الدول الآسيوية المستورد الأول للنفط العربي!
دول آسيا والمحيط الهادي استوردت 58% من النفط الشرق أوسطي
عندما يُطرح موضوع أمن الطاقة للدول المستوردة للنفط يتبادر إلى الأذهان أسواق تصدير النفط في أوروبا وأمريكا، غير أن خريطة الدول المستوردة تشهد تغيرات هامة؛ فدول آسيا والمحيط الهادي قد استوردت 58% من النفط الشرق أوسطي المصدر في عام 1999، مقابل استيراد الولايات المتحدة لـ13% منه فقط، واستيراد أوروبا لـ21%.
ولو استثنيا اليابان وأستراليا فسنجد أن دول آسيا والمحيط الهادي الباقية قد استوردت من النفط ما يعادل قيمة ما استوردته دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة مجتمعة في ذلك العام ! وبينما زاد حجم استهلاك آسيا للنفط من 18 % في الثمانينيات إلى 27% من مجموع الاستهلاك العالمي فإن إنتاجها له لم يزد عن 10 % من الإنتاج النفطي العالمي للنفط في العقدين الماضيين.. بل وتشير تحليلات أخرى إلى أن الأوروبيين والأمريكان سيقللون من اعتمادهم على النفط العربي في العقود القادمة.
وتؤكد مراكز يابانية أن منطقة آسيا والمحيط الهادي بما في ذلك أستراليا ونيوزلندة ستكون المستورد الأول للنفط عالميا بحلول عام 2005 متخطية حجم استيراد أوروبا وأمريكا منه، ويتوقع استيراد الدول الآسيوية لـ19 مليون برميل يوميا من النفط الخليجي بعد عام 2010.
فرصة لتعزيز التعاون العربي الآسيوي
هذه التقلبات في التوجهات العالمية لاستهلاك النفط وميل الكفة إلى آسيا على حساب المستهلكين الغربيين كل ذلك أدى إلى تزايد الاهتمام بأمن الطاقة في القارة الآسيوية من قبل صانعي القرار وشركات النفط الآسيوية والعالمية والاقتصاديين فيها، وهو ينذر بتغير في سياسات أمن الطاقة في المنطقة، كما يعطي إشارة إلى الدول المصدرة للنفط وخصوصا العربية منها إلى ضرورة الاهتمام بالسوق الآسيوية للنفط وعلاقة دولها بالدول الآسيوية المستوردة له في الجوانب الاقتصادية والسياسية الأخرى.
حيث يوفر النفط فرصة أخرى لتقوية العلاقات بين مصدري النفط في العالم العربي والمستوردين الآسيويين، وهو ما يمكن أن يصب في مصلحة الطرفين ويقلل من الارتباط اقتصاديا وسياسيا بالولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى. وكما يعتمد توسع الاقتصاديات الآسيوية على النفط العربي فإن الاقتصاديات العربية يمكن أن تستفيد من الدول الصناعية الجديدة في الشرق الأقصى ليس بمجرد زيادة حجم ما تستورده من سلعها الآسيوية فحسب ولكن بتعزيز التعاون في مرحلة الانتقال الحالية من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد الرقمي والتي تعتبر قضية الساعة لمخططي التنمية في العديد من دول المنطقتين.
أمن الطاقة والواقع الآسيوي
إذا عدنا إلى مفهوم "أمن الطاقة " فسنجد أن له 3 مظاهر عامة : الأول يقوم على تقليص أو تحديد إمكانات التعرض في دولة أو منطقة ما لانقطاع في توفر الطاقة من مصدرها وهو بعد قصير المدى بشكل أساسي، والمظهر الثاني للمفهوم هو العمل على تأمين الطاقة على المدى الطويل بضمان سريان النظام العالمي للطاقة وتوفر الكمية المطلوبة منها، سواء كانت نفطا أو غازا أو غيرهما مع تزايد الطلب، وثالث الأبعاد وآخرها في أمن الطاقة والذي بدأ الاهتمام به يتزايد هو العمل على تطوير أشكال استهلاك الطاقة وترشيده تقنيا لتقليل الضرر بالبيئة من أجل تنمية متوازنة. وبالنسبة للدول المستوردة يجد هذا البعد اهتماما بهدف تقليل الاستهلاك وتخفيف عبء استيراد النفط والغاز، ويضيف المستوردون على ذلك بعدا آخر هو الحفاظ على التسعيرة في مستويات معقولة. وهي قضية ساخنة في العلاقات الدولية بين المصدر والمستورد للذهب الأسود.
