بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة ، من لوازم الإيمان الشكر والعرفان ، والله سبحانه وتعالى سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم ، تعريف لأسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، وتكريم هذا الإنسان :
( سورة الإسراء ) .
مادام هذا الكون قد سخره الله لنا كي نتعرف إليه من خلاله ، فينبغي أن نؤمن أن نؤمن به واحداً ، وكاملاً ، وخالقاً ، ورباً ، ومسيراً ، وأن نؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، وما دام قد سخر هذا الكون لنا تسخير تكريم ينبغي أن نشكر ، فالإنسان حينما يؤمن وحينما يشكر يكون قد حقق الهدف من وجوده ، يؤكد أن الله سبحانه وتعالى يقول :
( سورة النساء الآية : 147 ) .
يعني أنتم حينما تؤمنون ، وحينما تشكرون ، تتوقف عنكم كل معالجة ، لأنكم حققتم الهدف من وجودكم ، لذلك الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام : (( الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر )) .
[القضاعي في مسند الشهاب عن أنس]
الموضوع يشبه موضوع الصبر ، لقد أمر الله أن نشكره ، ونهى عن أن نكفره ، وأثنى على الشاكرين ، ووصف فيه خواص المتقين ، وجعله غاية خلقه وأمره ، فالشكر غاية ، ووعد أهله بأحسن الجزاء ، وجعله سبباً لمزيد من العطاء ، وحارساً وحافظاً لنعمته ، وأخبر أن أهله هم الذين ينتفعون بآياته ، واشتق له اسماً من أسمائه ، فإنه سبحانه هو الشكور ، وهو ينقل الشاكر إلى مشكور ، تشكر فتشكر ، وهو غاية الرب من عبيده ، وهو ثمن الجنة وأهله قليلون جداً .
( سورة سبأ ) .
قال تعالى :
( سورة البقرة ) .
( سورة البقرة ) .
( سورة النحل الآيات : 120 ـ 121 ) .
( سورة الإسراء ) .
( سورة النحل ) .
غاية الآيات الكونية أن نشكر .
( سورة العنكبوت ) .
ينبغي أن تشكر لمن ترجع إليه .
( سورة آل عمران ) .
ووعد الله عز وجل الذي يشكر يزيد الله من عطائه .
( سورة إبراهيم ) .
والمؤمن صبار وشكور .
( سورة إبراهيم ) .
النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل حتى تورمت ، عَنِ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ : (( قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ : أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا )) .
[ متفق عليه ]
لذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو بهذا الدعاء :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ : (( رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا ، لَكَ ذَكَّارًا ، لَكَ رَهَّابًا ، لَكَ مِطْوَاعًا ، لَكَ مُخْبِتًا ، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا ، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي ، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ، وَأَجِبْ دَعْوَتِي ، وَثَبِّتْ حُجَّتِي ، وَسَدِّدْ لِسَانِي ، وَاهْدِ قَلْبِي ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي )) .
[الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد]
أيها الإخوة ، الشكر له مستويات ثلاثة :
أول مستوى : أن تعرف النعمة ، لأن معرفة النعمة أحد أنواع الشكر ، هناك نعم كثيرة جداً مألوفة ، لكن هذه الألفة لهذه النعم ينبغي ألا تجعلنا ننساها .
إنسان عنده زوجة لا تخونه ، هذه نعمة كبيرة جداً ، لكنها مألوفة عند الناس ، فحينما تكون مألوفة يتوهم الإنسان أنها ليست نعمة ، لكن لو كان العكلا لغلى الإنسان كالمرجل ، نعمة أنك تتنعم بصحتك ، بأجهزتك ، بأعضائك ، بجوارحك ، بحواسك الخمس ، نعمة أنه لك مأوى ، فكلما نقلت المألوفات إلى النعم زادك الله نعماً وكرمك ، هذا المستوى الأول ، أن تعرف أنها نعمة ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا ، وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا ، وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ )) .
[مسلم]
ترون وتسمعون ماذا يحل في إخوتنا في فلسطين وفي العراق ، نعمة المأوى ، نعمة السلامة ، نعمة أن العدد مساء صحيح ، هذه من نعم الله الكبرى .
المستوى الأعلى : أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل ، دون أن تشعر تلهج بحمد الله ، يا رب لك الحمد .
المستوى الأعلى والأعلى : أن تقابل هذه النعم بعمل صالح بخدمة عباده ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
( سورة سبأ الآية : 13 ) .
الشكر الحقيقي هو ما ترجم إلى عمل .
أيها الإخوة ، يقول الله عز وجل في حديث قدسي : (( أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها )) .
وفي حديث صحيح عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ : (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ )) .
