ضرر لحم الخنزير
قال فضيلة الشيخ العلامة / صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية: الْخِنْزِيرُ هو الحيوان المعروف بالقذارة والدناءة، حرم الله أكله لما فيه من الأضرار البالغة، وما يورثه من الأمراض الخطيرة، كما قرر ذلك أهل الطب، فإن الخنزير فيه جراثيم وأمراض خطيرة اكتشفت ولا تزال تكتشف، والله جل وعلا لا يحرم على عباده إلا ما فيه مضرة عليهم. [المنتقى من فتاوى الفوزان 1 / 94].
قال أبو حيان رحمه الله: ومن المضار الصحية في لحم الخنزير: ما قرره الأطباء من أنه ينتج عنه دود العضل، والدود معروف، وغالبًا يكون في المعدة، ويُعالج بالدواء وينتهي، حتى الدودة الشريطية التي طولها اثنا عشر مترًا، وتعيش في المعدة، ولكنها تُعالج وتخرج بدواء خاص، أما الدود الذي في العضل، في الفخذ أو في اليد أو في الزند فلا بد من شق العضلة، ولقطه بالملقاط: واحدة، واحدة، وهذه أكبر مصيبة [شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم 3 / 175].
تحريم لحم وشحم الخنزير:
قال العلامة الشيخ / محمد العثيمين رحمه الله: ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير مُحَّرم مع أن الله تعالى لَم يذكر في القرآن إلا اللحم، فقال تعالى:﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة : 3]، ولا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرَّم. [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11 / 140].
قد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم الخنزير كله لحمه وشحمه، واحتجوا بهذه الآية الكريمة وما جاء في معناها.
وقال أيضًا: وقالوا: إنما حرم لخبثه، والخبث يعم اللحم والشحم، لكن الله سبحانه ذكر اللحم؛ لأنه المقصود والباقي تبع، واحتجوا على ذلك أيضا بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الفتح: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)، فنص على الخنزير، ولم يذكر اللحم فدل ذلك على تعميم التحريم. [فتاوى إسلامية 3 / 544].
تحريم التداوي بلحم الخنزير:
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فيمن يتداوى بالخمر، ولحم الخنزير وغير ذلك من المحرمات، هل يباح للضرورة أم لا؟ وهل هذه الآية: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ﴾ في إباحة ما ذكر؟ أم لا؟
الجواب: لا يجوز التداوي بذلك، بل قد ثبت في الصحيح عن -النبي صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الخمر يتداوى بها فقال: (إنها داء وليست بدواء)، وفي السنن عنه أنه نهى عن الدواء بالخبيث وقال: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليه).
وليس ذلك بضرورة، فإنه لا يتيقن الشفاء بها، كما يتيقن الشبع باللحم المحرم؛ ولأن الشفاء لا يتعين له طريق، بل يحصل بأنواع من الأدوية، وبغير ذلك، بخلاف المخمصة، فإنها لا تزول إلا بالأكل. [الفتاوى الكبرى 3/328]..
بل قد قيل: من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلا على مرض في قلبه، وذلك في إيمانه، فإنه لو كان من أمة محمد المؤمنين لما جعل الله شفاءه فيما حرم عليه. [مجموع فتاوى ابن تيمية 5 / 443].
ما يُصْنَعُ من الخنزير:
هناك كثير من المصنوعات الغربية تعتمد في صناعتها على الخنزير، كالمعاطف الجلدية، منها ما يصنع من جلود الخنازير وغيرها، فما حكم ما يصنع من جلود الخنازير؟
أجاب سماحة الشيخ العلامة / عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى بقوله: قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا دبغ الجلد فقد طهر). [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (دباغ جلود الميتة طهوره).
واختلف العلماء في ذلك، هل يعم هذا الحديث جميع الجلود، أم يختص بجلود الميتة التي تحل بالذكاة؟ ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم.
أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحل بالذكاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم؛ والأحوط ترك استعماله، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك). [رواه الترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم] [مجموع فتاوى ابن باز 7 / 100].
بيع لحم الخنزير:
إذا تبين لنا أن لحم الخنزير وما ينتج عنه يسبب أمراضًا فتاكة بالبشر، فالعجيب أن من المسلمين من يعمل في بلاد الكفر في بيع لحمه.
وللأسف الشديد أنه يوجد في بلاد الإسلام من يبيع لحم الخنزير على السياح وغيرهم، فما حكم بيع لحم الخنزير؟
والجواب على ذلك، ما أفتى به أعضاء اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة العربية السعودية؛ وهو أنه لا يجوز بيع ما حرم أكله أو حرم استعماله، ومن ذلك لحم الخنزير. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 14- 15].
ولا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه). [متفق عليه].
وعلى ذلك جاءت فتوى أخرى نصها:
أولا: يحرم العمل والتكلاب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير، والأجرة على ذلك محرمة؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى نهى عنه بقوله في سورة المائدة: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة : 2]، وننصح بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله.
ثانيا: يحرم على المسلم بيع المحرمات من الخنزير والخمر، والأرزاق وجلب الجيدائن بيد الله، وليست في بيع المحرمات، فعلى المسلم تقوى الله -عز وجل- بامتثال أمره، واجتناب نهيه، قال الله تعالى ﴿وَمَن يَّتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق 2 - 3] [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 16].
وربما تعذر البعض بأنه إذا لَم يبع لحم الخنزير في متجره فإنه لا يأتيهم أحد من الجيدائن الغربيين وغيرهم ممن يأكل لحم الخنزير فما النصيحة لهؤلاء؟
الجواب: لا يجوز للمسلم بيع الخمر والخنزير ولا أكل ثمنها، لأن الله حرمهما، وإذا حرم الله شيئًا حرم ثمنه، كما في الحديث الصحيح، وإذا كان المال كله من بيع لحم الخنزير فهو مال حرام، فلا يجوز قبول هديتهم، أو الأكل من طعامهم، وإذا كان مالهم مختلطًا من حلال وحرام فلا بأس بالأكل من طعامهم، وقبول هديتهم؛ لأن الله سبحانه أباح طعام أهل الكتاب، وهو مختلط؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل من طعامهم، ولكن يجب نصيحتهم وتحذيرهم من بيع الخمر والخنزير؛ عملاً بقول الله سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة : 71]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». [رواه مسلم] [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 17، 18].
