كان يحيا عمره دون كلام
فهو دوما صامت الحرف يعيش الكلمة
في أتون الشوق في عينيه في قلب الحياة
أمس والظلمة كانت تحضن البلدة والليل حزين
كنت وحدي ,
أعبر الدرب إلى بيتي القديم
أنقل الخطو وفي الأعماق ينمو ,
ألف إحساس كئيب
ينسج الليل مع الوحشة والخوف طريقي
كنت وحدي وخيالات من الأمس القريب
زاحمت فكري وهزّت ,
خافقي الثاوي بعمق اللاقرار
وتحقّقت يقينا
أنّ درب الغربة السوداء دربي
أنّني أمخر في المنفى بحارا وبحار
مرفأي ضيّعته , والمركب المهزوم تنئيه الرياح
فجأة لاح أمامي ,
ذلك العابر يمشي واهي الخطو حزينا
جفّت البسمة في قلبي ,
وكأن الليل ينساب كئيبا
يسكب الحزن الأصيلا
في وعاء الروح , في عمق قراري
ذلك العابر قد عانق ظلّي
يوقظ الأمس فلا يجدي فراري
من خيوط نسجت في الحلم في ليل السهاد
جعبة الأحلام ضاعت بين أكوام الضباب
وتلاشيت وحيدا في الزحام.
البداية
أغنية في الطريق
أحبابنا ,
هل يبسم الزمان مرّة لنا
وهل يعود حبّنا
يعانق الحياة , يسكب المنى
في غور أعماقنا ؟
أحبابنا ,
هل يفرح المعذّبون في متاهة الضياع ؟
وهل نظلّ نمضغ السؤال
ونذرع الطريق في ابتهال ؟
وفي المسير نحو موعد تزفّه لنا الصدف
إن كان يا أحبابنا الجواب أن نظلّ سائرين
يا ويلنا ,
يا ويل أعمارنا
من طول ما نسير
في دربنا المغبرّ الحزين
في ليلنا الطويل دونما سنا
***
الله يا أحبابنا
يا بؤسنا وعذابنا
ويا احتراق الشوق في أحداقنا
ترى يطول بيننا البعاد ؟
ترى تظلّ هذه الأسوار بيننا
تحيل حلمنا رماد
تمزّق الفؤاد ؟
أحبابنا وأنتمو هناك في البعيد
فوق احتمال الوعد واللقاء
وفوق أن يضمنّا مكان
نعيش رغم قسوة الجدار
نعيش في انتظار
بشارة بوعد
بكلمة تضمّ في حروفها الحنان
***
أحبابنا سيضحك الزمان
رغم امتداد السور بيننا
فرعشة الحياة في الفؤاد
خفّاقة المنى ,
تمدّنا ببسمة الأمل
تنير دربنا
البداية
أيار والأحزان
لو مرّة أيار تأتينا وفي شفتيك وعد أو بشارة
لو مرّة تحنو , تعانقنا , ومن كفّيك تمنحنا الشرارة
لو تطفأ الأحزان في عيجميل يا ذلاّ حملنا ,
في دروب النفي عاره
كنّا ورغم الغربة السوداء نبسم , نستفيق ,
يشعّ في كلماتنا نور العبارة
كنّا هدمناها جسور الوهم أبحرنا إلى عيجميل يا وطني
كنّا نسيناها أغاني السهد والحزن
كنّا زرعنا الأفق يا أيار أنغاما
كانت مواويل العتابا , ميجنا
تندي روابينا حنينا دافئا , خصبا , سلاما
لكنّما أيار أنت تثير بي شجني
البداية
الإبحار والمركب
تتلفّت العينان حولي لا أرى
إلاّ صحابا ها هنا متفرقّين
تتجسّد المأساة في نظراتهم
صورا من الأحزان والألم الدفين
ويروح يمخر في عباب البحر مركبنا الحزين
ونظّل نغرق في دياجير السنين
والليل يا أيار في بلدي ,
جدار يصفع اللحظات من أعمارنا
سوداء إذ تأتي ولا جدوى ,
وهذي الريح تلعن خطونا
البداية
الحصاد
ها نحن نحصد ما زرعنا ,
والحصاد العام أحزن ما يكون
فمواسم الأيام ما أعطت
وجفّت كلّ أزهار الفصول
وسماؤنا يا ليل موصدة , ملبدّة
سحائب من تراب
والريح تركض خلفنا , وتصبّ لعنتها
ويمضي الركب , يوغل في مفاوز غربة الحزن العميق
يا حادي الأحزان نحن بلا دليل
ضاع الطريق
ضاع الطريق
وحداؤك النوّاح أعماق معذّبة جريحة
ينثال في غور الجوانح أنّة حيرى ,
تردّدها الصحارى ,
تسكب الأحزان في الكلمات ,
تغرق في بحار التيه والصمت المخاطيّ الجدار
البداية
الغنوة الأولى
غنّيت يا وطني ,
وكانت غنوتي الأولى مبلّلة بأحزان الرحيل
وعشقت يا وطني ,
وكانت من عشقت صبيّة حسناء من يافا ,
فلسطينية القسمات تبسم للشعاع ,
يطلّ , يحمل رعشة الأنسام ,
تجزع إذ تلوح خطى الغروب
كانت تغنّي للصباح
ينداح موج الذكريات على الجفون
ويروح يصفعني العذاب ,
ولسعة الأشواق والليل الغريب
الصمت إذ يمتدّ , يحبل بيننا في الليل أحزانا رمادية
تسّاقط الزهرات يا وطني
ونسمع كلّ يوم ألف أغنية .
