العادات:
العادات: جمعٌ لكلمة عادة، وهي من الفعل تعوّد يتعوّد تعويداً، ومعنى هذه الكلمة ومفهومها الدارج هو تلك الأشياء التي درج الناس على عملها أو القيام بها أو الاتصاف بها، وتكرَّرَ عملها حتى أصبحت شيئاً مألوفاً ومأنوساً، وهي نمطٌ من السلوك أو التصرُّف يُعتادُ حتى يُفعل تكراراً، ولا يجد المرء غرابة في هذه الأشياء لرؤيته لها مرات متعددة في مجتمعه وفي البيئة التي يعيش فيها.
والعادة اصطلاحاً هي: ما يعتاده الإنسان أي يعود إليه مراراً متكررة. نقول عاد الشيءُ فلاناً، أي أصابه مرة بعد أخرى، يقال: عاده الشوقُ أو الحنين أي رجع إليه مرة بعد مرة. ونقول: عَوَّدهُ على.. أي جعله يعتاد هذا الشيء حتى يصير عادة له. وسمعتُ شيخاً يذكر مرضاً يعتاده كلّ عام ويقول:" كل معيود مبارك ". وهناك مثل شعبي يقول:" بن آدم عَوَّاد على أثره ".
وفي لسان العرب في مادة:ع و د: أنشد ابن الأعرابي
لم تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِنْدي، والفَتى آلِفٌ لِما يَسْتَعِيدُ
وقال:
تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخْلاقِ، إِني رأَيتُ المَرْءَ يَأْلَفُ ما اسْتَعادا
والعيد: هو تلك المناسبة التي يتكرر مجيئها كلّ عام في وقتها المحدّد، والعِيدِيّة: هي تلك الهدية النقدية التي يعطيها الرجل لبناته وأخواته ومن له صلة رحم بهن في الأعياد وغالباً ما يكون ذلك في عيد الأضحى المبارك.
وحتى كلمة عيادة تعني المكان الذي يرتاده الناس من وقت لآخر من أجل المعالجة والاستشفاء.
فالعادة إذن هي ما تكرر فعله حتى أصبح ديدناً، وألفته الأبصار لكثرة مشاهدته في حياة الناس اليومية.
والعرب يكرهون إنشاء العادات الجديدة خشية على عاداتهم المتوارثة، وخوفاً أن يكون في هذه العادات الجديدة ما يُفقد مجتمعهم بعض المواصفات الكريمة التي يفضلون بقاءها حية فيه، ويقولون في ذلك:" ابْطِلْ عَادة ولا تُنْشِيء عَادة "، والمعنى مفهوم من ذلك.
وقد شهدتُ بطلان عادة كانت متبعة في مجتمعنا وهي عمل القِرَى في المآتم، حيث كان أهل المتوفّى يقومون بذبح الذبائح واستقبال المعزِّين وكأنهم في عرس، وقد بطلت هذه العادة في أواخر الستينيات أو تحديداً في عام 1968، وكان بطلانها من الأمور الايجابية التي اتخذها مجتمعنا في ذلك الوقت.
ويرى الناس أن بعض الأشخاص ممن عرف عنهم تصرفات سيئة يصعب عليهم ترك هذه الصفات والعدول عنها لتأصلها فيهم، ويقولون: " اللي فيه عادة ما بيخلّيها ".
وقد تموت بعض العادات وتمحى من الوجود بسبب غيابها عن الأعين والأبصار كعادة لبس الطربوش مثلاً التي كانت سائدة في العهد التركي. وقد تظهر عادات جديدة تفرض نفسها على المجتمع كعادة لبس المرأة للجلباب الفضفاض التي أصبحت مألوفة في مجتمعنا، وكادت تقضي على الثوب الأسود التقليدي المطرّز بأنواعه المختلفة، وكذلك لبس الرجال للسراويل الإفرنجية المزمَّكة التي قضت أو كادت على لباس الرجل التقليدي المعروف والذي يُسمى في مجتمعنا " الكِبْر"، ويسمى عند أهل القرى "القُمْبَاز".
وقد يطول البحث لو أردنا الإسهاب حول كلمة العادة والعادات، ولكننا نكتفي بذكر بعض العادات السائدة في مجتمعنا للدلالة فقط، ومن هذه العادات: عادة استقبال الضيوف وتقديم القِرَى لهم، وزيارة المرضى ودعوتهم لتقديم الواجب والاحترام لهم والمتمثلة بعمل القِرَى أو " القَرْوَة " كما تسمى في مجتمعنا، وكذلك الحال بالنسبة للمعتمرين والحجاج لدى عودتهم، وقد أجمع المعتمرون والحجّاج على عدم الذهاب مع أي شخص فأصبح الناس يأتونهم للتهنئة بالعودة وأداء المناسك ليس أكثر.