وفي فتوى مهمة أيضًا للجنة الدائمة: أنه لا يجوز التعامل في شراء وبيع أسهم الشركات التي تتعامل بالربا، أخذًا أو عطاءً، أو تبيع المحرمات من لحوم الخنزير، والخمور ونحوها، أو التي تعمل في التأمين التجاري؛ لما فيه من الغرر والجهالة والربا [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 395].
الحكمة في تحريم لحم الخنزير:
ما الحكمة من تحريم أكل لحم الخنزير؟
أجاب على هذا السؤال سماحة العلامة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال: إن الله أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحكمة وعدلاً، فهو سبحانه عليم بمصالح عباده، رحيم بهم، حكيم في خلقه وتدبيره وشرعه، فأمرهم بما يسعدهم في الدنيا والآخرة، وأحل لهم ما ينفعهم من الطيبات، وحرم عليهم ما يضرهم من الخبائث، وقد حرم الله أكل الخنزير وأخبر بأنه رجس، قال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام : 145]، فهو إذن من الخبائث، وقد قال تعالى ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ﴾ [الأعراف : 157].
وقد ثبت بالمشاهدة أن غذاءه القاذورات والنجاسات، وأنها أشهى طعام إليه، يتتبعها ويغشى أماكنها، وقد ذكر أهل الخبرة: أن أكله يولد الدود في الجوف، وأن له تأثيرًا في إضعاف الغيرة والقضاء على العفة، وأن له مضارَّ أخرى كعسر الهضم، ومنع بعض الأجهزة من إفراز عصاراتها لتساعد على هضم الطعام، فإن صح ما ذكروا فهو من الضرر والخبث الذي حُرِّم من أجله، وإن لم يصح فعلى العاقل أن يثق بخبر الله وحكمه فيه بأنه رجس، ويؤمن بتحريم أكله، ويُسَلِّمُ الحكم لله فيه، فأنه سبحانه هو الذي خلقه، وهو أعلم بما أودعه فيه، ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك : 14] [فتاوى إسلامية 3 / 545].
وقال سماحته أيضًا: وقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنزير من بين سائر الحيوانات يُعَدّ مستودَعًا للجراثيم الضارة بجسم الإنسان، وتفصيل هذه المضار والأمراض طويل، وهي باختصار: الأمراض الطفيلية، الأمراض البكتيرية، الأمراض الفيروسية، الأمراض الجرثومية، وغيرها.
وهذه الأضرار وغيرها دليل على أن الشارع الحكيم ما حرَّم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة، هي الحفاظ على النفس، التي يُعَدُّ الحفاظ عليها أحَدَ الضروريات الخمس في الشريعة الغراء.
وقال العلامة الشيخ/ محمد العثيمين رحمه الله: والمؤمن بمجرد أن يقال هذا حكم الله ورسوله فهو عنده حكمة الحكم، كما قال الله تعال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينً﴾ [الأحزاب : 36]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور 51 : 52].
وعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-( فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ -مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ). [رواه مسلم].
فالمؤمن يقتنع بالحكم الشرعي بمجرد ثبوته حكمًا من الله ورسوله، ويستسلم لذلك ويرضى به.
لكن إذا كنا نخاطب شخصًا ضعيف الإيمان أو شخصًا لا يؤمن بالله ورسوله فحينئذ يتعين علينا أن نتطلب الحكمة وأن نبينها.
ولهذا ينبغي لطالب العلم في هذا الوقت الذي ضعف فيه اليقين وكثر فيه الجدل، أن يكون لديه علم في الحكم الشرعية التي تبني عليها الأحكام؛ ليكون مقنعًا لمن هو بحاجة، بالدليل والتعليل، حتى لا تبقى شبهة لمعارض أو مشاغب. والله المستعان.
وهناك علة أخرى مهمة؛ ألا وهي أن الخنزير مفقود الغيرة، لا يغار الذكر على أنثاه وقد شاهدنا من أكثر من أكل لحم الخنزير أنه سلب الغَيرة، فيرى زوجه تلاعب غيره على مرأى منه ولا يتأثر، وأي مضرة ومصيبة في افتقاد الرجل الغيرة؟
نعم والله، إن الغرب الكافر الذين يأكلون لحم الخنزير ويستخدمون شحمه وزيته وغير ذلك من أجزائه، لا غيرة لديهم، فالمرأة تتزوج عندهم برجل واحد، ولها أكثر من صديق على مرأى ومسمع من زوجها، فلو كانت هذه الخصلة الذميمة في أكله، لكفت في تحريمه، فما بالنا إذا كانت هناك أسباب أخرى تدعو إلى تحريم أكل الخنزير وشحمه.
ما غُذِّيَ بلحم الخنزير:
هناك بعض الطيور أو الحيوانات ومنها الدجاج الذي يتغذى بمأكولات مختلفة، ومن بين هذه المأكولات طحين لحوم الحيوانات الميتة وفيها لحم الخنزير، فهل هذا الدجاج المغذى بهذا اللحم حلال أم حرام؟ وما حكم بيضه؟
الجواب:
أجاب عليه أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء فقالوا:
إذا كان الواقع كما ذكر من التغذية ففي أكل لحمه وبيضه خلاف بين العلماء، فقال مالك وجماعة: إن أكل لحمه وبيضه مباح؛ لأن الأغذية النجسة طهرت باستحالتها إلى لحم وبيض، وذهب جماعة منهم الثوري والشافعي وأحمد إلى تحريم أكلها بيضها وشرب لبنها.