فلترسل الأنّات , غنّ عذابنا ,
يا حادي الآلام يا مبكي الجراح
فلعل يغفو الجرح أو يتفجّر البركان
قد طال هذا الليل في بلدي ,
وقافلة الضياع تلجّ عبر غياهب المجهول تحملنا ,
وفي الأحداق زاد من رؤى الأحباب خلف السور ,
منسيّون نحن هنا ومنفيّون تلعننا الرياح .
البداية
نهر بلا روافد
رفيقة هدبي المكلاور
أعود إليك حين تزورني الأحزان
أعود إليك كلّ مساء
شريدا دونما بيت
أعود إليك مثل يتيم
يودّع بالدموع لحود أحبابه
تغلّفني كآبة عمري المنشور فوق جدائل الحرمان
ويصلبني حنين الآن
إليك إليك يا شمسا ربيعيّة
تذيب صقيع أحزاني وتحضن قلبي المقرور
تهدهده بعذب الوهم , تلثم جرحه لمسات تحنانك
وأعرف أنّني نهر بلا روافد
يعود إليك يغرق أرضك السمحاء بالأشجان
وأنّك وهمة الوافد
ظلمتك حين شدّتني الخيوط إليك ,
وحين تجمّعت كلماتنا نجما على بابك
وحين وضعت زادي فوق مائدتك
غريبا كنت أمضغ غربتي السوداء في الطرقات
تطاردني وحوش الأرض كنت مقيّد الخطوات
وكنت مطيّة للصمت والأنواء
تقاذفني إليك وكنت أنت منارة ,
في الشاطىء الآخر
عبرت إليك جسر الحزن بعد عناء
وكان الوعد منذ وجودنا أن نلتقي غرباء
وتصافحنا بلا أيد ولا نظرات
تكلّمنا بلا حرف بلا بسمات
جمعنا الحزن والصمت العميق فعزّت الكلمات
وأذكر أنّني مذ كنت لم أحلم كما الأطفال
بثوب العيد والحلوى
ولا منّيت أيّامي بعودة غائب ,
يجتاز عتبة حزني الفيّاض , ينشر بهجة الدنيا
فماذا , لم يكن في الدار نجم الحبّ يحضنني
يبرعم في غدي الآمال
ويمسح عن جبيني حرقة الشجن
فأبصرت العذب يحوط سور حديقتي ويشوّه الأزهار
لمحتك حينما عيناي يا عمري تفتحتا ,
وكانت حفتني أسرار
دنوت إليهما ,
صلّيت للآلام لحظة أن دنوت ,
وما ابتسمت ,
قرأت تاريخ الضياع على جبينك , كنت مثلي ,
مقودي في قبضة الغيب
على كتفيّ أحمل بؤس أقداري
وألوانا من الغربة
فعانقني حنينك يا معذّبتي ,
ونوّح في فؤادي بوحك الصامت
تلاقينا على الحرمان في ظلمات هذا العصر
ولم نعرف كلانا كيف نشدو غنوة الحبّ
لأنّا ما ابتسمنا قبل , لم نحلم بفرحته ,
وما هي خفقة القلب
كنّا نخنق الآهات , نطفىء في مواقد حزننا أوهامنا ,
ونذيب شوق العمر
مشينا دربنا يمتدّ , ترصدنا عيون الموت
وغنيّنا فضاع نشيدنا في وشوشات الصمت
نبذة
ولد في كفر عانة (فلسطين) عام 1945 ، عمل في حقل الصحافة والمقاومة ، عضو جمعية الشعر. مؤلفاته:
1- راية في الريح- شعر- دمشق 1969.
