ضحايا المجاعة في إثيوبيا والهند والباكلاتان يصابون بشللٍ دائم
من جرّاء تناولهم الغذاء الوحيد الذي تبقّى لديهم
الباحثون يستنبطون نباتات غير سامة من الجلبان المزروع؛
ويُتوقّع للأصناف الجديدة
أن تخفّف من المعاناة من الشلل المرتبط بالجفاف
قد يسقط بعض من هؤلاء المزارعين والأطفال ضحية الـ lathyrism (وهو شلل يصيب عضلات الساق)، عندما لايوجد لديهم شيء ليقتاتوا عليه إلا الجلبان (الحقل في الصورة الخلفية)، لأنّ الجفاف في البلد قد دمّر المحاصيل الغذائية الأخرى.
ضحية من ضحايا الـ lathyrism في إثيوبيا.
تُعدّ تربية أصناف جديدة من الجلبان متدنّية السمّية العصبية، والآمنة للاستهلاك البشري، مشروع بحوث رئيسي في إيكاردا. ويعرض الدكتور علي عبد المنعم (اليمين)، المسؤول عن هذا المشروع، مادة جلبان جديدة ذات مستوىً متدنٍّ من السمّية العصبية-استنبطها في إيكاردا-للدكتور باول هاردينغ، المستشار الرئيسي، قسم التنمية الدولية، المملكة المتحدة، الذي يقدّم الدعم المالي للمشروع.
طرز وراثية جديدة من الجلبان تتّسم بمستوىً متدنٍّ من السمّية العصبية استُنبِطت في إيكاردا. حيث تتمّ مشاركة هذه المادة مع بلدان يُستخدم فيها الجلبان للاستهلاك البشري، من أجل اختبار وتكييف أصناف جديدة مع مناطق الأصناف التقليدية ذات المستوى المرتفع من السمّية العصبية.
العاصمة واشنطن، وحلب، سورية (16 حزيران/يونيو 2000)-أعلن فريق بحوث دولية اليوم عن استنباطه سلسلةً من نباتات جديدة غير سامة، يمكن لها أن تمنع اضطرابات الشلل التي تنتاب ضحايا الجفاف الشديد. فثمة آلاف ممّن يعانون من الجفاف وموت المحاصيل في إثيوبيا والهند والباكلاتان، يواجهون الشلل الدائم من جرّاء تناولهم للجلبان المزروع-هذا النبات الذي ينطوي على مصدرٍ غذائيٍّ مهمّ، غنيّ بالبروتين، والذي يتمكّن من المحافظة على بقائه لأسابيع بل لأشهر دون الحاجة لمياه الأمطار.
ورغم أن الجلبان المزروع لايضرّ بالإنسان عند تناوله بكيماتٍ قليلة، إلا أن تناول بذوره لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر متواصلة يتسبّب في خلق اضطرابٍ عصبي، غالباً مايُفضي إلى شلل غير قابل للشفاء في عضلات الساق. ويرجّح الباحثون في المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكارداICARDAومنظمة "حصاد المستقبل"(Future harvest) التي تتّخذ من واشنطن مقراً لها، ارتفاع نسبة الإصابة بهذا المرض على مدى الأشهر العديدة القادمة، مع تفاقم سوء ظروف الجفاف في إفريقيا وآسيا. ورغم أنّ الشلل ظاهرةٌ مألوفة في المناطق الريفية المتأثّرة بفترات الجفاف الطويلة، إلا أنّه غير معروف بشكلٍ جيد في البلدان الغربية
ويقول الأستاذ الدكتور عادل البلتاجي، المدير العام لإيكاردا، والخبير المصري المتميّز في مجال الزراعة في المناطق الجافة والمعروف لدى الأوساط الدولية: "يُعدّ الجلبان المزروع أنموذجاً للنباتات المتحمّلة للجفاف."، ويضيف قائلاً: "ويعرفالفقراء حقّ المعرفة التأثيرات التي تتمخّض عن تناولهم للجلبان المزروع، إلاّ أنّهم يعيشون ضمن ظروفٍ يائسة جداّ بحيث لايملكون خياراً آخر سوى استخدامه في غذائهم. وقد أردنا أن نجعل من هذا الخيار الأخير خياراً آمنا". وُتعتبر إيكاردا مؤسسة بحوثٍ عالميةٍ رائدة، تركّز على تحسين الزراعة وعلى تعزيز بيئة الأراضي القاحلة
لقد تمكّن الباحثون العاملون في مقرّ إيكاردا الرئيسي في حلب، بسورية، من حصاد السلالات الأولى للجلبان المزروع والتي يمكن تناولها دون مخافة الإصابة بالشلل. وأظهرت الاختبارات المخبرية المكثّفة أنّ سلالات الجلبان المزروع المستنبطة في إيكاردا آمنةٌ تماماً وصالحة للاستهلاك البشري. ويؤكّد ذلك الأستاذ الدكتور البلتاجي بقوله: "لقد تذوّقتها بنفسي، وهي لذيذة الطعم حقاً."