وقيل: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة فلا تؤكل، وإن كان أكثر علفها طاهرًا أكلت، وقال جماعة بالتحريم؛ لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلاَّلَةِ. [وصححه الترمذي وابن دقيق العيد]، ولما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا، والجلالة: هي التي تأكل العذِرة، وسائر النجاسات، والراجح القول بالتفصيل، وهو الثاني فيما تقدم. [فتاوى إسلامية 3 / 550].
إطعام لحم الخنزير للقطط:
هناك معلبات طعام للقطط، تحتوي على لحم خنزير، هل يجوز شراؤها وإطعامها للقطط؟
الجواب:
تم عرض هذا السؤال على فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى فأجاب:
إذا كان ذلك بشراء للمعلبات فلا يجوز؛ لأنه لا يجوز دفع ثمن لحم الخنزير وشراؤه، وإن كان وجده مرميًا فأطعمه قطته فلا بأس بذلك، والله أعلم.
فوارق قياس الخنزير على الكلب في الولوغ:
سئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله: هل يصح قياس الخنزير على الكلب في الولوغ؟
الجواب: إذا ولغ الكلب في الإناء فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قاس بعض الفقهاء الخنزير على الكلب؛ لكن هذا القياس غير صحيح؛ لأن الخنزير تحدث الله عنه في القرآن الكريم وهو معروف، ومع ذلك لم يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم بالكلب، وكل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحكم فيه بشيء، فإنه لا يصح أن يحكم فيه بشيء يخالف ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالخنزير نجاسته كغيرها من النجاسات، إذا ولغ في الإناء لا نغسله سبع مرات.
الكلاب من بيع لحم الخنزير:
الكسب الذي يأتي من بيع لحم الخنزير كسب محرم، يجب على صاحبه أن يتوب إلى الله من العمل الذي كلابه منه، ويقلع عنه، ويندم على ما مضى، ولا يجوز له أن ينتفع بما بقى عنده منه، ولا أن يهديه. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 454].
العمل في محلات بيع لحم الخنزير:
لا يجوز أن يعمل المسلم في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين، ولا أن يعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين، أو تبيعه على من يشتريه، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى، سواء كان العمل في ذلك بيعًا أو تقديمًا لها، أم كان غسلاً لأوانيها، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة : 2]، ولا ضرورة تضطر المسلم إلى أن يعمل في محلات بيع لحم الخنزير وغيره من المحرمات، فإن أرض الله واسعة، وبلاد المسلمين كثيرة، والأعمال المباحة فيها شرعًا كثيرة أيضًا، فعلى المسلم أن يكون مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً﴾ [الطلاق 2 : 3] وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرً﴾ [الطلاق : 4]وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 455].
قاعدة فيما يحرم من الحيوانات وما يحل:
بين الله تعالى في الكتاب والسنة كل شيء، فالقرآن الكريم نزل كما قال الله عنه: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل : 89].
والسنة متممة ومكملة ومفصلة لما أجمل ومفسرة لما أبهم في القرآن، ففي القرآن والسنة الشفاء والنور والهداية والاستقامة لمن تمسك بهما، ولا يوجد مسألة من المسائل التي تحدث إلا وفي القرآن والسنة حلها وبيانها، لكن منها ما هو مبين على سبيل التعيين، ومنها ما هو مبين على سبيل القواعد والضوابط العامة، ثم الناس يختلفون في هذا اختلافًا عظيمًا، يختلفون في العلم، ويختلفون في الفهم، كما يختلف أيضًا إدراكهم لما في القرآن والسنة بحسب ما معهم الإيمان والتقوى، فإنه كلما قوي الإيمان بالله عز وجل وقبول ما جاء به في القرآن والسنة وتقوى الله عز وجل في طاعته، قوي العلم بما في القرآن والسنة من الأحكام.
وإني أقول: إن القرآن والسنة فيهما الهدى والعلم والنور وحل جميع المشكلات، وإن نظامهما ومنهاجهما أكمل نظام وأنفعه وأصلحه للعباد، وأنه يغلط غلطًا بينًا من يرجع إلى النظم والقوانين الوضعية البشرية التي تخطيء كثيرًا، وإذا وفقت للصواب فإنما تكون صوابًا بما وافقت به الكتاب والسنة.
وأقول: إن هناك ضوابطَ بما يحرم، فالأصل في كل ما خلق الله -تعالي- في هذه الأرض أنه حلال لنا من حيوان وجماد؛ لقوله تعالي: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعً﴾ [البقرة : 29].فهذا عام خلقه لنا لمنافعنا أكلا وشرابا وانتفاعا على الحدود التي خدها الله ورسوله.
هذه قاعدة عامة جامعة مأخوذة من الكتاب، وكذلك من السنة؛ حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «وما سكت عنه فهو عفو».
وعلى هذا فلننظر الآن في المحرمات فمنها الميتة، ومنها الدم المسفوح، ومنها لحم الخنزير، وإنما حرمت هذه الثلاثة؛ لأنها رجس، قال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام : 145] فإن قوله: ﴿فَإِنَّهُ﴾ أي هذا المحرم الذي وجده الرسول، عليه الصلاة والسلام ﴿رِجْسٌ﴾ وليس الضمير عائدًا إلى لحم الخنزير فقط كما قاله بعض أهل العلم؛ لأن الاستثناء (إلا أن يكون) أي ذلك المطعوم ﴿مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ﴾ .أي ذلك المطعوم من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ﴿رِجْسٌ﴾.
ومنها الحمر الأهلية، ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر أبا طلحة فنادى: إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الأهلية؛ فإنها رجس.
ومنها كل ذي ناب من السباع -يعني كل ما له ناب السباع يتفرس به مثل: الذئب والكلب ونحوها- فإنه محرم، ومنها كل ذي مخلب من الطير؛ كالصقر والعقاب والبازِي وما أشبه ذلك، ومنها ما تولد من المأكول وغيره كالبغال، فإن البغل متولد من الحمار إذا نزا على أنثنَى الخيل، والخيل مباحة والحمر محرمة فلما تولد من المأكول وغيره غلب التحريم فكان حرامًا.