[رواه ابن الإمام أحمد]
لكن أيها الإخوة ، المعنى الدقيق أن شكر النعمة لا يتم إلا بنعمة جديدة ، وهي نعمة الشكر ، لذلك في الدعاء الشريف : (( اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك )) .
[ورد في الأثر]
أيضاً نستعين بالله على أن نشكره ، الشكر الذي يليق بنعمه ، لكن لا بد من تعليق ، هناك إنسان يتوهم نفسه موحداً ، يقول : أنا لا أشكر إلا الله ، جيد هذا الكلام ، لكن هذا الذي ساق لك الخير على يديه هو إنسان ومخير ، واختار أن يقدم لك هذا الخير ، وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ )) .
[الترمذي]
ليس هناك تناقض بين شكر الناس وبين شكر الله ، لكن الله عز وجل هو الذي مكن هذا الإنسان أن يقدم لي هذه الخدمة ، وسمح له بذلك ، ووفقه إلى ذلك ، إذاً أنا واجبي أن أشكر الله أولاً ، ثم أن أشكر هذا الإنسان ، لأن هذا يقوي العمل الصالح في المجتمع ، أما كلما جاءتك نعمة من إنسان تنكرت له ، وقلت : أنا لا أشكر إلا الله ، ليس هذا من أخلاق المؤمن .
شيء آخر ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ )) .
[الترمذي]
كما أن الله شكور ينبغي أن تكون أنت كذلك شكوراً ، فأي إنسان قدم لك خدمة ينبغي أن تشكره عليها ، والحقيقة أن الشكر يقوي العلاقات بين الناس ، أية خدمة قدمت لك أية هدية قدمت لك ، أي معروف صنع لك ينبغي أن تبادر ، فتشكر هذا الذي قدمه لك ، هذا من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام : (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ )) .
الحقيقة هناك أشخاص مهما قدمت إليهم المعروف ، ولا كلمة ، ولا شكر ، ولا إشارة ، ولا عبارة ، ولا اتصال هاتفي ، ولا بطاقة شكر ، وكأنه واجب عليك أن تكون خادماً له ، وهو في استعلاء وكبر ، والعياذ بالله ، وهناك أشخاص أقلّ خدمة تقدمها له يبادر فيشكرك ، فإذا استطعت أن ترد على هذه الخدمة بخدمة فهذا هو الأصل ، أما إذا لم تستطع فادع له ، فإنك بهذا تشكره ، أثنِ عليه وادعُ له ، إن قلت له جزاك الله خيراً ، فهذا نوع من الشكر .
شيء آخر ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ )) .
[الترمذي]
النبي عليه الصلاة والسلام جاءه صحابي ونزع عن ثوبه قشة ، فرفع النبي يديه إلى السماء ، وقال : جزاك الله خيراً .
أما التحدث بنعمة الله فهناك من يتوهم أنك إذا سافرت إلى بلد ، واستمتعت ، وأنفقت أموالا طائلة ، ولك دخل كبير ، فكلما جلست في مكان تحدثت عن نعمة الله عليك بهذا الدخل الكبير ، وبهذا الطعام الطيب ، وبهذه الحركات الممتعة ، ليس هذا هو القصد ، القصد أن تتحدث بالنعم المشتركة بين كل العباد ، أما أن تبدو فقيراً ، وأنت غني فهذا أيضاً ليس من الدين في شيء ، وفي الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ )) .
[الترمذي]
أنت في بحبوحة ارتَدِ ثيابًا جميلة ، ثيابًا نظيفة ، أن تكون بمظهر رثٍّ وأنت لست كذلك فهذا من كفر النعمة أيضاً .
ثم إن الإنسان أيها الإخوة حينما يستعين بالله على شكر نعمه يكون قد أدى حقيقة نفسه ، وتأكد أنه يستحيل أن تأتيك نعمة ، وأن تشكرها ثم تحجب عنك ، لأن الله :
( سورة الرعد الآية : 11 ) .
إذا كنت شاكراً لنعمه فأنت في حصين ، وأنت في بحبوحة من رب العالمين ، أما إذا تغيرت أخلاقك ، واستغنيت عن الله بعد النعم فانتظر زوال هذه النعم ، والله عز وجل إذا أعطى أدهش ، وإذا أخذ أدهش ، أحياناً الإنسان ينتقل من كل شيء إلى لا شيء ، وقد سمعت عن أناس كثيرين لهم دخول فلكية ، والله انتهت حياتهم أنهم نقبوا بالقمامة ، شيء لا يصدق ، إنسان من دخل فلكي إلى تنقيب بالقمامة !؟ .
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مؤدبين مع الله ، وأن نشكر نعم الله علينا ، فكل نعمة أنت فيها نعمة ينبغي أن تشكر الله عليها .
و الحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة ، من لوازم الإيمان الشكر والعرفان ، والله سبحانه وتعالى سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم ، تعريف لأسمائه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، وتكريم هذا الإنسان :
( سورة الإسراء ) .
مادام هذا الكون قد سخره الله لنا كي نتعرف إليه من خلاله ، فينبغي أن نؤمن أن نؤمن به واحداً ، وكاملاً ، وخالقاً ، ورباً ، ومسيراً ، وأن نؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، وما دام قد سخر هذا الكون لنا تسخير تكريم ينبغي أن نشكر ، فالإنسان حينما يؤمن وحينما يشكر يكون قد حقق الهدف من وجوده ، يؤكد أن الله سبحانه وتعالى يقول :
( سورة النساء الآية : 147 ) .
يعني أنتم حينما تؤمنون ، وحينما تشكرون ، تتوقف عنكم كل معالجة ، لأنكم حققتم الهدف من وجودكم ، لذلك الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام : (( الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر )) .
[القضاعي في مسند الشهاب عن أنس]
الموضوع يشبه موضوع الصبر ، لقد أمر الله أن نشكره ، ونهى عن أن نكفره ، وأثنى على الشاكرين ، ووصف فيه خواص المتقين ، وجعله غاية خلقه وأمره ، فالشكر غاية ، ووعد أهله بأحسن الجزاء ، وجعله سبباً لمزيد من العطاء ، وحارساً وحافظاً لنعمته ، وأخبر أن أهله هم الذين ينتفعون بآياته ، واشتق له اسماً من أسمائه ، فإنه سبحانه هو الشكور ، وهو ينقل الشاكر إلى مشكور ، تشكر فتشكر ، وهو غاية الرب من عبيده ، وهو ثمن الجنة وأهله قليلون جداً .
( سورة سبأ ) .
قال تعالى :
( سورة البقرة ) .
( سورة البقرة ) .
( سورة النحل الآيات : 120 ـ 121 ) .
( سورة الإسراء ) .
( سورة النحل ) .
غاية الآيات الكونية أن نشكر .
( سورة العنكبوت ) .
ينبغي أن تشكر لمن ترجع إليه .
( سورة آل عمران ) .
ووعد الله عز وجل الذي يشكر يزيد الله من عطائه .
( سورة إبراهيم ) .
والمؤمن صبار وشكور .
( سورة إبراهيم ) .
النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل حتى تورمت ، عَنِ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ : (( قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ : أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا )) .
[ متفق عليه ]
لذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو بهذا الدعاء :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ : (( رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ ، رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا ، لَكَ ذَكَّارًا ، لَكَ رَهَّابًا ، لَكَ مِطْوَاعًا ، لَكَ مُخْبِتًا ، إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا ، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي ، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ، وَأَجِبْ دَعْوَتِي ، وَثَبِّتْ حُجَّتِي ، وَسَدِّدْ لِسَانِي ، وَاهْدِ قَلْبِي ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي )) .
[الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد]
أيها الإخوة ، الشكر له مستويات ثلاثة :
أول مستوى : أن تعرف النعمة ، لأن معرفة النعمة أحد أنواع الشكر ، هناك نعم كثيرة جداً مألوفة ، لكن هذه الألفة لهذه النعم ينبغي ألا تجعلنا ننساها .
إنسان عنده زوجة لا تخونه ، هذه نعمة كبيرة جداً ، لكنها مألوفة عند الناس ، فحينما تكون مألوفة يتوهم الإنسان أنها ليست نعمة ، لكن لو كان العكلا لغلى الإنسان كالمرجل ، نعمة أنك تتنعم بصحتك ، بأجهزتك ، بأعضائك ، بجوارحك ، بحواسك الخمس ، نعمة أنه لك مأوى ، فكلما نقلت المألوفات إلى النعم زادك الله نعماً وكرمك ، هذا المستوى الأول ، أن تعرف أنها نعمة ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا ، وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا ، وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ )) .
[مسلم]
ترون وتسمعون ماذا يحل في إخوتنا في فلسطين وفي العراق ، نعمة المأوى ، نعمة السلامة ، نعمة أن العدد مساء صحيح ، هذه من نعم الله الكبرى .
المستوى الأعلى : أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل ، دون أن تشعر تلهج بحمد الله ، يا رب لك الحمد .
المستوى الأعلى والأعلى : أن تقابل هذه النعم بعمل صالح بخدمة عباده ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى :
( سورة سبأ الآية : 13 ) .
الشكر الحقيقي هو ما ترجم إلى عمل .
أيها الإخوة ، يقول الله عز وجل في حديث قدسي : (( أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها )) .
وفي حديث صحيح عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ : (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ )) .
