تواجهنا سواء أكنا يهوداً، أم مسيحيين، أم مسلمين، أم كنّا من المؤمنين بصورة عامة، بدرجات مختلفة وفي بيئات متباينة إلى حدٍّ ما، مشكلة كبرى من مشاكل عصرنا الراهن، مشكلة هي بمثابة الركن من صرح حقوق الإنسان ؛ وأعني بها مشكلة حرية الاعتقاد الديني.
فانطلاقاً من إيماني المسلم، إيماناً لا يقتصر على الانتماء إلى ثقافة معينة، بل إيمان التزام تام بالشهادة وإتمام الفرائض، سأتناول هذه المشكلة التي أضفى عليها ما كان في الربع الأخير من العام الفائت من قضية توماس ياديجاري (الذي كان يعرف سابقاً باسم حسين) الذي رفض العودة إلى بلاده إيران بعد أن قررت حكومة نيوزيلندا ترحيله، بسبب مخاوفه من إعدامه بسبب تحوله من الإسلام إلى المسيحية، وقبل ذلك قضية عبد الرحمن الأفغاني – الذي كاد أن يعدم "لارتداده" عن الإسلام.
إن مشكلة الحرية الدينية، ليست، طبعاً، بالمشكلة الجديدة. فإن وراءها تاريخاً طويلاً، تاريخاً دموياً في الغالب الأعم، ومع الأسف، ومن زاوية لاهوتية، يمكن مشارفة المشكلة باعتبارها أقدم بكثير أيضاً. فهي ترتبط، على المستوى "الكياني"، بخلق الإنسان نفسه ؛ ذلك أن نبي الله آدم المخلوق حراً قد اختار بملء إرادته أن يعصي ربه، والله قد احترم حريته هذه.
فالحرية في تجلياتها كافة، ومع كل ما تعد به وما تستتبعه من مخاطر، تجد إذاً تأسيسها الأصلي الأول في الفعل الإلهي، السامي، الخلاّق نفسه. والرهان على حرية الإنسان إنما هو منذ البداية، والمصدر، رهان الله تعالى.
وللنقاش الذي يعنينا سوابق في التاريخ. أما الصورة التي أمسى يطرح عبرها اليوم، مع مستلزماته المرتبطة بحقوق الإنسان في مجملها، فقد انطلقت أولى صياغاتها الحديثة في أوروبا ابتداءً من القرن التاسع عشر بتأثير من فلسفة التنوير والموسوعيين الأوائل من مثل (ديدرو).
وفي ردة فعل على "دكتاتورية" الأديان، كاد التركيز ينحصر يومها على الحق في الإلحاد، أي عدم الإيمان، وذلك لا في الدهاليز الخفية بل جهاراً نهاراً، وباعتزاز. فلم يعد الإلحاد داءً مشيناً يتستّر المرء عليه ويحجبه. لا بل صُودر العقل لمصلحة الإلحاد وحده، وأضحى النعت بالعقلاني لا يحمل حصراً إلاّ على ذوي الأذهان المستنيرة التي اطّرحت تخييلات الإيمان وأساطيره.
وهكذا غدت الحرية الدينية، من سبيل الخطأ، مرادفاً للإلحاد، وهو أمر لم يكن من شأنه توضيح النقاش والحث على الاعتدال، وقد بلغ من شدة الاختلاط في المعمعة أن توصّل الناس إلى نسيان ما هو بديهي، ألاَ وهو أن الحرية الدينية هي أيضاً حرية الإيمان، الإيمان بما يرغب الإنسان أن يؤمن به، وما هو مقتنع به، وأن لا وجود لإيمان حقيقي من دون حرية.
فقد امتزج تاريخ الحرية الدينية الحديث في أوروبا امتزاجاً حميماً بتاريخ الانفكاك من المسيحية. وفهمت العقلانية، بما لها من مكانة كبيرة في عصر الأنوار، على أنها متنافية مع الوحي الذي لا حظّ له في الازدهار إلاّ في فردوس الظلامية.