وهذه المسائل موجودة والحمد لله في السنة مفصلة، وكذلك في كلام أهل العلم، والأمر بَيِّنٌ، وإذا أشكل عليك الأمر فارجع إلى القاعدة الأساسية التي ذكرناها من قبل وهو أن الأصل الحل؛ لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعً﴾.
وأما الشبة فهذا لجأ إليه بعض أهل العلم، وقال: إنه إذا لم نعلم حكم هذا الحيوان هل هو محرم أم لا؟ فإننا نلحقه حكما بما أشبهه، ولكن ظاهر الأدلة يدل على أن المحرم معلوم بنوعه أو بالضوابط التي أشرنا، كما حرم النبي عليه الصلاة والسلام كل ذي ناب من السباب، وكل ذي مخالب من الطير. [فتاوى إسلامية 3 / 536].
الأكل من الحلال الطيب:
إن للأكل من الحلال والطيب من المطاعم أثرًا عظيمًا في صفاء القلب واستجابة الدعاء وقبول العبادة كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولها، قال تعالى عن اليهود ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة 41 : 42] أي الحرام، ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾» ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يارب يا رب، ومعطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب له؟!.
فتوى مهمة:
يقول السائل: أعمل في توكيل ملاحي وأقوم بخدمة السفن العابرة، ومعظم هذه السفن أجنبية والعاملون بِها غير مسلمين، ويقوم صاحب الشركة ببيع لحم الخنزير لهذه السفن في بعض الأحيان، ثم يقوم بتوزيع أرباح هذا البيع علينا نحن الموظفين ونحن نقبلها على اعتبار أن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين، وكذلك لأنه لا يصح أن نأخذ الخمر كقياس لأن لحم الخنزير موجود من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر، ولكن
هناك من بدأ يشككنا في مدى حلال هذه النقود، فهل هي حلال أم حرام؟
وهل لأننا لا نشارك في البيع فإنه لا ضرر علينا من أخذ هذه الأرباح؛ حيث إن صاحب العمل يعطيها لنا كصدقة، فهل يحق لنا قبول الصدقة ونحن نعرف أصلها؟ وهل ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أي حديث واضح وصريح ومؤكد يحرم فيه بيع لحم الخنزير لغير المسلمين؛ حيث إن لحم الخنزير لم يحرم على أهل الكتاب.
الجواب:
الحمد لله.
أولاً: لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم، ويجب أن يعلم خطورة فعله هذا، والله تعالى حرم ذلك بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف : 33].
فلا يحل لأحد أن يقول: هذا حلال، وهذا حرام، وليس عنده دليل صحيح على ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾ [النحل : 116]
ثانيًا: بيع لحم الخنزير حرام سواء بيع لمسلم أو لكافر، والأدلة على ذلك:
قول الله تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام : 145]، وقد عَلَّمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاعدةً عظيمةً، فقال: (إن الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه). [رواه أبو داود، وصححه الشيخ الألباني في غاية المرام 318].
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا، هو حرام)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه). [رواه البخاري ومسلم]. جملوه: أذابوه.
قال النووي: وأما الميتة والخمر والخنزير: فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها.
قال القاضي: تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه، ولا يحل أكل ثمنه، كما في الشحوم المذكورة في الحديث [شرح مسلم 11 / 8].
قال ابن رجب الحنبلي -بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر: فالحاصل من هذه الأحاديث كلها: أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحًا به في: (إن الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه)، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حرامًا، وهو قسمان:
أحدهما: ما كان الانتفاع به حاصلاً مع بقاء عينه، كالأصنام، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة، وكذلك شراء الجواري للغناء.
والقسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّمًا فإنه يحرم بيعه، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة، مع أن في بعضها-كأكل الميتة للمضطر، ودفع الغصة بالخمر، وإطفاء الحريق به، والخرز بشعر الخنزير عند قوم، والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك- ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة: أكلها، ومن الخمر شربها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى هذا المعنى لما قيل له: أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرام» [جامع العلوم والحكَم 1 / 415، 416].
وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟
فأجابت: لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها. [فتاوى اللجنة الدائمة 13/49].
ثالثًا: وأما قول السائل: إن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا في السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين، فغير صحيح، فقد سبق أدلة القرآن والسنة وإجماع العلماء على تحريم بيع الخنزير، والأدلة بعمومها تدل على تحريم بيعه على المسلمين والكفار؛ لأن الأدلة دلت على تحريم بيعه تحريمًا عامًا، ولم تفرق بين المسلمين وغيرهم.
بل لو قيل: إن المقصود من تحريم بيعه هو بيعه على الكفار أصالةً لم يكن ذلك بعيدًا؛ لأن الأصل في المسلم أنه لن يشتري الخنزير، وماذا يفعل به، وهو يعلم أن الله حرَّمه؟!
وكذلك قوله: إن لحم الخنزير موجود من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر غير صحيح؛ لأنه لا يُشترط من تحريم الشيء أن يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَه، بل يكفي أنه ينهى عنه، أو يخبر أنه حرام، كما حرم بيع الخنزير.
رابعًا: وأما أخذكم هذه الأموال فالأجدر بكم بعد علمكم بأنه مال حرام التنزه والبعد عنه، لا سيما وأخذكم هذا المال سيكون كالإقرار منكم لصاحب الشركة على هذا العمل، والواجب عليكم نصحه، والإنكار عليه ووعظه لترك هذا العمل المحرم، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
وأما ما أخذتم من هذه الأموال قبل علمكم بالتحريم، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، قال الله تعالى في آيات تحريم الربا: ﴿فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة : 275]، نسأل الله تعالى أن يرزقكم حلالاً مباركًا فيه.
