المقدمة:
تعتبر السنة المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، من أجل ذلك اهتمَّ الصحابة بنقل السنة النبوية، واهتمت الأمة بعدهم بذلك النقل حتى أنشأوا علوما خاصة بها تمحورت حول الحديث النبوي وتوثيقه كعلم مصطلح الحديث، وعلم الجرح والتعديل وعلم الرجال..
تدوين السنة في القرن الثالث الهجري
يعتبر القرن الثالث عصر السنة الذهبي الذي ونت فيه السنة وعلومها تدويناً كاملاً، ففيه دونت الكتب الستة التي اعتمدتها الأمة فيما بعد، وفيه ظهر أئمة الحديث وجهابذته، وفيه نشطت رحلة العلماء في طلب الحديث، ولذلك جعل كثير من أهل العلم هذا القرن الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من نقاد الحديث.
وقد تميز التدوين في هذا القرن بما يلي
*- تجريد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمييزها عن غيرها بعد أن كانت قد دونت في القرن الثاني ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
*-الاعتناء ببيان درجة الحديث من حيث الصحة والضعف.
*- تنوع المصنفات في تدوين السنة، فبدأ علماء هذا العصر ينهجون في مصنفاتهم مناهج جديدة وطرقا مختلفة. ومن أشهر طرق التصنيف في هذا العصر تصنيف المسانيد .
وفي هذا العصر أيضا أصبح لكل نوع من أنواع الحديث علماً خاصاً، مثل علم الحديث الصحيح، وعلم المرسل، وعلم الأسماء والكنى وهكذا. وأفرد العلماء كل نوع منها بتأليف خاص.
يتبع
السنة من القرن الرابع إلى أوائل القرن السابع
شهد هذا الدور حركة نشطة في سبيل ترتيب الحديث وتهذيب مصنفاته وتنقيحها حتى عد هذا الدور دور المصنفات الجامعة وظهور فن علوم الحديث مدوناً، فبرزت مصنفات على غرار مصنفات القرون السابقة. فمنهم من صنف في الصحيح (كصحيح ابن خزيمةـ وصحيح ابن حبان)، ومنهم من جمع السنن، ومنهم من اهتم بالمسانيد. كما ظهرت مصنفات من نوع آخر بعضها اهتم بجمع الحديث وترتبه أو شرحه، وبعضها تخصص في علوم الحديث كعلم الرجال وعلم مصطلح الحديث. ونهج علماء هذا القرن مناهج مختلفة في التصنيف فتنوعت مؤلفاتهم..
السنة النبوية من القرن السابع إلى القرن العاشر
بلغ التصنيف في هذا الدور كماله التام، فوضعت مؤلفات استوفت أنواع هذا علم الحديث، وجمعت إلى ذلك تهذيب العبارات وتحرير المسائل بدقة. وقد برز في هذا الطور علماء كبار أحاطوا بالحديث حفظاً، واضطلعوا من فنونه وأحوال أسانيده ومتونه دراية وعلما..
ومن أبرز علماء هذا الفن في هذا الطور الإمام المحدث أبو عمرو عثمان بن الصلاح (تـ643هـ)، في كتابه المشهور "علوم الحديث"، فقد جمع فيه ما تفرق في الكتب السابقة، واستوفى أنواع علوم الحديث..
السنة النبوية بعد القرن العاشر إلى عصرنا الحالي
اتسم هذا الدور على العموم بسمة الركود والجمود، حيث توقفت الحركة الاجتهادية في هذا الفن كما توقفت الحركة الإنتاجية. وفي مقابل ذلك كثرت المختصرات في علوم الحديث شعراً ونثراً. وانصبت مجهودات الكتاب بإعادة اجترار عبارات السابقين. ومن المؤلفات البارزة في هذا لبدور: "المنظومة البيقونية" لعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي (تـ 1080هـ)، و"توضيح الأفكار" لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (تـ 1182هـ)..
يكاد يجمع علماء هذا الشأن على أن كتب السنة بأشكالها المتنوعة ومناهجها المختلفة دونت جميعها في القرون الخمسة الأولى. وبانتهاء القرن الخامس انتهى عصر الرواية وجُمِعَتِ الأحاديث في كتب أئمة الحديث.. وقد ظهر في كل قرن من قام بخدمة السنة وعلومها، اقتصر عمل هؤلاء على خدمة هذا التراث وترتيبه وتهذيبه، فميزوا الصحيح من السنة من سقيمها، وقاموا بشرح غريبها واستنباط فقهها. كما أفردوا مدونات اهتمت بدراسة الرجال جرحا وتعديلا. وهذه المجهودات جميعها أثمرت في النهاية تصورا كاملا لما اصطلحوا عليه بعلم "مصطلح الحديث
مصادر السيرة النبوية
اهتم المسلمون اهتماما كبيرا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسننه، ومختلف مراحل حياته ومناقبه ومغازيه. وكانت مختلف هذه الأحاديث محفوظة في الصدور ابتداء وتروى شفاهيا من لدن الصحابة والتابعين قبل أن تدون في مدونات خاصة في آخر القرن الأول الهجري، ومن ذلك ما يتعلق بسيرة النبي ومغازيه.