ومن العادات أيضاً تقديم القهوة من اليمين، وهزّ الفنجان وتحريكه دلالة على الاكتفاء، ومن الأمثال الدالة على ذلك قولهم: " مدّ القهوة عَ اليمين لو كان أبو زيد عَ الشمال "، وحول تحريك الفنجان وهزِّهِ روى لي أحد القرويين بأنه زار رجلاً في البادية فصبَّ له القهوة، وأعاد الرجل الفنجان ولكن الرجل صبَّ له مرة أخرى وتكرر ذلك حتى قال القرويّ:" يا عَمِّي بَس "، فأخبره البدويّ عن عادة هزّ الفنجان.
ومن العادات الشائعة أيضاً عادة " القَوَد "، وهو النقوط الذي يُقدَّم في الأعراس لوالد العريس أو للعريس نفسه، وهو عبارة عن خروف سمين أو مقدار ثمنه نقداً، ويُسجّل صاحب العرس أسماء الذين يقدمون له هذا النقوط والمبلغ الذي قدموه له ليعيده لهم عندما تكون عندهم مناسبة مماثلة لأن ذلك يعتبر دين عليه، ويقولون:" أكل الرجال عند الرجال قُرْضة وعند الأنذال حَسَنة".
وقد سادت في مجتمعنا في السنوات القليلة الماضية موجة من التذمر لضخامة مبلغ النقوط أو القَوَد وكثرة الأعراس في الموسم الواحد، ونادى المصلحون من المشايخ وأئمة المساجد والوجهاء بتقليل المبلغ حتى يتمكن الناس من إبقاء المجاملة بينهم دون الإثقال عليهم وتحميلهم ما لا يستطيعون حمله.
وهناك عادات مختلفة كعادات الزواج من بَدَل وغيره، وعادات القضاء العشائري بفروعه وتشعباته المختلفة، وكذلك عادات اللباس والمظهر وعادات الطبخ والطعام، والغناء التقليدي والتي سنتطرق لها بشيء من التفصيل في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.
وهناك أشياء نتعود عليها من خلال رؤيتنا المتكررة لها؛ كرؤيتنا للأم في ثوبها التقليدي، أو للأب بعباءته السوداء التي يضعها على كتفه وكأنها رمز للوجاهة والرجولة، أو بمنديله وعقاله المائل، أو بشبريته الفضية المزخرفة التي يضعها في حزامه.
وهناك أشياء نتعود عليها من خلال سماعنا المتكرر لها؛ كصوت الجرن أو المهباش وهو يدق القهوة بصوته العذب الرتيب، أو صوت الشبابة يسكب فيها الراعي أحلى ألحانه، وينتقل بين لحن ولحن وكأنه في روضة غنّاء من الألحان والأنغام. وكذلك صوت البدَّاعين في الأعراس والمناسبات السعيدة، وصوت الربابة الشجي الذي تغلب عليه مسحة من الحزن وكأنها تعبر عن أحاسيس أهل البادية وخلجات نفوسهم بين رمال الصحراء وكثبانها.
وكذلك تعودت أسماعنا على ثغاء المواشي ورغاء الإبل وصهيل الخيل، ونباح الكلاب وهريرها.
وهناك أشياء نتعود عليها من خلال شَمِّنا المتكرر لها؛ كرائحة القهوة عند تحميسها أو (تحميصها)، ورائحة اللبن من حليب ورائب ولبنٍ مخضوض، ورائحة الشواء واللحم الضأني المطبوخ وغير ذلك كثير.
وهناك بعض الكلمات التي لها علاقة بالعادة والعادات ومنها الطَّبْع، والكار، فنجد في الأمثال الفصيحة:" الطبع غلب التطبُّع "، وفي الأمثال الشعبية:" طَبْع اللبن ما بيغيّره إلا طبع الكَفَن ". و" أُحكم بطبعك وطبع الناس لا "، أما الكار وهو من تكرار الفعل، فالمثل يقول " اللي فيه كار ما بيخَلِّيه " وهو مواز للمثل:" اللي فيه عادة ما بيخَلِّيها ".