والله أعلم
ما عليش طويله
مع تحيات محمد سعيد سالم سابع-1
قال فضيلة الشيخ العلامة / صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية: الْخِنْزِيرُ هو الحيوان المعروف بالقذارة والدناءة، حرم الله أكله لما فيه من الأضرار البالغة، وما يورثه من الأمراض الخطيرة، كما قرر ذلك أهل الطب، فإن الخنزير فيه جراثيم وأمراض خطيرة اكتشفت ولا تزال تكتشف، والله جل وعلا لا يحرم على عباده إلا ما فيه مضرة عليهم. [المنتقى من فتاوى الفوزان 1 / 94].
قال أبو حيان رحمه الله: ومن المضار الصحية في لحم الخنزير: ما قرره الأطباء من أنه ينتج عنه دود العضل، والدود معروف، وغالبًا يكون في المعدة، ويُعالج بالدواء وينتهي، حتى الدودة الشريطية التي طولها اثنا عشر مترًا، وتعيش في المعدة، ولكنها تُعالج وتخرج بدواء خاص، أما الدود الذي في العضل، في الفخذ أو في اليد أو في الزند فلا بد من شق العضلة، ولقطه بالملقاط: واحدة، واحدة، وهذه أكبر مصيبة [شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم 3 / 175].
تحريم لحم وشحم الخنزير:
قال العلامة الشيخ / محمد العثيمين رحمه الله: ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير مُحَّرم مع أن الله تعالى لَم يذكر في القرآن إلا اللحم، فقال تعالى:﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة : 3]، ولا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرَّم. [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11 / 140].
قد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم الخنزير كله لحمه وشحمه، واحتجوا بهذه الآية الكريمة وما جاء في معناها.
وقال أيضًا: وقالوا: إنما حرم لخبثه، والخبث يعم اللحم والشحم، لكن الله سبحانه ذكر اللحم؛ لأنه المقصود والباقي تبع، واحتجوا على ذلك أيضا بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الفتح: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)، فنص على الخنزير، ولم يذكر اللحم فدل ذلك على تعميم التحريم. [فتاوى إسلامية 3 / 544].
تحريم التداوي بلحم الخنزير:
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فيمن يتداوى بالخمر، ولحم الخنزير وغير ذلك من المحرمات، هل يباح للضرورة أم لا؟ وهل هذه الآية: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ﴾ في إباحة ما ذكر؟ أم لا؟
الجواب: لا يجوز التداوي بذلك، بل قد ثبت في الصحيح عن -النبي صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الخمر يتداوى بها فقال: (إنها داء وليست بدواء)، وفي السنن عنه أنه نهى عن الدواء بالخبيث وقال: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليه).
وليس ذلك بضرورة، فإنه لا يتيقن الشفاء بها، كما يتيقن الشبع باللحم المحرم؛ ولأن الشفاء لا يتعين له طريق، بل يحصل بأنواع من الأدوية، وبغير ذلك، بخلاف المخمصة، فإنها لا تزول إلا بالأكل. [الفتاوى الكبرى 3/328]..
بل قد قيل: من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلا على مرض في قلبه، وذلك في إيمانه، فإنه لو كان من أمة محمد المؤمنين لما جعل الله شفاءه فيما حرم عليه. [مجموع فتاوى ابن تيمية 5 / 443].
ما يُصْنَعُ من الخنزير:
هناك كثير من المصنوعات الغربية تعتمد في صناعتها على الخنزير، كالمعاطف الجلدية، منها ما يصنع من جلود الخنازير وغيرها، فما حكم ما يصنع من جلود الخنازير؟
أجاب سماحة الشيخ العلامة / عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى بقوله: قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا دبغ الجلد فقد طهر). [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (دباغ جلود الميتة طهوره).
واختلف العلماء في ذلك، هل يعم هذا الحديث جميع الجلود، أم يختص بجلود الميتة التي تحل بالذكاة؟ ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم.
أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحل بالذكاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم؛ والأحوط ترك استعماله، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك). [رواه الترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم] [مجموع فتاوى ابن باز 7 / 100].
بيع لحم الخنزير:
إذا تبين لنا أن لحم الخنزير وما ينتج عنه يسبب أمراضًا فتاكة بالبشر، فالعجيب أن من المسلمين من يعمل في بلاد الكفر في بيع لحمه.
وللأسف الشديد أنه يوجد في بلاد الإسلام من يبيع لحم الخنزير على السياح وغيرهم، فما حكم بيع لحم الخنزير؟
والجواب على ذلك، ما أفتى به أعضاء اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة العربية السعودية؛ وهو أنه لا يجوز بيع ما حرم أكله أو حرم استعماله، ومن ذلك لحم الخنزير. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 14- 15].
ولا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه). [متفق عليه].
وعلى ذلك جاءت فتوى أخرى نصها:
أولا: يحرم العمل والتكلاب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير، والأجرة على ذلك محرمة؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى نهى عنه بقوله في سورة المائدة: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة : 2]، وننصح بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله.
ثانيا: يحرم على المسلم بيع المحرمات من الخنزير والخمر، والأرزاق وجلب الجيدائن بيد الله، وليست في بيع المحرمات، فعلى المسلم تقوى الله -عز وجل- بامتثال أمره، واجتناب نهيه، قال الله تعالى ﴿وَمَن يَّتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق 2 - 3] [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 16].
وربما تعذر البعض بأنه إذا لَم يبع لحم الخنزير في متجره فإنه لا يأتيهم أحد من الجيدائن الغربيين وغيرهم ممن يأكل لحم الخنزير فما النصيحة لهؤلاء؟
الجواب: لا يجوز للمسلم بيع الخمر والخنزير ولا أكل ثمنها، لأن الله حرمهما، وإذا حرم الله شيئًا حرم ثمنه، كما في الحديث الصحيح، وإذا كان المال كله من بيع لحم الخنزير فهو مال حرام، فلا يجوز قبول هديتهم، أو الأكل من طعامهم، وإذا كان مالهم مختلطًا من حلال وحرام فلا بأس بالأكل من طعامهم، وقبول هديتهم؛ لأن الله سبحانه أباح طعام أهل الكتاب، وهو مختلط؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل من طعامهم، ولكن يجب نصيحتهم وتحذيرهم من بيع الخمر والخنزير؛ عملاً بقول الله سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة : 71]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». [رواه مسلم] [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 17، 18].