هذا ونظراً لكونه أحد المحاصيل البقولية - وفرداً من الفصيلة التي تنتمي إليها البازلاء والفاصولياء -فإنّ زراعة الجلبان شائعة في بنغلاديش، والصين، وإثيوبيا، والهند، والنيبال، والباكستان. وشكله أشبه بالماش (اللوبياء الذهبية)، والتي هي عبارة عن بذور صغيرة خضراء اللون تُستخدم عادةً في إنتاج أشطاء الفاصولياء التي تُستعمل في المطبخ الآسيوي. ويُعرف الجلبان المزورع بعدّة أسماءٍ منها: الجُلبان، والبيقية الهندية (أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة)، وألمورتا (اسبانيا)، وخِساري أو باتورا (الهند)، والجلبان (السودان ومصر)، وغوايا (إثيوبيا)، وماتري (الباكلاتان)، وغيسيت (فرنسا)، وبيسيللو بريتوني (إيطاليا).
ويعمد المزارعون إلى زراعة الجلبان كمحصولٍ علفي لحيواناتهم لما عُرِف عنه من الشدّة في الظروف الجافة. وأصناف الجلبان لاتضرّ بالمواشي. إلا أن الزرّاع يستعملونه كذلك كوجبةٍ مكمّلة في غذاء العائلة. ويُعتبر الجلبان الغني بالبروتين وبالحمض الأميني الليسيني، غير ضارّ نسبياً بالإنسان إذا ماتمّ تناوله بكمياتٍ قليلة. بيد أنّ الظروف اليائسة، كما هو الحال في فترات الجفاف، هي التي تجعل الناس يواجهون خطر الإصابة، غير القابلة للشفاء، بالشلل الذي تتسبّب به أصناف الجلبان التقليدية .
ويُعتقد أنّ 100.000 على الأقلّ من سكان البلدان النامية يعانون من الشلل الناجم عن السمّية العصبية التي توجد في نباتات الجلبان التقليدية. ولايقتصر هذا الإضطراب على تسميةٍ واحدة، بل يُطلق عليه أسماء عديدة منها paraparesis و lathyrism و neurolathyrism، واشتُقّ الإسمان الأخيران من الإسم العلمي للجلبان والذي هو (Lathyrus sativus). وفي بعض الحالات الخاصة، يمكن أن يتسبّب تناول الجلبان في التخلّف العقلي والموت عند الأولاد الصغار. ولأسبابٍ غير مفهومة كلّياً، فإنّ حالات الإصابة بالشلل شائعة بين الذكور أكثر منها بين الإناث.
تقول باربارا روز، المديرة التنفيذية لمنظمة حصاد المستقبل: "يُظهِر البحث الجديد الأهمية الكبيرة للشراكات الزراعية الدولية بهدف إيجاد حلولٍ لمعضلات الجوع في البلدان النامية." وتضيف قائلةً:" وهو يوضّح ماذا يمكن للتعاون الدولي أن يحقّق من حيث تلبية الاحتياجات المحلية." و حصاد المستقبل هي منظمةٌ تركّز على بحوث الغذاء والبيئة لصالح فقراء العالم.