وتتفق العديد من الدراسات الحديثة على أن تقديرات توجهات العرض والطلب في السوق الآسيوية تشير إلى الاعتماد المتزايد على نفط الخليج وهو ما يجعل الدول الآسيوية تهتم بشكل متزايد بالتطورات والاستقرار السياسي والاقتصادي في الدول المصدرة للنفط، وتحاول في نفس الوقت البحث عن بدائل أو مصادر احتياطية شبه بديلة من نفط آسيا الوسطى وروسيا؛ على اعتبار أن اضطرابا في تزويد الدول الآسيوية بالنفط الخليجي قد يحدث في أي وقت لسبب ما.
وقد زاد الطلب على النفط بشكل متواز مع تزايد معدلات النمو وتوسع الأنشطة الاقتصادية للدول الآسيوية في العقود الثلاثة الماضية، وبلغت نسبة نمو الطلب سنويا 5.5% بين عامي 1990 و 1996 مقارنة بمعدل نمو عالمي لذلك لم يزد عن 1.5% سنويا، وبدون أبرز 10 دول في شرق آسيا (وهي الصين وهونغ كونغ -كمركز تجاري خاص- وإندونيسيا واليابان وماليزيا والفليبين وسنغافورة وتايوان وتايلاند) لم تكن نسبة الطلب على النفط عالميا لتنمو أكثر من 0.5 % فقط.
وكان انخفاض أسعار النفط منذ أواسط الثمانينيات عاملا محفزا لمزيد من الاستثمارات في مجال تخزين الطاقة وتطوير مصادر بديلة لها، كما كان في نفس الوقت أحد العوامل التي ساعدت على صعود "النمور" و"التنانين" (جمع تنين) الآسيوية منذ بداية الثمانينيات حتى نهاية عام 1997، ففي ذلك العام الذي ارتبط اسمه بأزمة آسيا المتعددة الأبعاد، بدءا بالعاصفة المالية، انخفض الطلب على النفط بشكل حاد بفارق 600 ألف برميل في اليوم مقارنة بما كان يستورد من النفط العربي في سنوات قمة هرم نمو الناتج المحلي الإجمالي لمعظم الدول الآسيوية بين عامي 1990 و 1997، وكان هذا أحد أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار أسعار النفط منذ أواخر عام 1997 وحتى بداية عام 1999 وهو ما أثر بدوره سلبيا على ماليزيا وإندونيسيا وبروناي الدول المصدرة للنفط في جنوب شرق آسيا.
لكن ذلك لم يكن ليدم خاصة أن آثار الأزمة لم تكن متساوية في وقعها على اقتصاديات الدول. وتوقعات نسب الزيادة في حجم الاستيراد الآسيوي من النفط العربي التي صدرت ما قبل النفط تأخر حدوثها لمدة تتراوح بين عام وعامين فقط. وتشير الإحصاءات إلى أن جميع الدول الآسيوية -ما عدا إندونيسيا وهونغ كونغ والفليبين- قد عادت إلى نسب نمو موجبة بدءا بعام 2000. وتتفق العديد من الدراسات الآسيوية -وتؤيدها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية - على أن أبرز 10 دول في شرق آسيا وجنوب آسيا ستظل في السنوات القادمة مستهلكة لـ 21 % على الأقل من الطلب على النفط عالميا أو ما يقدر بوحدة القياس البريطانية بـ 79.6 كوادريليون من الطاقة، وهي النسبة التي استهلكتها في عام 1997 قبيل الأزمة، كما تستهلك هذه الدول العشرة 7% على الأقل من الغاز المستهلك عالميا، و35% من الفحم. وتعود نسبة استهلاك الفحم المرتفعة إلى اعتماد الصين عليه حيث تستهلك 29% من الفحم المستهلك عالميا، مع قلة استهلاكه من قبل الدول الأخرى.