وفي فتوى مهمة أيضًا للجنة الدائمة: أنه لا يجوز التعامل في شراء وبيع أسهم الشركات التي تتعامل بالربا، أخذًا أو عطاءً، أو تبيع المحرمات من لحوم الخنزير، والخمور ونحوها، أو التي تعمل في التأمين التجاري؛ لما فيه من الغرر والجهالة والربا [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 395].
الحكمة في تحريم لحم الخنزير:
ما الحكمة من تحريم أكل لحم الخنزير؟
أجاب على هذا السؤال سماحة العلامة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال: إن الله أحاط بكل شيء علمًا، ووسع كل شيء رحمة وحكمة وعدلاً، فهو سبحانه عليم بمصالح عباده، رحيم بهم، حكيم في خلقه وتدبيره وشرعه، فأمرهم بما يسعدهم في الدنيا والآخرة، وأحل لهم ما ينفعهم من الطيبات، وحرم عليهم ما يضرهم من الخبائث، وقد حرم الله أكل الخنزير وأخبر بأنه رجس، قال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام : 145]، فهو إذن من الخبائث، وقد قال تعالى ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ﴾ [الأعراف : 157].
وقد ثبت بالمشاهدة أن غذاءه القاذورات والنجاسات، وأنها أشهى طعام إليه، يتتبعها ويغشى أماكنها، وقد ذكر أهل الخبرة: أن أكله يولد الدود في الجوف، وأن له تأثيرًا في إضعاف الغيرة والقضاء على العفة، وأن له مضارَّ أخرى كعسر الهضم، ومنع بعض الأجهزة من إفراز عصاراتها لتساعد على هضم الطعام، فإن صح ما ذكروا فهو من الضرر والخبث الذي حُرِّم من أجله، وإن لم يصح فعلى العاقل أن يثق بخبر الله وحكمه فيه بأنه رجس، ويؤمن بتحريم أكله، ويُسَلِّمُ الحكم لله فيه، فأنه سبحانه هو الذي خلقه، وهو أعلم بما أودعه فيه، ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك : 14] [فتاوى إسلامية 3 / 545].
وقال سماحته أيضًا: وقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنزير من بين سائر الحيوانات يُعَدّ مستودَعًا للجراثيم الضارة بجسم الإنسان، وتفصيل هذه المضار والأمراض طويل، وهي باختصار: الأمراض الطفيلية، الأمراض البكتيرية، الأمراض الفيروسية، الأمراض الجرثومية، وغيرها.
وهذه الأضرار وغيرها دليل على أن الشارع الحكيم ما حرَّم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة، هي الحفاظ على النفس، التي يُعَدُّ الحفاظ عليها أحَدَ الضروريات الخمس في الشريعة الغراء.
وقال العلامة الشيخ/ محمد العثيمين رحمه الله: والمؤمن بمجرد أن يقال هذا حكم الله ورسوله فهو عنده حكمة الحكم، كما قال الله تعال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينً﴾ [الأحزاب : 36]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور 51 : 52].
وعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-( فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ -مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ). [رواه مسلم].
فالمؤمن يقتنع بالحكم الشرعي بمجرد ثبوته حكمًا من الله ورسوله، ويستسلم لذلك ويرضى به.
لكن إذا كنا نخاطب شخصًا ضعيف الإيمان أو شخصًا لا يؤمن بالله ورسوله فحينئذ يتعين علينا أن نتطلب الحكمة وأن نبينها.
ولهذا ينبغي لطالب العلم في هذا الوقت الذي ضعف فيه اليقين وكثر فيه الجدل، أن يكون لديه علم في الحكم الشرعية التي تبني عليها الأحكام؛ ليكون مقنعًا لمن هو بحاجة، بالدليل والتعليل، حتى لا تبقى شبهة لمعارض أو مشاغب. والله المستعان.
وهناك علة أخرى مهمة؛ ألا وهي أن الخنزير مفقود الغيرة، لا يغار الذكر على أنثاه وقد شاهدنا من أكثر من أكل لحم الخنزير أنه سلب الغَيرة، فيرى زوجه تلاعب غيره على مرأى منه ولا يتأثر، وأي مضرة ومصيبة في افتقاد الرجل الغيرة؟
نعم والله، إن الغرب الكافر الذين يأكلون لحم الخنزير ويستخدمون شحمه وزيته وغير ذلك من أجزائه، لا غيرة لديهم، فالمرأة تتزوج عندهم برجل واحد، ولها أكثر من صديق على مرأى ومسمع من زوجها، فلو كانت هذه الخصلة الذميمة في أكله، لكفت في تحريمه، فما بالنا إذا كانت هناك أسباب أخرى تدعو إلى تحريم أكل الخنزير وشحمه.
ما غُذِّيَ بلحم الخنزير:
هناك بعض الطيور أو الحيوانات ومنها الدجاج الذي يتغذى بمأكولات مختلفة، ومن بين هذه المأكولات طحين لحوم الحيوانات الميتة وفيها لحم الخنزير، فهل هذا الدجاج المغذى بهذا اللحم حلال أم حرام؟ وما حكم بيضه؟
الجواب:
أجاب عليه أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء فقالوا:
إذا كان الواقع كما ذكر من التغذية ففي أكل لحمه وبيضه خلاف بين العلماء، فقال مالك وجماعة: إن أكل لحمه وبيضه مباح؛ لأن الأغذية النجسة طهرت باستحالتها إلى لحم وبيض، وذهب جماعة منهم الثوري والشافعي وأحمد إلى تحريم أكلها بيضها وشرب لبنها.