وتنبع شعبية الجلبان من قدرته على النمو في المناطق التي لايتعدّى فيها الهطل المطري 200 مـم (8 بوصات ) في العام. ويقول الدكتور جون دودز، مساعد مدير عام إيكاردا: "حتى محاصيل المناطق الجافة والتي تتميّز بتحمّل الجفاف كالعدس والشعير تحتاج إلى كمياتٍ من المياه تتراوح بين 200 و300 مـم (12- 8 بوصة) لإنتاج محصولٍ حيوي." ويُزرع الجلبان حالياً ضمن مساحةٍ تُقدّر بـ 1.5 مليون هكتار ( 3.7 مليون فدان) في العالم. وتُقدّر المساحة المزروعة به في الهند وإثيوبيا لوحدهما بـِ 500.000 هكتار
(1.25 مليون فدان).
ويقول الدكتور دودز: "إنه نبات مدهشٌ بحق. فهو يحافظ على بقائه ليس تحت ظروف الجفاف فحسب، بل يمكنه تحمّل فتراتٍ طويلة بعد تسرّب المياه. كما أنه صديقٌ للبيئة، فهو يسهم- على اعتباره من البقوليات- في إغناء التربة بالآزوت. ولكن إلى أن يتمّ إنتاج بذورٍ كافية من الهُجُن غير السامة، سيستمرّ الجلبان في التسبّب بالمُشكِلات في المناطق التي يضربها الجفاف."
ويعتقد الدكتور علي عبد المنعم، وهو الباحث لدى إيكاردا والذي استنبط الطرز الجديدة للنبات، أنّ وجود السمّية في الجلبان مرتبطٌ بشكلٍ وثيق بتحمّل المحصول للجفاف وقدرته على التحمّل بعد تسرّب المياه. فهو يقول: "كان الهدف من وراء برنامج التربية الذي نعمل عليه تخفيض نسبة السموم في النبات إلى الحدّ الذي يصبح فيه آمناً للإستهلاك البشري مع الإبقاء على خصائصه القيّمة هذه." ويضيف أنّه تمّ إنجاز ذلك من خلال تهجين نباتات الجلبان المُستقدمة من الشرق الأوسط، والتي يتّسم عددٌ كبيرٌ منها بشكلٍ طبيعي بمستوىً متدنٍّ من السمّية، مع الأصناف الإفريقية والآسيوية.
لقد وصل معدّل السمّية الموجودة في نباتات الجلبان الإفريقي والآسيوي إلى سبعة أضعاف ذلك المتواجد في الطرز الموجودة في الشرق الأوسط. ويُعتبر الاستهلاك البشري آمناً عند المستويات التي لاتتجاوز 0.2 بالمئة. في حين تحتوي الهُجُن الجديدة التي استنبطتها إيكاردا على قرابة خُمس تلك الكمية، أوفقط مايكفيها للإبقاء على قدرتها على تحمّل الجفاف وتسرّب المياه من غير أن تتهدّد صحة الإنسان.
ويقول الدكتور عبد المنعم: "تكمن الخطوة التالية في توزيع السلالات متدنّية السمّية إلى أكثر البلدان احتياجاً لها، وفي تحفيز الباحثين على انتخاب أصنافٍ متكيّفة محلياً. ولدينا الآن مجموعة واسعة ومستقرّة من المورّثات والتي يمكن لبرامج البحوث الزراعية الوطنية انتخاب نباتاتٍ منها تتناسب وظروفهم المحلية."
إن عملية توسيع المجموعة الوراثية في محصولٍ كالجلبان ليست بالأمر السهل. ويقول الدكتور دودز:"يرجع أحد أسباب معاناة السكان إلى أن التنوّع الوراثي بين أصناف الجلبان الموجودة في الطبيعة قليلٌ جداً." ويضيف: "وحتى نتمكّن من تخفيض مستويات السمّية، توجّب علينا إيجاد طريقة لتوسيع التنوّع الوراثي للمحصول."
ولتحقيق هذا الهدف، استخدم الباحثون تقنية تُعرف بالتباين الاستنساخي الشكلي لإجبار النبات على التطفير ولتسريع المورثات التي كانت ساكنة من قبل. وكان من بين هذه المورثات الساكنة الشيفرات الوراثية المسؤولة عن السمّية العصبية للنبات.