ومع التأخير عن أوروبا زهاء القرن، بدأت المشكلة تطرح على الإسلام، وهنا أيضاً اتخذت، في جملة ما اتخذته من مظاهر، مظهر ردّة الفعل على "دكتاتورية" الدين، وباتت من جرّاء ذلك ترتبط بتزايد الانفكاك من الإسلام، الذي يثير من الضجّة أقل كثيراً مما تثيره الصحوة الإسلامية، إلى حدّ أنه قد يفوت كلياً نظر المراقب غير المتمرّس.
غير أن هذا الانفكاك أو التفلّت واقع ملموس، ولاسيما في الطبقات العليا – مالياً أو ثقافياً – من المجتمع، كما أشارت بعض الدراسات، وإن كان للشرائح الأقل حظوة حظ منه، وبخاصة في أوساط المدن.
لقد باتت مشكلة الحرية الدينية تطرح اليوم علينا، نحن ورثة تراث نبي الله إبراهيم، بمصطلحات شديدة الشبه بتلك التي عرفتها أوروبا وإن لم تكن هي نفسها، وذلك في درجات من الحدّة، والأولويات الملحة، وردود الفعل، التي قد لا تكون مختلفة إلاّ بصورة مؤقتة.
الحرية الدينية، الحرية الحقيقية، تلك التي تترك فعلاً لكل إنسان أن يقرر اختيار مصيره بحرية، تعنينا كلنا إذاً، من مؤمنين وملحدين، نحن الملتزمين التزاماً مخلصاً بالكرامة الإنسانية المرتبطة بحرية قرار كل إنسان. فالسلام يتوقف عليها سواء على المستوى القومي أم الدولي.
فنحن نلاحظ على المستوى القومي، في الشرق كما في الغرب، في الهند، باكستان، لبنان، ايرلندا، الفلبين وغيرهم ربما، أن دورة الحروب الدينية، أو بالأحرى الحروب المتذرعة بالدين، لم تقفل.
وعلى المستوى الدولي توشك التناقضات بين الأيديولوجيات المتمركزة حول تصوّرات متباينة للحرية أن تتسبّب بكارثة على قدر من الضخامة يهدد بوضع حدّ نهائي للمغامرة البشرية. فقد قدّرت بعض التقارير أن الطاقة التدميرية التي يمتلكها قادة هذا العالم تساوي أربعة أطنان من المتفجرات لكل إنسان.
فانطلاقاً من إيماني المسلم، إيماناً لا يقتصر على الانتماء إلى ثقافة معينة، بل إيمان التزام تام بالشهادة وإتمام الفرائض، سأتناول هذه المشكلة التي أضفى عليها ما كان في الربع الأخير من العام الفائت من قضية توماس ياديجاري (الذي كان يعرف سابقاً باسم حسين) الذي رفض العودة إلى بلاده إيران بعد أن قررت حكومة نيوزيلندا ترحيله، بسبب مخاوفه من إعدامه بسبب تحوله من الإسلام إلى المسيحية، وقبل ذلك قضية عبد الرحمن الأفغاني – الذي كاد أن يعدم "لارتداده" عن الإسلام.
إن مشكلة الحرية الدينية، ليست، طبعاً، بالمشكلة الجديدة. فإن وراءها تاريخاً طويلاً، تاريخاً دموياً في الغالب الأعم، ومع الأسف، ومن زاوية لاهوتية، يمكن مشارفة المشكلة باعتبارها أقدم بكثير أيضاً. فهي ترتبط، على المستوى "الكياني"، بخلق الإنسان نفسه ؛ ذلك أن نبي الله آدم المخلوق حراً قد اختار بملء إرادته أن يعصي ربه، والله قد احترم حريته هذه.
فالحرية في تجلياتها كافة، ومع كل ما تعد به وما تستتبعه من مخاطر، تجد إذاً تأسيسها الأصلي الأول في الفعل الإلهي، السامي، الخلاّق نفسه. والرهان على حرية الإنسان إنما هو منذ البداية، والمصدر، رهان الله تعالى.