2- خماسية الموت والحياة- شعر- بيروت 1971.
3- رياح عز الدين القسام- مسرحية شعرية- بغداد 1974.
4- الحداد يليق بحيفا- بيروت 1975.
5- إناء لأزهار سارا، زعتر لأيتامها- شعر- بيروت 1979.
6- اشتعالات عبد الله وأيامه- شعر- بيروت 1981.
7- كم يلزم من موت لنكون معاً- شعر- بيروت 1982.
8- أغاني المعمورة- شعر- عام 1982.
9- أرخبيل المسرات الميتة- شعر- عمان 1982.
البداية
في المنفى
ترى من سيخبر الأحباب أنّا ما نسيناهم
وأنّا نحن في المنفى نعيش بزاد ذكراهم
وأنّا ما سلوناهم
فصحبتنا بفجر العمر ما زالت تؤانسنا
وما زالت بهذي البيد في المنفى ترافقنا
ونحن بهذه الغربة
تعشّش في زوايانا عناكب هذه الغربة
تمدّ خيوطها السوداء في آفاقنا الغبراء أحزانا
تهدهد جفننا الأحلام تنقلنا على جنح من الذكرى
إلى عهد مضى حيث السكون يثير نجوانا
وحيث الشوق أغنية نردّدها على ربوات قريتنا
وحيث الحبّ في بلدي كلام صامت الّنبرة
كلام صادق الإحساس والنظرة
وحلم أخضر في القلب يروي سرّ نشوتنا ,
ويحضننا ويرعانا
ترى من يخبر الأحباب أنّا ما نسيناهم
فكيف يغيب من في القلب محفوظ له تذكار
ومن في الغور في طيّ الحنايا شعلة من نار
تجدّد صفحة الماضي
فينهار المدى النائي
وتحذف بيننا الأبعاد
ويجمعنا بجوف الليل حلم ينثر النّوار
فنصحو والفؤاد يلملم الذكرى
يجفّف دمعة حرّى
ترى من يعرف الأحباب من يدري نواياهم
وهل بثّوا بقلب الليل للغيّاب نجواهم
وهل عرجوا ترى يوما على عشّ الهوى المهجور
وهل ذرفوا دموع الصمت , هل أدمتهم الذكرى
وهل خففت جوانحهم وقالوا مثلنا شعرا ؟
فإنّ البعد أدمانا , أحال حياتنا تنّور
يعذّبنا خفوق القلب , تملك روحنا الرعشة
وفي أحداقنا تنمو جذور الحزن والآلام والوحشة
يمرّ الليل عن جفني ويسألني
حزين ساهر تشكو من الأيام والمحن
متى تشفى من الشجن ؟
أحبائي سؤال الليل يؤلمني
ويحزنني
لأنّي كلّ ما أدريه أنّي بتّ منفيّا
وأنّي لم أزل حيّا
تعذّبني وتقلقني
طيوف الأمس والذكرى تعذّبني
فأجترّ الأسى والصمت والحيرة
وأقتات الفراغ الرحب أنحر فيه أيامي
وتقضم عشب أحلامي
نيوب الوحشة المرّة
وتملأ خافقي بالحزن , تفعم عالمي حسرة
فأطوي صفحة الماضي , وأغفو علّني أصحو
على ربواتنا أعدو
وأحضن في ثراها الشوق , ألمسه بتحنان
ويغرقني عبير الأرض , يسكرني بلا خمرة
وأحيا حلمي المنشود , ألمح فيه إنساني
وأدفن فيه أشجاني
ولكّني أحبائي أفيق وبيننا سدّ
غريب في بلاد النفي ينهش عمره البعد
ويسقم قلبه الوجد
يداعبه سنا أمل , بدا في أفقه واه
غدا يمضي بنا التّيار يجمعنا بمن نهوى
ويدري الناس والأحباب أنّا ما سلوناهم
وأنّا لم نزل في مركب الأشواق نبحر صوب دنياهم
ويدفعنا جنون الوجد يسبقنا للقياهم
ترى من يخبر الأحباب أنّ ما نسيناهم
وأنّا لم نزل في مركب الأشواق نبحر صوب دنياهم
ويدفعنا جنون الوجد يسبقنا للقياهم
ترى من يخبر الأحباب أنّ ما نسيناهم
البداية