وقيل: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة فلا تؤكل، وإن كان أكثر علفها طاهرًا أكلت، وقال جماعة بالتحريم؛ لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلاَّلَةِ. [وصححه الترمذي وابن دقيق العيد]، ولما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا، والجلالة: هي التي تأكل العذِرة، وسائر النجاسات، والراجح القول بالتفصيل، وهو الثاني فيما تقدم. [فتاوى إسلامية 3 / 550].
إطعام لحم الخنزير للقطط:
هناك معلبات طعام للقطط، تحتوي على لحم خنزير، هل يجوز شراؤها وإطعامها للقطط؟
الجواب:
تم عرض هذا السؤال على فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى فأجاب:
إذا كان ذلك بشراء للمعلبات فلا يجوز؛ لأنه لا يجوز دفع ثمن لحم الخنزير وشراؤه، وإن كان وجده مرميًا فأطعمه قطته فلا بأس بذلك، والله أعلم.
فوارق قياس الخنزير على الكلب في الولوغ:
سئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله: هل يصح قياس الخنزير على الكلب في الولوغ؟
الجواب: إذا ولغ الكلب في الإناء فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قاس بعض الفقهاء الخنزير على الكلب؛ لكن هذا القياس غير صحيح؛ لأن الخنزير تحدث الله عنه في القرآن الكريم وهو معروف، ومع ذلك لم يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم بالكلب، وكل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحكم فيه بشيء، فإنه لا يصح أن يحكم فيه بشيء يخالف ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالخنزير نجاسته كغيرها من النجاسات، إذا ولغ في الإناء لا نغسله سبع مرات.
الكلاب من بيع لحم الخنزير:
الكسب الذي يأتي من بيع لحم الخنزير كسب محرم، يجب على صاحبه أن يتوب إلى الله من العمل الذي كلابه منه، ويقلع عنه، ويندم على ما مضى، ولا يجوز له أن ينتفع بما بقى عنده منه، ولا أن يهديه. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 454].
العمل في محلات بيع لحم الخنزير:
لا يجوز أن يعمل المسلم في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين، ولا أن يعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين، أو تبيعه على من يشتريه، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى، سواء كان العمل في ذلك بيعًا أو تقديمًا لها، أم كان غسلاً لأوانيها، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة : 2]، ولا ضرورة تضطر المسلم إلى أن يعمل في محلات بيع لحم الخنزير وغيره من المحرمات، فإن أرض الله واسعة، وبلاد المسلمين كثيرة، والأعمال المباحة فيها شرعًا كثيرة أيضًا، فعلى المسلم أن يكون مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً﴾ [الطلاق 2 : 3] وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرً﴾ [الطلاق : 4]وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 455].
قاعدة فيما يحرم من الحيوانات وما يحل:
بين الله تعالى في الكتاب والسنة كل شيء، فالقرآن الكريم نزل كما قال الله عنه: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل : 89].
والسنة متممة ومكملة ومفصلة لما أجمل ومفسرة لما أبهم في القرآن، ففي القرآن والسنة الشفاء والنور والهداية والاستقامة لمن تمسك بهما، ولا يوجد مسألة من المسائل التي تحدث إلا وفي القرآن والسنة حلها وبيانها، لكن منها ما هو مبين على سبيل التعيين، ومنها ما هو مبين على سبيل القواعد والضوابط العامة، ثم الناس يختلفون في هذا اختلافًا عظيمًا، يختلفون في العلم، ويختلفون في الفهم، كما يختلف أيضًا إدراكهم لما في القرآن والسنة بحسب ما معهم الإيمان والتقوى، فإنه كلما قوي الإيمان بالله عز وجل وقبول ما جاء به في القرآن والسنة وتقوى الله عز وجل في طاعته، قوي العلم بما في القرآن والسنة من الأحكام.
وإني أقول: إن القرآن والسنة فيهما الهدى والعلم والنور وحل جميع المشكلات، وإن نظامهما ومنهاجهما أكمل نظام وأنفعه وأصلحه للعباد، وأنه يغلط غلطًا بينًا من يرجع إلى النظم والقوانين الوضعية البشرية التي تخطيء كثيرًا، وإذا وفقت للصواب فإنما تكون صوابًا بما وافقت به الكتاب والسنة.
وأقول: إن هناك ضوابطَ بما يحرم، فالأصل في كل ما خلق الله -تعالي- في هذه الأرض أنه حلال لنا من حيوان وجماد؛ لقوله تعالي: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعً﴾ [البقرة : 29].فهذا عام خلقه لنا لمنافعنا أكلا وشرابا وانتفاعا على الحدود التي خدها الله ورسوله.
هذه قاعدة عامة جامعة مأخوذة من الكتاب، وكذلك من السنة؛ حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «وما سكت عنه فهو عفو».
وعلى هذا فلننظر الآن في المحرمات فمنها الميتة، ومنها الدم المسفوح، ومنها لحم الخنزير، وإنما حرمت هذه الثلاثة؛ لأنها رجس، قال تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام : 145] فإن قوله: ﴿فَإِنَّهُ﴾ أي هذا المحرم الذي وجده الرسول، عليه الصلاة والسلام ﴿رِجْسٌ﴾ وليس الضمير عائدًا إلى لحم الخنزير فقط كما قاله بعض أهل العلم؛ لأن الاستثناء (إلا أن يكون) أي ذلك المطعوم ﴿مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ﴾ .أي ذلك المطعوم من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ﴿رِجْسٌ﴾.
ومنها الحمر الأهلية، ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر أبا طلحة فنادى: إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الأهلية؛ فإنها رجس.
ومنها كل ذي ناب من السباع -يعني كل ما له ناب السباع يتفرس به مثل: الذئب والكلب ونحوها- فإنه محرم، ومنها كل ذي مخلب من الطير؛ كالصقر والعقاب والبازِي وما أشبه ذلك، ومنها ما تولد من المأكول وغيره كالبغال، فإن البغل متولد من الحمار إذا نزا على أنثنَى الخيل، والخيل مباحة والحمر محرمة فلما تولد من المأكول وغيره غلب التحريم فكان حرامًا.
