الصحراء مخادعة، فهي أحيانا تبدو مجموعة من التلال الجرداء، وطوراً يا للمفاجأة! بساطاً من العشب الأخضر المزركش بأزهار فوّاحة.
أما قطعان الغنم فهي أهم ثروات الصحارى، فهي تقدم اللحم والصوف والحليب.
فخلال قرون كثيرة، كان الرعاة وحدهم سكان البادية وعمالها، وهم الذين درسوا بعمق أحوال الرمال وراقبوا تحركاتها..
لذا يتلخص مبدأ البادية بحقيقة واضحة هي: أن الحيوان لا يأكل الأعشاب إلا بالتدريج، والراعي فقط هو الذي يقدّر بمهارة البقعة التي تكفي دابته.
فضلا عن القطعان وبعض الشجيرات والنباتات، يوجد في باطن الصحراء أحيانا الكبريت الذي تبدو حجارته الصفراء الساطعة كأنها تقول للانسان انظر ملياً إلى باطني تجد كنوزا غريبة نادرة، من مختلف أنواع المعادن.
الواقع، فالناس يزدادون ومجالهم الاقتصادي يتسع يوما بعد يوم، واستهلاك الوقود والمعادن والسماد يتطور باستمرار، إذ سبر الانسان أعمق زوايا الأرض في الشمال، في الجنوب، في الشرق، في الغرب، وأقام المشروعات الصناعية، وبنى المدن العمالية.
وما النتيجة: تراجعت البادية، اقتلعت الاشجار والجذور وانخفض مردود المراعي مرة ونصف وهو مستمر بالتناقص.
إذن: ما العلاج؟ إن كان ثمة علاج.. من أين الماء الصافي؟ إن اختفى، أيمكن أن نتهم الزراعة ؟ أليس الأجدى أن نضع بالحسبان أن الأراضي العطشى هي المسؤولة عن كثرة استهلاك الماء النقي؟!
لذا، ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن قرابة نصف الأسر الفلاحية، ما زالت تستخدم في عصرنا هذا، عصر المركبات الفضائية والأقمار الصناعية، المجرفة والمحراث الروماني وبعض الأدوات البدائية.
إن ضآلة مردود العمل، وفقدان الأسمدة الكيميائية واستحالة استخدام الانجازات العلمية، يجعل الأرض في البلدان النامية تُستثمر بشكل غير معقول، فنرى استمرار المحصول الرديء والقحط الدائم وفي كثير من الاحيان المجاعة التي تعاني منها شرائح واسعة من الناس.
ومن المسلّم به وليس محلا للنقاش أن الافتقار العالمي للمواد الغذائية اليوم ناجم عن أسباب اجتماعية اقتصادية وليس كما يعزوها بعض الاختصاصيين للشروط الطبيعية غير المؤاتية أو نقص الأرض.
إن انتاج طن واحد من الحبوب يحتاج إلى مقادير كثيفة من الماء هكذا، في عصر يتطلب تكثيف الزراعة زيادة في استهلاك الماء.
ومن جهة اخرى، تستهلك الصناعة والمدن الماء بشكل مطرد، فليس مدهشاً إذن أن تمتص الصناعة المتطورة والمدن روافد الأنهار لإرواء عطشها، هذا فضلا عن شح الأمطار في بعض السنين.
وهكذا، كان العالم مضطرا لإقامة السدود الجبارة والسطحية لتغذية المصانع وإرواء الأرض والسكان.
خلال آلاف السنين، كان الأمر سهلا، إن احتاج المرء حطباً للتدفئة يكفي أن يقطع شجرة ففي الغابات ما لا يحصى منها، وإن احتاج حقلا، فليس له سوى تسوية قطعة من الأرض المجاورة البور، وإن لم يجد مساحة كافية أو كانت الأرض قليلة الخصوبة، فيحرق زاوية من الغابة.
لقد اعتاد الانسان ان يرى ان كوكبه يزخر بثروة خرافية، وأن فيه خزانا لا ينضب، زوّد وسيزوّد المجتمع بالكميات المطلوبة من المواد الاولية، من الطاقة والمواد الغذائية.
إن كمية الماء التي تصب في البحار هي 35000سم3 وحسب رأي ريابنشكوف، فمنذ وقت لم يستعمل الانسان الاّ سُبعها فتأمل بأي سطل نتزود لاستنفاد المياه.