مشهد الدخان
ودخان على القلب هذا الدخان
دخان،
دخان
خرجت من النور أم خانني النص،
حتى ليزداد أو يتجدد هذا الغياب،
وتنأى ظلال النهار،
وينأى الأمان
دخان
دخان
تدور بي الدائرات بعيدا
رماد الهواجس يومي
ويكلار قلبي الرهان
دخان
دخان
ويظلم دوني المكان
درجت هنا عزلة عزلة
ورماني الحنان
وقلت أمرن حالى على الاحتمال،
ويصقل روحي المران
دخان،
دخان
فلا حصدت كلماتي سوى الكلمات،
ولا خف في جانبي اعتمال
ولا واصل الأقحوان
سكينة من بات في الظل،
مكتفيا بالقليل،
وأيامه جيشان
دخان،
دخان،
ويكتب ما يفلق الصخر حزنا
يململ هذا الفضاء
ويهفو له الخفقان
هوى إذ روى
واستبد الجوى
بمجامعيه،
وتقاطيعه،
وانتهى المهرجان
دخان
دخان
رعيت الأوز وأطعمت بين يديك الحمام،
وما شاب قمحي زؤان
وأعرف ما كنت إلا الغلام القتيل،
وسياف نفسي أفردت جدا
فمن أين يأتي ائتمان
دخان،
دخان
يموت الندى كل يوم
ويذبل في حبه البيلسان
دخان على القلب هذا الدخان
دخان،
دخان.
البداية
قصيدة يونانية
(إلى هنري ميللر)
مشبع بالرنين
مشبع بتفاصيلها
وبسيط كخيط الأنين
وهي حبلى بأشياء غامضة،
غالبا ما أجيء نضارتها بعد حين
مشبع بالرنين
قرب سورلبيت
يظل بمكنونه لا يبين،
وآنا يبين
كيف أملأ هذا الفراغ إلهي
وأخفر ساحل أهدابها
برياش الحنين!
إنني ميت لا محالة من فرحي
وأسيف
وبي نفحة مثلما قيل لي
من سلالة قوم،
قضوا
عاشقين
مشبع بالرنين
البداية
الليل والقنديل المطفأ
الليل وقنديلي المطفأ
والصمت المطبق والجدران
وصرير الريح الضائع في جوف الليل
ونجوم شاحبة تغرب , صفراء اللون
وبقايا أغنية يلفظها مذياع
سكبت في قلبي الأحزان
جمعت في بيدر إحساسي الأشجان
وانثالت في روحي شلاّل عذاب وهوان
وأنا والقلب وهدبي المبتل
نجترّ الحزن ونقتات الحرمان
نركض خلف الحلم الهارب منّا
الحلم النائم في إيوان الغيب
ما زلنا نحلم أن نلقاه
في درب العمر ولو مرّة
كي يملأ دنيانا فيض سناه
فلقد أعيانا عبء الصخرة
عبء يرسب في أعماق منانا الحسرة
يرمي بالسهد طيور القلب
ونظلّ نطارد في الوهم خيالا
ونجوس التيه ونعبر غابات الموت
ويظلّ القنديل بلا زيت
وأنا والليل المطبق
أشلاء ضائعة تتمزّق
تضنينا الأشواق فلا نشكو
ونموت إذا عرّتنا الشمس
أو سبرت منّا الأغوار
ننشد في ظلّ دروب الغربة والترحال
نهرا يغسل فينا الأحزان
ننشد شمسا تدحو عن درب العودة أشباح الظلمة
ننشد نجمة
تحضننا في ليل اليأس
تهدي خطوات القلب
للحلم الضائع , للطفل الغافي في حضن الغيب
علّ جراحات الأمس
تخمد جذوتها ويجفّ غدير الأحزان
ونذوب صلاة
ونعود كمن يحرث في الملح
لا نجني غير عذاب الجرح
غير ضياع الأحلام
لنعيش كأغراب تحت الشمس
ما زلنا نحمل فوق الصدر بقايا الأحزان
نصرخ في وجه الأيام
نتحدّى في إصرار جلاّد العصر
وسياط الغربة تدّمي فينا الوجدان
ما زلنا نمخر في الليل دياجير العمر
ننهل من كأس الصبر
ومع الخفقات ونوح الآه
تورق أزهار محبّة
تولد رغبة !