وللنقاش الذي يعنينا سوابق في التاريخ. أما الصورة التي أمسى يطرح عبرها اليوم، مع مستلزماته المرتبطة بحقوق الإنسان في مجملها، فقد انطلقت أولى صياغاتها الحديثة في أوروبا ابتداءً من القرن التاسع عشر بتأثير من فلسفة التنوير والموسوعيين الأوائل من مثل (ديدرو).
وفي ردة فعل على "دكتاتورية" الأديان، كاد التركيز ينحصر يومها على الحق في الإلحاد، أي عدم الإيمان، وذلك لا في الدهاليز الخفية بل جهاراً نهاراً، وباعتزاز. فلم يعد الإلحاد داءً مشيناً يتستّر المرء عليه ويحجبه. لا بل صُودر العقل لمصلحة الإلحاد وحده، وأضحى النعت بالعقلاني لا يحمل حصراً إلاّ على ذوي الأذهان المستنيرة التي اطّرحت تخييلات الإيمان وأساطيره.
وهكذا غدت الحرية الدينية، من سبيل الخطأ، مرادفاً للإلحاد، وهو أمر لم يكن من شأنه توضيح النقاش والحث على الاعتدال، وقد بلغ من شدة الاختلاط في المعمعة أن توصّل الناس إلى نسيان ما هو بديهي، ألاَ وهو أن الحرية الدينية هي أيضاً حرية الإيمان، الإيمان بما يرغب الإنسان أن يؤمن به، وما هو مقتنع به، وأن لا وجود لإيمان حقيقي من دون حرية.
فقد امتزج تاريخ الحرية الدينية الحديث في أوروبا امتزاجاً حميماً بتاريخ الانفكاك من المسيحية. وفهمت العقلانية، بما لها من مكانة كبيرة في عصر الأنوار، على أنها متنافية مع الوحي الذي لا حظّ له في الازدهار إلاّ في فردوس الظلامية.
ومع التأخير عن أوروبا زهاء القرن، بدأت المشكلة تطرح على الإسلام، وهنا أيضاً اتخذت، في جملة ما اتخذته من مظاهر، مظهر ردّة الفعل على "دكتاتورية" الدين، وباتت من جرّاء ذلك ترتبط بتزايد الانفكاك من الإسلام، الذي يثير من الضجّة أقل كثيراً مما تثيره الصحوة الإسلامية، إلى حدّ أنه قد يفوت كلياً نظر المراقب غير المتمرّس.
غير أن هذا الانفكاك أو التفلّت واقع ملموس، ولاسيما في الطبقات العليا – مالياً أو ثقافياً – من المجتمع، كما أشارت بعض الدراسات، وإن كان للشرائح الأقل حظوة حظ منه، وبخاصة في أوساط المدن.
لقد باتت مشكلة الحرية الدينية تطرح اليوم علينا، نحن ورثة تراث نبي الله إبراهيم، بمصطلحات شديدة الشبه بتلك التي عرفتها أوروبا وإن لم تكن هي نفسها، وذلك في درجات من الحدّة، والأولويات الملحة، وردود الفعل، التي قد لا تكون مختلفة إلاّ بصورة مؤقتة.
الحرية الدينية، الحرية الحقيقية، تلك التي تترك فعلاً لكل إنسان أن يقرر اختيار مصيره بحرية، تعنينا كلنا إذاً، من مؤمنين وملحدين، نحن الملتزمين التزاماً مخلصاً بالكرامة الإنسانية المرتبطة بحرية قرار كل إنسان. فالسلام يتوقف عليها سواء على المستوى القومي أم الدولي.
فنحن نلاحظ على المستوى القومي، في الشرق كما في الغرب، في الهند، باكستان، لبنان، ايرلندا، الفلبين وغيرهم ربما، أن دورة الحروب الدينية، أو بالأحرى الحروب المتذرعة بالدين، لم تقفل.
وعلى المستوى الدولي توشك التناقضات بين الأيديولوجيات المتمركزة حول تصوّرات متباينة للحرية أن تتسبّب بكارثة على قدر من الضخامة يهدد بوضع حدّ نهائي للمغامرة البشرية. فقد قدّرت بعض التقارير أن الطاقة التدميرية التي يمتلكها قادة هذا العالم تساوي أربعة أطنان من المتفجرات لكل إنسان.