وقد لُقِّب أحد الشعراء بـ" عائد الكلب " لبيت شعر يقول فيه:
مَا لِي مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي عَائِدٌ مِنْكُمْ، وَيَمْرَضُ كَلْبُكُمْ فَأَعُودُ
العادات: جمعٌ لكلمة عادة، وهي من الفعل تعوّد يتعوّد تعويداً، ومعنى هذه الكلمة ومفهومها الدارج هو تلك الأشياء التي درج الناس على عملها أو القيام بها أو الاتصاف بها، وتكرَّرَ عملها حتى أصبحت شيئاً مألوفاً ومأنوساً، وهي نمطٌ من السلوك أو التصرُّف يُعتادُ حتى يُفعل تكراراً، ولا يجد المرء غرابة في هذه الأشياء لرؤيته لها مرات متعددة في مجتمعه وفي البيئة التي يعيش فيها.
والعادة اصطلاحاً هي: ما يعتاده الإنسان أي يعود إليه مراراً متكررة. نقول عاد الشيءُ فلاناً، أي أصابه مرة بعد أخرى، يقال: عاده الشوقُ أو الحنين أي رجع إليه مرة بعد مرة. ونقول: عَوَّدهُ على.. أي جعله يعتاد هذا الشيء حتى يصير عادة له. وسمعتُ شيخاً يذكر مرضاً يعتاده كلّ عام ويقول:" كل معيود مبارك ". وهناك مثل شعبي يقول:" بن آدم عَوَّاد على أثره ".
وفي لسان العرب في مادة:ع و د: أنشد ابن الأعرابي
لم تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِنْدي، والفَتى آلِفٌ لِما يَسْتَعِيدُ
وقال:
تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخْلاقِ، إِني رأَيتُ المَرْءَ يَأْلَفُ ما اسْتَعادا
والعيد: هو تلك المناسبة التي يتكرر مجيئها كلّ عام في وقتها المحدّد، والعِيدِيّة: هي تلك الهدية النقدية التي يعطيها الرجل لبناته وأخواته ومن له صلة رحم بهن في الأعياد وغالباً ما يكون ذلك في عيد الأضحى المبارك.
وحتى كلمة عيادة تعني المكان الذي يرتاده الناس من وقت لآخر من أجل المعالجة والاستشفاء.
فالعادة إذن هي ما تكرر فعله حتى أصبح ديدناً، وألفته الأبصار لكثرة مشاهدته في حياة الناس اليومية.
والعرب يكرهون إنشاء العادات الجديدة خشية على عاداتهم المتوارثة، وخوفاً أن يكون في هذه العادات الجديدة ما يُفقد مجتمعهم بعض المواصفات الكريمة التي يفضلون بقاءها حية فيه، ويقولون في ذلك:" ابْطِلْ عَادة ولا تُنْشِيء عَادة "، والمعنى مفهوم من ذلك.
وقد شهدتُ بطلان عادة كانت متبعة في مجتمعنا وهي عمل القِرَى في المآتم، حيث كان أهل المتوفّى يقومون بذبح الذبائح واستقبال المعزِّين وكأنهم في عرس، وقد بطلت هذه العادة في أواخر الستينيات أو تحديداً في عام 1968، وكان بطلانها من الأمور الايجابية التي اتخذها مجتمعنا في ذلك الوقت.
ويرى الناس أن بعض الأشخاص ممن عرف عنهم تصرفات سيئة يصعب عليهم ترك هذه الصفات والعدول عنها لتأصلها فيهم، ويقولون: " اللي فيه عادة ما بيخلّيها ".
وقد تموت بعض العادات وتمحى من الوجود بسبب غيابها عن الأعين والأبصار كعادة لبس الطربوش مثلاً التي كانت سائدة في العهد التركي. وقد تظهر عادات جديدة تفرض نفسها على المجتمع كعادة لبس المرأة للجلباب الفضفاض التي أصبحت مألوفة في مجتمعنا، وكادت تقضي على الثوب الأسود التقليدي المطرّز بأنواعه المختلفة، وكذلك لبس الرجال للسراويل الإفرنجية المزمَّكة التي قضت أو كادت على لباس الرجل التقليدي المعروف والذي يُسمى في مجتمعنا " الكِبْر"، ويسمى عند أهل القرى "القُمْبَاز".
وقد يطول البحث لو أردنا الإسهاب حول كلمة العادة والعادات، ولكننا نكتفي بذكر بعض العادات السائدة في مجتمعنا للدلالة فقط، ومن هذه العادات: عادة استقبال الضيوف وتقديم القِرَى لهم، وزيارة المرضى ودعوتهم لتقديم الواجب والاحترام لهم والمتمثلة بعمل القِرَى أو " القَرْوَة " كما تسمى في مجتمعنا، وكذلك الحال بالنسبة للمعتمرين والحجاج لدى عودتهم، وقد أجمع المعتمرون والحجّاج على عدم الذهاب مع أي شخص فأصبح الناس يأتونهم للتهنئة بالعودة وأداء المناسك ليس أكثر.