ويشير الدكتور عبد المنعم إلى أن إيكاردا أنتجت في التجارب التي أُجرِيت عام 1999 سلالاتٍ محسّنة أعطت 1.5 طن من البذور في الهكتار الواحد
(2.5 فدان)، تحت هطلٍ مطريٍّ طبيعي أقل بقليل من 200 مـم (8 بوصات). في حين أن البقوليات التقليدية التي تُزرع في جنوبي آسيا، باستعمال معدّلات أعلى بكثير من المياه، نادراً ما يتجاوز إنتاجها 1 طن للهكتار الواحد
ويضيف الأستاذ الدكتور البلتاجي قائلاً: "لانزال بعيدين عن البدء في التأكيد على مكاثرة البذور وإجراء التدريب. إلاّ أننا سنستمر في التحكّم بالبحوث بالشكل الأمثل حيث تستدعي الحاجة، ولكن من الأهمية بمكان أن تصل هذه التكنولوجيا الجديدة إلى الحقول بأسرع وقتٍ ممكن."
ولتحقيق تلك الغاية، تقوم إيكاردا حالياً بتدريب باحثين من إثيوبيا ومناطق أخرى متضرّرة لإجراء انتخابات متكيّفة محلياً وللبدء في برامج إنتاج البذور. كما يتمّ اتّخاذ خطواتٍ لإخطار صانعي السياسة في الدولة بهذه المشكلة. وتؤكّد الأمم المتحدة وجهاتٌ رسمية أخرى أنً زهاء 8 ملايين إنسان في شرقي إفريقيا، لاسيّما في إثيوبيا، يواجهون حالياً ظروف جفافٍ شديد. كما يتهدّد الخطر ذاته حالياً مامجمله 10 ملايين إنسان في الهند وقرابة 4 ملايين في الباكلاتان.
هذا وكان قسم التنمية الدولية التابع للمملكة المتحدة (DFID) هو المموِّل للبحوث التي تُجريها إيكاردا حول الجلبان ، كما قُدّمت المنح من الجهات المانحة للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية .(CGIAR) وتُعتبرCGIAR إتحاداً للوكالات الدولية المانحة التي تدعم البحوث بشكلٍ مشترك بغية زيادة الإنتاجية الزراعية، وحماية البيئة، وتخفيف وطأة الفقر في البلدان النامية.
من جرّاء تناولهم الغذاء الوحيد الذي تبقّى لديهم
الباحثون يستنبطون نباتات غير سامة من الجلبان المزروع؛
ويُتوقّع للأصناف الجديدة
أن تخفّف من المعاناة من الشلل المرتبط بالجفاف
قد يسقط بعض من هؤلاء المزارعين والأطفال ضحية الـ lathyrism (وهو شلل يصيب عضلات الساق)، عندما لايوجد لديهم شيء ليقتاتوا عليه إلا الجلبان (الحقل في الصورة الخلفية)، لأنّ الجفاف في البلد قد دمّر المحاصيل الغذائية الأخرى.
ضحية من ضحايا الـ lathyrism في إثيوبيا.
تُعدّ تربية أصناف جديدة من الجلبان متدنّية السمّية العصبية، والآمنة للاستهلاك البشري، مشروع بحوث رئيسي في إيكاردا. ويعرض الدكتور علي عبد المنعم (اليمين)، المسؤول عن هذا المشروع، مادة جلبان جديدة ذات مستوىً متدنٍّ من السمّية العصبية-استنبطها في إيكاردا-للدكتور باول هاردينغ، المستشار الرئيسي، قسم التنمية الدولية، المملكة المتحدة، الذي يقدّم الدعم المالي للمشروع.
طرز وراثية جديدة من الجلبان تتّسم بمستوىً متدنٍّ من السمّية العصبية استُنبِطت في إيكاردا. حيث تتمّ مشاركة هذه المادة مع بلدان يُستخدم فيها الجلبان للاستهلاك البشري، من أجل اختبار وتكييف أصناف جديدة مع مناطق الأصناف التقليدية ذات المستوى المرتفع من السمّية العصبية.