النفط الآسيوي لا يفي بالطلب
وما يعزز أهمية النفط العربي ونفط آسيا الوسطى بالنسبة للدول الآسيوية أن الدول الآسيوية المصدرة للنفط -وهي الهند وإندونيسيا والصين وماليزيا- لن تفي في المستقبل المنظور بحاجات الدول الآسيوية مجتمعة.
فمع أن هذه الدول أقدمت على الاستثمار في تطوير وتحديث قطاع الطاقة فيها وعلى إصلاح سياساتها لتشجيع القطاع الخاص للشراكة مع القطاع الحكومي في الاستكشافات والإنتاج، إلا أنه من غير المتوقع أن يرتفع إنتاجها كثيرا مقارنة بتزايد الاستهلاك، حيث تنتج هذه الدول الأربعة حاليا 6.3 ملايين برميل يوميا. ويتوقع أن يتراوح إنتاجها بين 6.8 ملايين برميل في عام 2005 و 7.1 ملايين برميل عام 2010.
وحتى الصين التي يعتقد أنها ستكون أكبر اقتصاديات العالم مستقبلا تحولت إلى مستورد للنفط منذ عام 1993 وهو ما يجعلها أكثر قابلية للتعرض لأي أزمة في نظام الطاقة العالمي، وهذا ما يقربها سياسيا واقتصاديا من الدول المصدرة للنفط والغاز لضمان توفرهما لسوقها الآخذ بالتوسع.
أما الهند فإنها تستورد حاليا 700 ألف برميل يوميا ويتوقع أن يرتفع الحجم إلى 2.3 مليون برميل يوميا في عام 2010، وعلى الرغم من أن إندونيسيا وماليزيا تصدران النفط حاليا فإنهما قد يتحولان إلى مستوردتين له في عام 2010 إذا لم يظهر مخزون نفطي إستراتيجي جديد بهما.
لكن محصي هذا الرقم لم يضعوا في حسبانهم الاكتشافات المتوقعة في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه من قبل عدد من الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين وفيتنام والفليبين، وكذلك الاكتشافات المرتقبة في حوض تاريم في الصين، وتتفاوت تقديرات المخزون النفطي في المناطق الصينية مع اختلاف كبير بينها بين 225 مليار برميل في رأي الجيولوجيين الصينيين إلى 7.8 مليارات في رأي الجيولوجيين الروس، هذا بالإضافة إلى تزايد أهمية الغاز كبديل عن النفط. وتعتقد دراسات الجيولوجيين في إندونيسيا على سبيل المثال أن حقول ناتونا التي بدأ استخراج الغاز منها بالفعل تحوي من الغاز الطبيعي ما يمكن أن تصدر إندونيسيا منه 7 ملايين طن سنويا.
تزايد أهمية النفط العربي
ويتوقع خبراء الطاقة أن يصل استيراد النفط في عام 2010 من قبل 11 دولة آسيوية هي : الصين والهند واليابان و بنغلاديش وتايلاند وماليزيا وسنغافورة والفليبين وإندونيسيا وتايوان وكوريا الجنوبية إلى 16.3 مليون برميل يوميا، مقارنة بعشرة ملايين برميل حاليا من مجموع 15 مليون برميل يم استهلاكها في الدول المذكورة، فيما عدا الهند وبنغلاديش وتايوان. وبدءا بعام 2010 سيكون 90 % من النفط المستهلك في الدول الـ11 مستورَد من خارج شرق وجنوب آسيا.