البداية
عن الصمت والكلمات
أضمّ يدي على جرحي
وأخنق في قرار القلب تنهيدة
وأمضي في الأسى وحدي
وليل الصمت يطويني
وأشرب خيبة الكلمة
وأجرع غصّتي والحزن يضنيني
وفي قلبي نداء لاهف ما زال يدعوني
يشبّ حرائقا في أضلعي ويشدّني للخلف
ويزرع في عيوني الخوف
فأوغل في متاهاتي
أواري الحزن في طيّات أغواري
وأطمر في رمال الغيب أسراري
على شفتيّ قد صلبوا حنين الحرف
أهانوا عفّة الكلمة
أرادوا الموت للكلمة
أرادوا الصمت للشاعر
وما حسبوا بأنّ الحرف بحر ما له آخر
وأنّ المجد للشاعر
البداية
الليل والقنديل المطفأ
الليل وقنديلي المطفأ
والصمت المطبق والجدران
وصرير الريح الضائع في جوف الليل
ونجوم شاحبة تغرب , صفراء اللون
وبقايا أغنية يلفظها مذياع
سكبت في قلبي الأحزان
جمعت في بيدر إحساسي الأشجان
وانثالت في روحي شلاّل عذاب وهوان
وأنا والقلب وهدبي المبتل
نجترّ الحزن ونقتات الحرمان
نركض خلف الحلم الهارب منّا
الحلم النائم في إيوان الغيب
ما زلنا نحلم أن نلقاه
في درب العمر ولو مرّة
كي يملأ دنيانا فيض سناه
فلقد أعيانا عبء الصخرة
عبء يرسب في أعماق منانا الحسرة
يرمي بالسهد طيور القلب
ونظلّ نطارد في الوهم خيالا
ونجوس التيه ونعبر غابات الموت
ويظلّ القنديل بلا زيت
وأنا والليل المطبق
أشلاء ضائعة تتمزّق
تضنينا الأشواق فلا نشكو
ونموت إذا عرّتنا الشمس
أو سبرت منّا الأغوار
ننشد في ظلّ دروب الغربة والترحال
نهرا يغسل فينا الأحزان
ننشد شمسا تدحو عن درب العودة أشباح الظلمة
ننشد نجمة
تحضننا في ليل اليأس
تهدي خطوات القلب
للحلم الضائع , للطفل الغافي في حضن الغيب
علّ جراحات الأمس
تخمد جذوتها ويجفّ غدير الأحزان
ونذوب صلاة
ونعود كمن يحرث في الملح
لا نجني غير عذاب الجرح
غير ضياع الأحلام
لنعيش كأغراب تحت الشمس
ما زلنا نحمل فوق الصدر بقايا الأحزان
نصرخ في وجه الأيام
نتحدّى في إصرار جلاّد العصر
وسياط الغربة تدّمي فينا الوجدان
ما زلنا نمخر في الليل دياجير العمر
ننهل من كأس الصبر
ومع الخفقات ونوح الآه
تورق أزهار محبّة
تولد رغبة !