وفي المقابل، فاذا رجعنا الى الأرض المحروثة )حقول مراعي( ترى أن ثلثها على الاقل، قد فقد حوالي 50% من قشرتها الخصبة ويرى الاخصائيون أن الارض المنقرضة في العالم تتراوح بين 600 - 700 مليون هكتار أي نصف الأراضي الزراعية.
وهكذا بدأت مأساة تدمير البيئة وكلما ازدادت امكانات الانسان، تفاقمت هذه المأساة ودون توقف من قرن الى قرن او من ألفية إلى ألفية.
وأيضا، ثمة أمور أخرى تبدو لنا اليوم عادية وكونها موجودة منذ زمن، رغم انها حديثة العهد، من مثل الارسال اللاسلكي، والسيارات، الطائرات، الهاتف، الآلات الكاتبة، الأفران الغازية، المواد الملونة، السماد الكيماوي، النباتات المصطفاة، المحطات الذرية.
يقول نسيم يازجي في كتاب )هل العالم أمام بداية النهاية( إن الوشائج عديدة بين الانسان والبيئة، فهي لا تتحمل فقط أذى المزارعين والصيادين فحسب، بل أيضا أعمال خبراء المعادن والمناجم والنفط والحطابين والبنَّائين.
ويقول باري كومرنر: كل يوم نزداد قناعة أن كل ما نجنيه من الوسائل التقنية الحديثة يكلفنا غاليا جدا لأنه على حساب تدمير البيئة.
إن الانطلاقة العجولة للعلم والتقنية ستجعل قضية العلاقة بين الانسان والبيئة قضية ملحة وآنية.
ولقد ألح كبار علماء الاجتماع الأوائل وقدّروا أن تكون هناك ميزة لمجتمع الغد الذي يقوم على التقارب بين الانسان والبيئة، ورأوه إحدى سمات الغد الاساسية.
فاستثمار البيئة استثمارا عاقلا ومبرمجا، عدا عن كونه يحفظها ويغنيها، يحدث الشروط الضرورية لنجاح وتطور الصناعة والزراعة، وينمي باستمرار مردود العمل الاجتماعي، وبالتالي يرفع على الدوام مستوى الحياة المادي والثقافي للاجيال الحاضرة والقادمة.
إنها اللحظة التأملية بمصير الانسان والبيئة!!
أما قطعان الغنم فهي أهم ثروات الصحارى، فهي تقدم اللحم والصوف والحليب.
فخلال قرون كثيرة، كان الرعاة وحدهم سكان البادية وعمالها، وهم الذين درسوا بعمق أحوال الرمال وراقبوا تحركاتها..
لذا يتلخص مبدأ البادية بحقيقة واضحة هي: أن الحيوان لا يأكل الأعشاب إلا بالتدريج، والراعي فقط هو الذي يقدّر بمهارة البقعة التي تكفي دابته.
فضلا عن القطعان وبعض الشجيرات والنباتات، يوجد في باطن الصحراء أحيانا الكبريت الذي تبدو حجارته الصفراء الساطعة كأنها تقول للانسان انظر ملياً إلى باطني تجد كنوزا غريبة نادرة، من مختلف أنواع المعادن.
الواقع، فالناس يزدادون ومجالهم الاقتصادي يتسع يوما بعد يوم، واستهلاك الوقود والمعادن والسماد يتطور باستمرار، إذ سبر الانسان أعمق زوايا الأرض في الشمال، في الجنوب، في الشرق، في الغرب، وأقام المشروعات الصناعية، وبنى المدن العمالية.
وما النتيجة: تراجعت البادية، اقتلعت الاشجار والجذور وانخفض مردود المراعي مرة ونصف وهو مستمر بالتناقص.
إذن: ما العلاج؟ إن كان ثمة علاج.. من أين الماء الصافي؟ إن اختفى، أيمكن أن نتهم الزراعة ؟ أليس الأجدى أن نضع بالحسبان أن الأراضي العطشى هي المسؤولة عن كثرة استهلاك الماء النقي؟!
لذا، ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن قرابة نصف الأسر الفلاحية، ما زالت تستخدم في عصرنا هذا، عصر المركبات الفضائية والأقمار الصناعية، المجرفة والمحراث الروماني وبعض الأدوات البدائية.