[رواه ابن الإمام أحمد]
لكن أيها الإخوة ، المعنى الدقيق أن شكر النعمة لا يتم إلا بنعمة جديدة ، وهي نعمة الشكر ، لذلك في الدعاء الشريف : (( اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك )) .
[ورد في الأثر]
أيضاً نستعين بالله على أن نشكره ، الشكر الذي يليق بنعمه ، لكن لا بد من تعليق ، هناك إنسان يتوهم نفسه موحداً ، يقول : أنا لا أشكر إلا الله ، جيد هذا الكلام ، لكن هذا الذي ساق لك الخير على يديه هو إنسان ومخير ، واختار أن يقدم لك هذا الخير ، وفي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ )) .
[الترمذي]
ليس هناك تناقض بين شكر الناس وبين شكر الله ، لكن الله عز وجل هو الذي مكن هذا الإنسان أن يقدم لي هذه الخدمة ، وسمح له بذلك ، ووفقه إلى ذلك ، إذاً أنا واجبي أن أشكر الله أولاً ، ثم أن أشكر هذا الإنسان ، لأن هذا يقوي العمل الصالح في المجتمع ، أما كلما جاءتك نعمة من إنسان تنكرت له ، وقلت : أنا لا أشكر إلا الله ، ليس هذا من أخلاق المؤمن .
شيء آخر ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ )) .
[الترمذي]
كما أن الله شكور ينبغي أن تكون أنت كذلك شكوراً ، فأي إنسان قدم لك خدمة ينبغي أن تشكره عليها ، والحقيقة أن الشكر يقوي العلاقات بين الناس ، أية خدمة قدمت لك أية هدية قدمت لك ، أي معروف صنع لك ينبغي أن تبادر ، فتشكر هذا الذي قدمه لك ، هذا من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام : (( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ )) .
الحقيقة هناك أشخاص مهما قدمت إليهم المعروف ، ولا كلمة ، ولا شكر ، ولا إشارة ، ولا عبارة ، ولا اتصال هاتفي ، ولا بطاقة شكر ، وكأنه واجب عليك أن تكون خادماً له ، وهو في استعلاء وكبر ، والعياذ بالله ، وهناك أشخاص أقلّ خدمة تقدمها له يبادر فيشكرك ، فإذا استطعت أن ترد على هذه الخدمة بخدمة فهذا هو الأصل ، أما إذا لم تستطع فادع له ، فإنك بهذا تشكره ، أثنِ عليه وادعُ له ، إن قلت له جزاك الله خيراً ، فهذا نوع من الشكر .
شيء آخر ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ )) .
[الترمذي]
النبي عليه الصلاة والسلام جاءه صحابي ونزع عن ثوبه قشة ، فرفع النبي يديه إلى السماء ، وقال : جزاك الله خيراً .
أما التحدث بنعمة الله فهناك من يتوهم أنك إذا سافرت إلى بلد ، واستمتعت ، وأنفقت أموالا طائلة ، ولك دخل كبير ، فكلما جلست في مكان تحدثت عن نعمة الله عليك بهذا الدخل الكبير ، وبهذا الطعام الطيب ، وبهذه الحركات الممتعة ، ليس هذا هو القصد ، القصد أن تتحدث بالنعم المشتركة بين كل العباد ، أما أن تبدو فقيراً ، وأنت غني فهذا أيضاً ليس من الدين في شيء ، وفي الحديث عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ )) .
[الترمذي]
أنت في بحبوحة ارتَدِ ثيابًا جميلة ، ثيابًا نظيفة ، أن تكون بمظهر رثٍّ وأنت لست كذلك فهذا من كفر النعمة أيضاً .
ثم إن الإنسان أيها الإخوة حينما يستعين بالله على شكر نعمه يكون قد أدى حقيقة نفسه ، وتأكد أنه يستحيل أن تأتيك نعمة ، وأن تشكرها ثم تحجب عنك ، لأن الله :
( سورة الرعد الآية : 11 ) .
إذا كنت شاكراً لنعمه فأنت في حصين ، وأنت في بحبوحة من رب العالمين ، أما إذا تغيرت أخلاقك ، واستغنيت عن الله بعد النعم فانتظر زوال هذه النعم ، والله عز وجل إذا أعطى أدهش ، وإذا أخذ أدهش ، أحياناً الإنسان ينتقل من كل شيء إلى لا شيء ، وقد سمعت عن أناس كثيرين لهم دخول فلكية ، والله انتهت حياتهم أنهم نقبوا بالقمامة ، شيء لا يصدق ، إنسان من دخل فلكي إلى تنقيب بالقمامة !؟ .
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مؤدبين مع الله ، وأن نشكر نعم الله علينا ، فكل نعمة أنت فيها نعمة ينبغي أن تشكر الله عليها .
و الحمد لله رب العالمين