البداية
العابر
كان يمشي واهي الخطو حزينا
شارد الطرف رهيبا في خطاه
وجهه المغبّر يطوي ,
في تجاعيد الأسى بوح جراحه
كان في أحداقه سيل دموع
ولقد كان سجينا
بإسار الصمت , باستغراقه في الحزن ,
والتحديق في الأفق البعيد
ومضى عنّا وما عدنا نراه
دون أن نفلح في إدراك أغوار أساه
ظلّ لغزا في العيون
مثل وهم لا يصدّق
ظلّ باب في ضمير الغيب مغلق
نحن كم جئنا إليه
وابتهلنا أن يعرّي ,
حزنه المدثور بالكتمان والصمت الرهيب
وفتحنا شرفة القلب له ,
وغمرناه بسيل من حنان
كان لا يعرف معنى الإبتسام
كان يحيا عمره دون كلام
فهو دوما صامت الحرف يعيش الكلمة
في أتون الشوق في عينيه في قلب الحياة
أمس والظلمة كانت تحضن البلدة والليل حزين
كنت وحدي ,
أعبر الدرب إلى بيتي القديم
أنقل الخطو وفي الأعماق ينمو ,
ألف إحساس كئيب
ينسج الليل مع الوحشة والخوف طريقي
كنت وحدي وخيالات من الأمس القريب
زاحمت فكري وهزّت ,
خافقي الثاوي بعمق اللاقرار
وتحقّقت يقينا
أنّ درب الغربة السوداء دربي
أنّني أمخر في المنفى بحارا وبحار
مرفأي ضيّعته , والمركب المهزوم تنئيه الرياح
فجأة لاح أمامي ,
ذلك العابر يمشي واهي الخطو حزينا
جفّت البسمة في قلبي ,
وكأن الليل ينساب كئيبا
يسكب الحزن الأصيلا
في وعاء الروح , في عمق قراري
ذلك العابر قد عانق ظلّي
يوقظ الأمس فلا يجدي فراري
من خيوط نسجت في الحلم في ليل السهاد
جعبة الأحلام ضاعت بين أكوام الضباب
وتلاشيت وحيدا في الزحام.
البداية
أغنية في الطريق
أحبابنا ,
هل يبسم الزمان مرّة لنا
وهل يعود حبّنا
يعانق الحياة , يسكب المنى
في غور أعماقنا ؟
أحبابنا ,
هل يفرح المعذّبون في متاهة الضياع ؟
وهل نظلّ نمضغ السؤال
ونذرع الطريق في ابتهال ؟
وفي المسير نحو موعد تزفّه لنا الصدف
إن كان يا أحبابنا الجواب أن نظلّ سائرين
يا ويلنا ,
يا ويل أعمارنا
من طول ما نسير
في دربنا المغبرّ الحزين
في ليلنا الطويل دونما سنا
***
الله يا أحبابنا
يا بؤسنا وعذابنا
ويا احتراق الشوق في أحداقنا
ترى يطول بيننا البعاد ؟
ترى تظلّ هذه الأسوار بيننا
تحيل حلمنا رماد
تمزّق الفؤاد ؟
أحبابنا وأنتمو هناك في البعيد
فوق احتمال الوعد واللقاء
وفوق أن يضمنّا مكان
نعيش رغم قسوة الجدار
نعيش في انتظار
بشارة بوعد
بكلمة تضمّ في حروفها الحنان
***
أحبابنا سيضحك الزمان
رغم امتداد السور بيننا
فرعشة الحياة في الفؤاد
خفّاقة المنى ,
تمدّنا ببسمة الأمل
تنير دربنا
البداية
أيار والأحزان
لو مرّة أيار تأتينا وفي شفتيك وعد أو بشارة
لو مرّة تحنو , تعانقنا , ومن كفّيك تمنحنا الشرارة
لو تطفأ الأحزان في عيجميل يا ذلاّ حملنا ,
في دروب النفي عاره
كنّا ورغم الغربة السوداء نبسم , نستفيق ,
يشعّ في كلماتنا نور العبارة
كنّا هدمناها جسور الوهم أبحرنا إلى عيجميل يا وطني
كنّا نسيناها أغاني السهد والحزن
كنّا زرعنا الأفق يا أيار أنغاما
كانت مواويل العتابا , ميجنا
تندي روابينا حنينا دافئا , خصبا , سلاما
لكنّما أيار أنت تثير بي شجني
البداية
الإبحار والمركب
تتلفّت العينان حولي لا أرى
إلاّ صحابا ها هنا متفرقّين
تتجسّد المأساة في نظراتهم
صورا من الأحزان والألم الدفين
ويروح يمخر في عباب البحر مركبنا الحزين
ونظّل نغرق في دياجير السنين
والليل يا أيار في بلدي ,
جدار يصفع اللحظات من أعمارنا
سوداء إذ تأتي ولا جدوى ,
وهذي الريح تلعن خطونا
البداية
الحصاد
ها نحن نحصد ما زرعنا ,
والحصاد العام أحزن ما يكون
فمواسم الأيام ما أعطت
وجفّت كلّ أزهار الفصول
وسماؤنا يا ليل موصدة , ملبدّة
سحائب من تراب
والريح تركض خلفنا , وتصبّ لعنتها
ويمضي الركب , يوغل في مفاوز غربة الحزن العميق
يا حادي الأحزان نحن بلا دليل
ضاع الطريق
ضاع الطريق
وحداؤك النوّاح أعماق معذّبة جريحة
ينثال في غور الجوانح أنّة حيرى ,
تردّدها الصحارى ,
تسكب الأحزان في الكلمات ,
تغرق في بحار التيه والصمت المخاطيّ الجدار
البداية
الغنوة الأولى
غنّيت يا وطني ,
وكانت غنوتي الأولى مبلّلة بأحزان الرحيل
وعشقت يا وطني ,
وكانت من عشقت صبيّة حسناء من يافا ,
فلسطينية القسمات تبسم للشعاع ,
يطلّ , يحمل رعشة الأنسام ,
تجزع إذ تلوح خطى الغروب
كانت تغنّي للصباح
ينداح موج الذكريات على الجفون
ويروح يصفعني العذاب ,
ولسعة الأشواق والليل الغريب
الصمت إذ يمتدّ , يحبل بيننا في الليل أحزانا رمادية
تسّاقط الزهرات يا وطني
ونسمع كلّ يوم ألف أغنية .