وهذه المسائل موجودة والحمد لله في السنة مفصلة، وكذلك في كلام أهل العلم، والأمر بَيِّنٌ، وإذا أشكل عليك الأمر فارجع إلى القاعدة الأساسية التي ذكرناها من قبل وهو أن الأصل الحل؛ لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعً﴾.
وأما الشبة فهذا لجأ إليه بعض أهل العلم، وقال: إنه إذا لم نعلم حكم هذا الحيوان هل هو محرم أم لا؟ فإننا نلحقه حكما بما أشبهه، ولكن ظاهر الأدلة يدل على أن المحرم معلوم بنوعه أو بالضوابط التي أشرنا، كما حرم النبي عليه الصلاة والسلام كل ذي ناب من السباب، وكل ذي مخالب من الطير. [فتاوى إسلامية 3 / 536].
الأكل من الحلال الطيب:
إن للأكل من الحلال والطيب من المطاعم أثرًا عظيمًا في صفاء القلب واستجابة الدعاء وقبول العبادة كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولها، قال تعالى عن اليهود ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة 41 : 42] أي الحرام، ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾» ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يارب يا رب، ومعطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب له؟!.
فتوى مهمة:
يقول السائل: أعمل في توكيل ملاحي وأقوم بخدمة السفن العابرة، ومعظم هذه السفن أجنبية والعاملون بِها غير مسلمين، ويقوم صاحب الشركة ببيع لحم الخنزير لهذه السفن في بعض الأحيان، ثم يقوم بتوزيع أرباح هذا البيع علينا نحن الموظفين ونحن نقبلها على اعتبار أن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين، وكذلك لأنه لا يصح أن نأخذ الخمر كقياس لأن لحم الخنزير موجود من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر، ولكن
هناك من بدأ يشككنا في مدى حلال هذه النقود، فهل هي حلال أم حرام؟
وهل لأننا لا نشارك في البيع فإنه لا ضرر علينا من أخذ هذه الأرباح؛ حيث إن صاحب العمل يعطيها لنا كصدقة، فهل يحق لنا قبول الصدقة ونحن نعرف أصلها؟ وهل ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أي حديث واضح وصريح ومؤكد يحرم فيه بيع لحم الخنزير لغير المسلمين؛ حيث إن لحم الخنزير لم يحرم على أهل الكتاب.
الجواب:
الحمد لله.
أولاً: لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم، ويجب أن يعلم خطورة فعله هذا، والله تعالى حرم ذلك بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف : 33].
فلا يحل لأحد أن يقول: هذا حلال، وهذا حرام، وليس عنده دليل صحيح على ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾ [النحل : 116]
ثانيًا: بيع لحم الخنزير حرام سواء بيع لمسلم أو لكافر، والأدلة على ذلك:
قول الله تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام : 145]، وقد عَلَّمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاعدةً عظيمةً، فقال: (إن الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه). [رواه أبو داود، وصححه الشيخ الألباني في غاية المرام 318].
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا، هو حرام)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه). [رواه البخاري ومسلم]. جملوه: أذابوه.
قال النووي: وأما الميتة والخمر والخنزير: فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها.
قال القاضي: تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه، ولا يحل أكل ثمنه، كما في الشحوم المذكورة في الحديث [شرح مسلم 11 / 8].
قال ابن رجب الحنبلي -بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر: فالحاصل من هذه الأحاديث كلها: أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحًا به في: (إن الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثمنه)، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حرامًا، وهو قسمان:
أحدهما: ما كان الانتفاع به حاصلاً مع بقاء عينه، كالأصنام، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة، وكذلك شراء الجواري للغناء.
والقسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّمًا فإنه يحرم بيعه، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة، مع أن في بعضها-كأكل الميتة للمضطر، ودفع الغصة بالخمر، وإطفاء الحريق به، والخرز بشعر الخنزير عند قوم، والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك- ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة: أكلها، ومن الخمر شربها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى هذا المعنى لما قيل له: أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرام» [جامع العلوم والحكَم 1 / 415، 416].
وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟
فأجابت: لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها. [فتاوى اللجنة الدائمة 13/49].
ثالثًا: وأما قول السائل: إن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا في السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين، فغير صحيح، فقد سبق أدلة القرآن والسنة وإجماع العلماء على تحريم بيع الخنزير، والأدلة بعمومها تدل على تحريم بيعه على المسلمين والكفار؛ لأن الأدلة دلت على تحريم بيعه تحريمًا عامًا، ولم تفرق بين المسلمين وغيرهم.
بل لو قيل: إن المقصود من تحريم بيعه هو بيعه على الكفار أصالةً لم يكن ذلك بعيدًا؛ لأن الأصل في المسلم أنه لن يشتري الخنزير، وماذا يفعل به، وهو يعلم أن الله حرَّمه؟!
وكذلك قوله: إن لحم الخنزير موجود من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر غير صحيح؛ لأنه لا يُشترط من تحريم الشيء أن يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَه، بل يكفي أنه ينهى عنه، أو يخبر أنه حرام، كما حرم بيع الخنزير.
رابعًا: وأما أخذكم هذه الأموال فالأجدر بكم بعد علمكم بأنه مال حرام التنزه والبعد عنه، لا سيما وأخذكم هذا المال سيكون كالإقرار منكم لصاحب الشركة على هذا العمل، والواجب عليكم نصحه، والإنكار عليه ووعظه لترك هذا العمل المحرم، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
وأما ما أخذتم من هذه الأموال قبل علمكم بالتحريم، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، قال الله تعالى في آيات تحريم الربا: ﴿فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة : 275]، نسأل الله تعالى أن يرزقكم حلالاً مباركًا فيه.
والله أعلم
ما عليش طويله
مع تحيات محمد سعيد سالم سابع-1