ومن العادات أيضاً تقديم القهوة من اليمين، وهزّ الفنجان وتحريكه دلالة على الاكتفاء، ومن الأمثال الدالة على ذلك قولهم: " مدّ القهوة عَ اليمين لو كان أبو زيد عَ الشمال "، وحول تحريك الفنجان وهزِّهِ روى لي أحد القرويين بأنه زار رجلاً في البادية فصبَّ له القهوة، وأعاد الرجل الفنجان ولكن الرجل صبَّ له مرة أخرى وتكرر ذلك حتى قال القرويّ:" يا عَمِّي بَس "، فأخبره البدويّ عن عادة هزّ الفنجان.
ومن العادات الشائعة أيضاً عادة " القَوَد "، وهو النقوط الذي يُقدَّم في الأعراس لوالد العريس أو للعريس نفسه، وهو عبارة عن خروف سمين أو مقدار ثمنه نقداً، ويُسجّل صاحب العرس أسماء الذين يقدمون له هذا النقوط والمبلغ الذي قدموه له ليعيده لهم عندما تكون عندهم مناسبة مماثلة لأن ذلك يعتبر دين عليه، ويقولون:" أكل الرجال عند الرجال قُرْضة وعند الأنذال حَسَنة".
وقد سادت في مجتمعنا في السنوات القليلة الماضية موجة من التذمر لضخامة مبلغ النقوط أو القَوَد وكثرة الأعراس في الموسم الواحد، ونادى المصلحون من المشايخ وأئمة المساجد والوجهاء بتقليل المبلغ حتى يتمكن الناس من إبقاء المجاملة بينهم دون الإثقال عليهم وتحميلهم ما لا يستطيعون حمله.
وهناك عادات مختلفة كعادات الزواج من بَدَل وغيره، وعادات القضاء العشائري بفروعه وتشعباته المختلفة، وكذلك عادات اللباس والمظهر وعادات الطبخ والطعام، والغناء التقليدي والتي سنتطرق لها بشيء من التفصيل في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.
وهناك أشياء نتعود عليها من خلال رؤيتنا المتكررة لها؛ كرؤيتنا للأم في ثوبها التقليدي، أو للأب بعباءته السوداء التي يضعها على كتفه وكأنها رمز للوجاهة والرجولة، أو بمنديله وعقاله المائل، أو بشبريته الفضية المزخرفة التي يضعها في حزامه.
وهناك أشياء نتعود عليها من خلال سماعنا المتكرر لها؛ كصوت الجرن أو المهباش وهو يدق القهوة بصوته العذب الرتيب، أو صوت الشبابة يسكب فيها الراعي أحلى ألحانه، وينتقل بين لحن ولحن وكأنه في روضة غنّاء من الألحان والأنغام. وكذلك صوت البدَّاعين في الأعراس والمناسبات السعيدة، وصوت الربابة الشجي الذي تغلب عليه مسحة من الحزن وكأنها تعبر عن أحاسيس أهل البادية وخلجات نفوسهم بين رمال الصحراء وكثبانها.
وكذلك تعودت أسماعنا على ثغاء المواشي ورغاء الإبل وصهيل الخيل، ونباح الكلاب وهريرها.
وهناك أشياء نتعود عليها من خلال شَمِّنا المتكرر لها؛ كرائحة القهوة عند تحميسها أو (تحميصها)، ورائحة اللبن من حليب ورائب ولبنٍ مخضوض، ورائحة الشواء واللحم الضأني المطبوخ وغير ذلك كثير.
وهناك بعض الكلمات التي لها علاقة بالعادة والعادات ومنها الطَّبْع، والكار، فنجد في الأمثال الفصيحة:" الطبع غلب التطبُّع "، وفي الأمثال الشعبية:" طَبْع اللبن ما بيغيّره إلا طبع الكَفَن ". و" أُحكم بطبعك وطبع الناس لا "، أما الكار وهو من تكرار الفعل، فالمثل يقول " اللي فيه كار ما بيخَلِّيه " وهو مواز للمثل:" اللي فيه عادة ما بيخَلِّيها ".
وقد لُقِّب أحد الشعراء بـ" عائد الكلب " لبيت شعر يقول فيه:
مَا لِي مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي عَائِدٌ مِنْكُمْ، وَيَمْرَضُ كَلْبُكُمْ فَأَعُودُ