وتغطي منطقة الخليج العربي حاليا نسبة 87 % من حاجات دول آسيا من النفط المستورد حسب أرقام عام 2000. ويتوقع أن ترتفع نسبة الاعتماد الآسيوي على النفط العربي إلى 95 % من مجموع حجم النفط المستورد إلى آسيا في عام 2010. وبحسب أرقام "منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي" (أبيك) فإن آسيا استوردت 8.9 مليارات برميل من نفط الخليج عام 2000، وستستورد 15 مليون برميل على الأقل في عام 2010، وليس هذا بمستبعد بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التي تحتضن 65 % من مخزون النفط العالمي، وفي نفس الفترة يتوقع أن تقلل أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية من استيرادها للنفط العربي.
اليابان الأكثر قلقا
ويبدو أن اليابان هي الأكثر قلقا؛ حيث إنها أكثر الدول الآسيوية استيرادا للنفط وتعتمد على الطاقة المستوردة بنسبة 90% مما تستهلكه من مصادرها، ويشكل النفط 52% منها، وكل من الفحم والطاقة النووية 15% والغاز الطبيعي 13%، وفيما عدا ذلك فإنها تولد 4% من الطاقة المستهلكة مائيا، و 1.3% من المصادر القابلة للتجديد.
وتعد اليابان رابع أكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا، لكنها ثاني أكبر مستورد للنفط تحديدا بعد الولايات المتحدة، وهي أكبر اقتصاديات آسيا حاليا وهذا يعني وجود أنشطة اقتصادية واسعة ذات تأثير عالمي تحتاج إلى توفر آمن للنفط قبل غيره من مصادر الطاقة البديلة التي يُستهلك نصفها مجتمعة من قبل القطاع الصناعي، وربعها في المواصلات، والنسبة الباقية من قبل السكان والزراعة والخدمات الأخرى.
وتشتري اليابان ثلاثة أرباع نفطها المستورد من دول الخليج العربي كالإمارات والسعودية والكويت وقطر وإيران، مع أن هذا لا يتعارض مع القول بأن استيراد النفط من قبل اليابانيين قد شهد ثباتا في حجمه وانخفاضا طفيفا بسبب ما عانى وما يزال يعاني منه الاقتصاد الياباني من أزمة متعمقة، بدأ التعافي منها بطيئا بعد أن وصلت قمة الاستهلاك الياباني للنفط عام 1997 إلى 5.9 ملايين برميل يوميا، ثم عادت لتبلغ 5.7 ملايين عام 1999.
ويرجع قلق اليابان على أمن طاقتها لأنها لا تمتلك أي مخزون نفطي تقريبا (يقدر حجم المخزون المكتشف بـ59 مليون برميل فقط) مقابل أنها سجلت استهلاك 5.6 ملايين برميل يوميا خلال عام 2000، ولم تنجز اليابان الكثير في محاولاتها تنويع مصادر النفط جغرافيا، ما عدا شراءها بنسب محدودة من الصين لغرض توليد الطاقة الكهربائية واستثمارات أخرى في آسيا الوسطى، وهناك 3 تحالفات نفطية لشركات يابانية مندمجة تشكلت بعد عام 1999 والتي تدير 39 مصفاة للنفط ذات قدرات على تصفية 5 ملايين برميل يوميا. ولأن استهلاك الغاز ما يزال محدودا فإن اليابان لم تعمل على استخراج ما لديها من مخزون يقدر بـ1.4 تريليون قدم مكعب، فهي تستورد 36% من غازها المستهلك من إندونيسيا و 19% من ماليزيا ونسبة قليلة منه من حقول ألاسكا الأمريكية.
وكل هذا يعني المزيد من الاعتماد الآسيوي على النفط العربي، مع ما يقابل ذلك من التزامات على العرب تجاه الآسيويين.