العاصمة واشنطن، وحلب، سورية (16 حزيران/يونيو 2000)-أعلن فريق بحوث دولية اليوم عن استنباطه سلسلةً من نباتات جديدة غير سامة، يمكن لها أن تمنع اضطرابات الشلل التي تنتاب ضحايا الجفاف الشديد. فثمة آلاف ممّن يعانون من الجفاف وموت المحاصيل في إثيوبيا والهند والباكلاتان، يواجهون الشلل الدائم من جرّاء تناولهم للجلبان المزروع-هذا النبات الذي ينطوي على مصدرٍ غذائيٍّ مهمّ، غنيّ بالبروتين، والذي يتمكّن من المحافظة على بقائه لأسابيع بل لأشهر دون الحاجة لمياه الأمطار.
ورغم أن الجلبان المزروع لايضرّ بالإنسان عند تناوله بكيماتٍ قليلة، إلا أن تناول بذوره لفترة تزيد عن ثلاثة أشهر متواصلة يتسبّب في خلق اضطرابٍ عصبي، غالباً مايُفضي إلى شلل غير قابل للشفاء في عضلات الساق. ويرجّح الباحثون في المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكارداICARDAومنظمة "حصاد المستقبل"(Future harvest) التي تتّخذ من واشنطن مقراً لها، ارتفاع نسبة الإصابة بهذا المرض على مدى الأشهر العديدة القادمة، مع تفاقم سوء ظروف الجفاف في إفريقيا وآسيا. ورغم أنّ الشلل ظاهرةٌ مألوفة في المناطق الريفية المتأثّرة بفترات الجفاف الطويلة، إلا أنّه غير معروف بشكلٍ جيد في البلدان الغربية
ويقول الأستاذ الدكتور عادل البلتاجي، المدير العام لإيكاردا، والخبير المصري المتميّز في مجال الزراعة في المناطق الجافة والمعروف لدى الأوساط الدولية: "يُعدّ الجلبان المزروع أنموذجاً للنباتات المتحمّلة للجفاف."، ويضيف قائلاً: "ويعرفالفقراء حقّ المعرفة التأثيرات التي تتمخّض عن تناولهم للجلبان المزروع، إلاّ أنّهم يعيشون ضمن ظروفٍ يائسة جداّ بحيث لايملكون خياراً آخر سوى استخدامه في غذائهم. وقد أردنا أن نجعل من هذا الخيار الأخير خياراً آمنا". وُتعتبر إيكاردا مؤسسة بحوثٍ عالميةٍ رائدة، تركّز على تحسين الزراعة وعلى تعزيز بيئة الأراضي القاحلة
لقد تمكّن الباحثون العاملون في مقرّ إيكاردا الرئيسي في حلب، بسورية، من حصاد السلالات الأولى للجلبان المزروع والتي يمكن تناولها دون مخافة الإصابة بالشلل. وأظهرت الاختبارات المخبرية المكثّفة أنّ سلالات الجلبان المزروع المستنبطة في إيكاردا آمنةٌ تماماً وصالحة للاستهلاك البشري. ويؤكّد ذلك الأستاذ الدكتور البلتاجي بقوله: "لقد تذوّقتها بنفسي، وهي لذيذة الطعم حقاً."
هذا ونظراً لكونه أحد المحاصيل البقولية - وفرداً من الفصيلة التي تنتمي إليها البازلاء والفاصولياء -فإنّ زراعة الجلبان شائعة في بنغلاديش، والصين، وإثيوبيا، والهند، والنيبال، والباكستان. وشكله أشبه بالماش (اللوبياء الذهبية)، والتي هي عبارة عن بذور صغيرة خضراء اللون تُستخدم عادةً في إنتاج أشطاء الفاصولياء التي تُستعمل في المطبخ الآسيوي. ويُعرف الجلبان المزورع بعدّة أسماءٍ منها: الجُلبان، والبيقية الهندية (أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة)، وألمورتا (اسبانيا)، وخِساري أو باتورا (الهند)، والجلبان (السودان ومصر)، وغوايا (إثيوبيا)، وماتري (الباكلاتان)، وغيسيت (فرنسا)، وبيسيللو بريتوني (إيطاليا).