فلترسل الأنّات , غنّ عذابنا ,
يا حادي الآلام يا مبكي الجراح
فلعل يغفو الجرح أو يتفجّر البركان
قد طال هذا الليل في بلدي ,
وقافلة الضياع تلجّ عبر غياهب المجهول تحملنا ,
وفي الأحداق زاد من رؤى الأحباب خلف السور ,
منسيّون نحن هنا ومنفيّون تلعننا الرياح .
البداية
نهر بلا روافد
رفيقة هدبي المكلاور
أعود إليك حين تزورني الأحزان
أعود إليك كلّ مساء
شريدا دونما بيت
أعود إليك مثل يتيم
يودّع بالدموع لحود أحبابه
تغلّفني كآبة عمري المنشور فوق جدائل الحرمان
ويصلبني حنين الآن
إليك إليك يا شمسا ربيعيّة
تذيب صقيع أحزاني وتحضن قلبي المقرور
تهدهده بعذب الوهم , تلثم جرحه لمسات تحنانك
وأعرف أنّني نهر بلا روافد
يعود إليك يغرق أرضك السمحاء بالأشجان
وأنّك وهمة الوافد
ظلمتك حين شدّتني الخيوط إليك ,
وحين تجمّعت كلماتنا نجما على بابك
وحين وضعت زادي فوق مائدتك
غريبا كنت أمضغ غربتي السوداء في الطرقات
تطاردني وحوش الأرض كنت مقيّد الخطوات
وكنت مطيّة للصمت والأنواء
تقاذفني إليك وكنت أنت منارة ,
في الشاطىء الآخر
عبرت إليك جسر الحزن بعد عناء
وكان الوعد منذ وجودنا أن نلتقي غرباء
وتصافحنا بلا أيد ولا نظرات
تكلّمنا بلا حرف بلا بسمات
جمعنا الحزن والصمت العميق فعزّت الكلمات
وأذكر أنّني مذ كنت لم أحلم كما الأطفال
بثوب العيد والحلوى
ولا منّيت أيّامي بعودة غائب ,
يجتاز عتبة حزني الفيّاض , ينشر بهجة الدنيا
فماذا , لم يكن في الدار نجم الحبّ يحضنني
يبرعم في غدي الآمال
ويمسح عن جبيني حرقة الشجن
فأبصرت العذب يحوط سور حديقتي ويشوّه الأزهار
لمحتك حينما عيناي يا عمري تفتحتا ,
وكانت حفتني أسرار
دنوت إليهما ,
صلّيت للآلام لحظة أن دنوت ,
وما ابتسمت ,
قرأت تاريخ الضياع على جبينك , كنت مثلي ,
مقودي في قبضة الغيب
على كتفيّ أحمل بؤس أقداري
وألوانا من الغربة
فعانقني حنينك يا معذّبتي ,
ونوّح في فؤادي بوحك الصامت
تلاقينا على الحرمان في ظلمات هذا العصر
ولم نعرف كلانا كيف نشدو غنوة الحبّ
لأنّا ما ابتسمنا قبل , لم نحلم بفرحته ,
وما هي خفقة القلب
كنّا نخنق الآهات , نطفىء في مواقد حزننا أوهامنا ,
ونذيب شوق العمر
مشينا دربنا يمتدّ , ترصدنا عيون الموت
وغنيّنا فضاع نشيدنا في وشوشات الصمت