إن ضآلة مردود العمل، وفقدان الأسمدة الكيميائية واستحالة استخدام الانجازات العلمية، يجعل الأرض في البلدان النامية تُستثمر بشكل غير معقول، فنرى استمرار المحصول الرديء والقحط الدائم وفي كثير من الاحيان المجاعة التي تعاني منها شرائح واسعة من الناس.
ومن المسلّم به وليس محلا للنقاش أن الافتقار العالمي للمواد الغذائية اليوم ناجم عن أسباب اجتماعية اقتصادية وليس كما يعزوها بعض الاختصاصيين للشروط الطبيعية غير المؤاتية أو نقص الأرض.
إن انتاج طن واحد من الحبوب يحتاج إلى مقادير كثيفة من الماء هكذا، في عصر يتطلب تكثيف الزراعة زيادة في استهلاك الماء.
ومن جهة اخرى، تستهلك الصناعة والمدن الماء بشكل مطرد، فليس مدهشاً إذن أن تمتص الصناعة المتطورة والمدن روافد الأنهار لإرواء عطشها، هذا فضلا عن شح الأمطار في بعض السنين.
وهكذا، كان العالم مضطرا لإقامة السدود الجبارة والسطحية لتغذية المصانع وإرواء الأرض والسكان.
خلال آلاف السنين، كان الأمر سهلا، إن احتاج المرء حطباً للتدفئة يكفي أن يقطع شجرة ففي الغابات ما لا يحصى منها، وإن احتاج حقلا، فليس له سوى تسوية قطعة من الأرض المجاورة البور، وإن لم يجد مساحة كافية أو كانت الأرض قليلة الخصوبة، فيحرق زاوية من الغابة.
لقد اعتاد الانسان ان يرى ان كوكبه يزخر بثروة خرافية، وأن فيه خزانا لا ينضب، زوّد وسيزوّد المجتمع بالكميات المطلوبة من المواد الاولية، من الطاقة والمواد الغذائية.
إن كمية الماء التي تصب في البحار هي 35000سم3 وحسب رأي ريابنشكوف، فمنذ وقت لم يستعمل الانسان الاّ سُبعها فتأمل بأي سطل نتزود لاستنفاد المياه.
وفي المقابل، فاذا رجعنا الى الأرض المحروثة )حقول مراعي( ترى أن ثلثها على الاقل، قد فقد حوالي 50% من قشرتها الخصبة ويرى الاخصائيون أن الارض المنقرضة في العالم تتراوح بين 600 - 700 مليون هكتار أي نصف الأراضي الزراعية.
وهكذا بدأت مأساة تدمير البيئة وكلما ازدادت امكانات الانسان، تفاقمت هذه المأساة ودون توقف من قرن الى قرن او من ألفية إلى ألفية.
وأيضا، ثمة أمور أخرى تبدو لنا اليوم عادية وكونها موجودة منذ زمن، رغم انها حديثة العهد، من مثل الارسال اللاسلكي، والسيارات، الطائرات، الهاتف، الآلات الكاتبة، الأفران الغازية، المواد الملونة، السماد الكيماوي، النباتات المصطفاة، المحطات الذرية.
يقول نسيم يازجي في كتاب )هل العالم أمام بداية النهاية( إن الوشائج عديدة بين الانسان والبيئة، فهي لا تتحمل فقط أذى المزارعين والصيادين فحسب، بل أيضا أعمال خبراء المعادن والمناجم والنفط والحطابين والبنَّائين.
ويقول باري كومرنر: كل يوم نزداد قناعة أن كل ما نجنيه من الوسائل التقنية الحديثة يكلفنا غاليا جدا لأنه على حساب تدمير البيئة.
إن الانطلاقة العجولة للعلم والتقنية ستجعل قضية العلاقة بين الانسان والبيئة قضية ملحة وآنية.
ولقد ألح كبار علماء الاجتماع الأوائل وقدّروا أن تكون هناك ميزة لمجتمع الغد الذي يقوم على التقارب بين الانسان والبيئة، ورأوه إحدى سمات الغد الاساسية.
فاستثمار البيئة استثمارا عاقلا ومبرمجا، عدا عن كونه يحفظها ويغنيها، يحدث الشروط الضرورية لنجاح وتطور الصناعة والزراعة، وينمي باستمرار مردود العمل الاجتماعي، وبالتالي يرفع على الدوام مستوى الحياة المادي والثقافي للاجيال الحاضرة والقادمة.
إنها اللحظة التأملية بمصير الانسان والبيئة!!