ويعمد المزارعون إلى زراعة الجلبان كمحصولٍ علفي لحيواناتهم لما عُرِف عنه من الشدّة في الظروف الجافة. وأصناف الجلبان لاتضرّ بالمواشي. إلا أن الزرّاع يستعملونه كذلك كوجبةٍ مكمّلة في غذاء العائلة. ويُعتبر الجلبان الغني بالبروتين وبالحمض الأميني الليسيني، غير ضارّ نسبياً بالإنسان إذا ماتمّ تناوله بكمياتٍ قليلة. بيد أنّ الظروف اليائسة، كما هو الحال في فترات الجفاف، هي التي تجعل الناس يواجهون خطر الإصابة، غير القابلة للشفاء، بالشلل الذي تتسبّب به أصناف الجلبان التقليدية .
ويُعتقد أنّ 100.000 على الأقلّ من سكان البلدان النامية يعانون من الشلل الناجم عن السمّية العصبية التي توجد في نباتات الجلبان التقليدية. ولايقتصر هذا الإضطراب على تسميةٍ واحدة، بل يُطلق عليه أسماء عديدة منها paraparesis و lathyrism و neurolathyrism، واشتُقّ الإسمان الأخيران من الإسم العلمي للجلبان والذي هو (Lathyrus sativus). وفي بعض الحالات الخاصة، يمكن أن يتسبّب تناول الجلبان في التخلّف العقلي والموت عند الأولاد الصغار. ولأسبابٍ غير مفهومة كلّياً، فإنّ حالات الإصابة بالشلل شائعة بين الذكور أكثر منها بين الإناث.
تقول باربارا روز، المديرة التنفيذية لمنظمة حصاد المستقبل: "يُظهِر البحث الجديد الأهمية الكبيرة للشراكات الزراعية الدولية بهدف إيجاد حلولٍ لمعضلات الجوع في البلدان النامية." وتضيف قائلةً:" وهو يوضّح ماذا يمكن للتعاون الدولي أن يحقّق من حيث تلبية الاحتياجات المحلية." و حصاد المستقبل هي منظمةٌ تركّز على بحوث الغذاء والبيئة لصالح فقراء العالم.
وتنبع شعبية الجلبان من قدرته على النمو في المناطق التي لايتعدّى فيها الهطل المطري 200 مـم (8 بوصات ) في العام. ويقول الدكتور جون دودز، مساعد مدير عام إيكاردا: "حتى محاصيل المناطق الجافة والتي تتميّز بتحمّل الجفاف كالعدس والشعير تحتاج إلى كمياتٍ من المياه تتراوح بين 200 و300 مـم (12- 8 بوصة) لإنتاج محصولٍ حيوي." ويُزرع الجلبان حالياً ضمن مساحةٍ تُقدّر بـ 1.5 مليون هكتار ( 3.7 مليون فدان) في العالم. وتُقدّر المساحة المزروعة به في الهند وإثيوبيا لوحدهما بـِ 500.000 هكتار
(1.25 مليون فدان).
ويقول الدكتور دودز: "إنه نبات مدهشٌ بحق. فهو يحافظ على بقائه ليس تحت ظروف الجفاف فحسب، بل يمكنه تحمّل فتراتٍ طويلة بعد تسرّب المياه. كما أنه صديقٌ للبيئة، فهو يسهم- على اعتباره من البقوليات- في إغناء التربة بالآزوت. ولكن إلى أن يتمّ إنتاج بذورٍ كافية من الهُجُن غير السامة، سيستمرّ الجلبان في التسبّب بالمُشكِلات في المناطق التي يضربها الجفاف."
ويعتقد الدكتور علي عبد المنعم، وهو الباحث لدى إيكاردا والذي استنبط الطرز الجديدة للنبات، أنّ وجود السمّية في الجلبان مرتبطٌ بشكلٍ وثيق بتحمّل المحصول للجفاف وقدرته على التحمّل بعد تسرّب المياه. فهو يقول: "كان الهدف من وراء برنامج التربية الذي نعمل عليه تخفيض نسبة السموم في النبات إلى الحدّ الذي يصبح فيه آمناً للإستهلاك البشري مع الإبقاء على خصائصه القيّمة هذه." ويضيف أنّه تمّ إنجاز ذلك من خلال تهجين نباتات الجلبان المُستقدمة من الشرق الأوسط، والتي يتّسم عددٌ كبيرٌ منها بشكلٍ طبيعي بمستوىً متدنٍّ من السمّية، مع الأصناف الإفريقية والآسيوية.
لقد وصل معدّل السمّية الموجودة في نباتات الجلبان الإفريقي والآسيوي إلى سبعة أضعاف ذلك المتواجد في الطرز الموجودة في الشرق الأوسط. ويُعتبر الاستهلاك البشري آمناً عند المستويات التي لاتتجاوز 0.2 بالمئة. في حين تحتوي الهُجُن الجديدة التي استنبطتها إيكاردا على قرابة خُمس تلك الكمية، أوفقط مايكفيها للإبقاء على قدرتها على تحمّل الجفاف وتسرّب المياه من غير أن تتهدّد صحة الإنسان.
ويقول الدكتور عبد المنعم: "تكمن الخطوة التالية في توزيع السلالات متدنّية السمّية إلى أكثر البلدان احتياجاً لها، وفي تحفيز الباحثين على انتخاب أصنافٍ متكيّفة محلياً. ولدينا الآن مجموعة واسعة ومستقرّة من المورّثات والتي يمكن لبرامج البحوث الزراعية الوطنية انتخاب نباتاتٍ منها تتناسب وظروفهم المحلية."
إن عملية توسيع المجموعة الوراثية في محصولٍ كالجلبان ليست بالأمر السهل. ويقول الدكتور دودز:"يرجع أحد أسباب معاناة السكان إلى أن التنوّع الوراثي بين أصناف الجلبان الموجودة في الطبيعة قليلٌ جداً." ويضيف: "وحتى نتمكّن من تخفيض مستويات السمّية، توجّب علينا إيجاد طريقة لتوسيع التنوّع الوراثي للمحصول."
ولتحقيق هذا الهدف، استخدم الباحثون تقنية تُعرف بالتباين الاستنساخي الشكلي لإجبار النبات على التطفير ولتسريع المورثات التي كانت ساكنة من قبل. وكان من بين هذه المورثات الساكنة الشيفرات الوراثية المسؤولة عن السمّية العصبية للنبات.
ويشير الدكتور عبد المنعم إلى أن إيكاردا أنتجت في التجارب التي أُجرِيت عام 1999 سلالاتٍ محسّنة أعطت 1.5 طن من البذور في الهكتار الواحد
(2.5 فدان)، تحت هطلٍ مطريٍّ طبيعي أقل بقليل من 200 مـم (8 بوصات). في حين أن البقوليات التقليدية التي تُزرع في جنوبي آسيا، باستعمال معدّلات أعلى بكثير من المياه، نادراً ما يتجاوز إنتاجها 1 طن للهكتار الواحد
ويضيف الأستاذ الدكتور البلتاجي قائلاً: "لانزال بعيدين عن البدء في التأكيد على مكاثرة البذور وإجراء التدريب. إلاّ أننا سنستمر في التحكّم بالبحوث بالشكل الأمثل حيث تستدعي الحاجة، ولكن من الأهمية بمكان أن تصل هذه التكنولوجيا الجديدة إلى الحقول بأسرع وقتٍ ممكن."
ولتحقيق تلك الغاية، تقوم إيكاردا حالياً بتدريب باحثين من إثيوبيا ومناطق أخرى متضرّرة لإجراء انتخابات متكيّفة محلياً وللبدء في برامج إنتاج البذور. كما يتمّ اتّخاذ خطواتٍ لإخطار صانعي السياسة في الدولة بهذه المشكلة. وتؤكّد الأمم المتحدة وجهاتٌ رسمية أخرى أنً زهاء 8 ملايين إنسان في شرقي إفريقيا، لاسيّما في إثيوبيا، يواجهون حالياً ظروف جفافٍ شديد. كما يتهدّد الخطر ذاته حالياً مامجمله 10 ملايين إنسان في الهند وقرابة 4 ملايين في الباكلاتان.
هذا وكان قسم التنمية الدولية التابع للمملكة المتحدة (DFID) هو المموِّل للبحوث التي تُجريها إيكاردا حول الجلبان ، كما قُدّمت المنح من الجهات المانحة للمجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية .(CGIAR) وتُعتبرCGIAR إتحاداً للوكالات الدولية المانحة التي تدعم البحوث بشكلٍ مشترك بغية زيادة الإنتاجية الزراعية، وحماية البيئة، وتخفيف وطأة الفقر في البلدان النامية.