ومن أهم مصادر السيرة النبوية:
القرآن الكريم: يحتل القرآن الكريم مقدمة مصادر السيرة، حيث يتضمن الكثير من التفاصيل عن حياة النبي عليه السلام حول مختلف مراحل حياته، ويتضمن وصفاً للعديد من الأحداث والغزوات. وقد اشتملت سورة الأحزاب مثلا على كثير من تفاصيل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأصحابه كما تضمنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب.
السنة النبوية: ويلي القرآن في الأهمية كُتُب الحديث المتنوعة، حيث حوت هذه المصنفات جل تفاصيل السيرة سواء مما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه أو مما رواه عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. ثم إن كتب الحديث وشروحها تناولت الكثير من المغازي والأحداث التاريخية، وحوت معلومات مهمة في هذا المجال.
السيرة تروى كجزء من الحديث :
وقد شغلت السيرة النبوية حيزاً غير قليل من الأحاديث، فالذين جمعوا الأحاديث لم تخل كتبهم غالبا من ذكر ما يتعلق بحياة النبي ومغازيه، وخصائصه، ومناقبه، ومناقب صحابته، وقد استمر هذا المنهج حتى بعد انفصال السيرة عن الحديث في التأليف.
فموطأ مالك بن أنس (المتوفى 179هـ)، لم يَخْلُ من ذكر جملة الأحاديث فيما يتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصافه، وأسمائه، وذكر ما يتعلق بالجهاد.
وصحيح الإمام أبي عبد الله البخاري (المتوفى 256هـ) ذكر فيه قطعة كبيرة مما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، كما ذكر كتاب "المغازي" وما يتعلق بخصائصه وفضائله عليه الصلاة والسلام، وفضائل أصحابه ومناقبهم، وذلك كله لا يقل عن عشر الكتاب، وكذلك صحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج (المتوفى 261هـ) اشتمل على جزء كبير من سيرة النبي، وفضائله، وفضائل أصحابه، والجهاد والسير.
الخاتمة :
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن تدوين الحديث النبوي قد مر بمراحل منتظمة ، وأطوار متلاحقة ، حققت حفظه ، وصانته من العبث والضياع ، وكان لجمع الحديث وتدوينه أعظم الأثر في تسهيل الطريق للاجتهاد والاستنباط ، وبهذا نعلم مقدار الجهد العظيم الذي بذله الأئمة في جمع السنة وتبويبها ، حيث تركوا لنا تراثاً عظيماً في عشرات المصنفات والدواوين ، حتى أصبحت هذه الأمة تمتلك أغنى تراث عرفته البشرية ، فجزي الله أئمة الإسلام عنَّا خير الجزاء .
المصادر:
الكتاب : الشمائل والسير, الكاتب :لأبن سيد الناس
الكتاب : البداية والنهاية , للكاتب : أبن كثي
تعتبر السنة المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، من أجل ذلك اهتمَّ الصحابة بنقل السنة النبوية، واهتمت الأمة بعدهم بذلك النقل حتى أنشأوا علوما خاصة بها تمحورت حول الحديث النبوي وتوثيقه كعلم مصطلح الحديث، وعلم الجرح والتعديل وعلم الرجال..
تدوين السنة في القرن الثالث الهجري
يعتبر القرن الثالث عصر السنة الذهبي الذي ونت فيه السنة وعلومها تدويناً كاملاً، ففيه دونت الكتب الستة التي اعتمدتها الأمة فيما بعد، وفيه ظهر أئمة الحديث وجهابذته، وفيه نشطت رحلة العلماء في طلب الحديث، ولذلك جعل كثير من أهل العلم هذا القرن الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من نقاد الحديث.
وقد تميز التدوين في هذا القرن بما يلي
*- تجريد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمييزها عن غيرها بعد أن كانت قد دونت في القرن الثاني ممزوجة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
*-الاعتناء ببيان درجة الحديث من حيث الصحة والضعف.
*- تنوع المصنفات في تدوين السنة، فبدأ علماء هذا العصر ينهجون في مصنفاتهم مناهج جديدة وطرقا مختلفة. ومن أشهر طرق التصنيف في هذا العصر تصنيف المسانيد .
وفي هذا العصر أيضا أصبح لكل نوع من أنواع الحديث علماً خاصاً، مثل علم الحديث الصحيح، وعلم المرسل، وعلم الأسماء والكنى وهكذا. وأفرد العلماء كل نوع منها بتأليف خاص.
يتبع
السنة من القرن الرابع إلى أوائل القرن السابع
شهد هذا الدور حركة نشطة في سبيل ترتيب الحديث وتهذيب مصنفاته وتنقيحها حتى عد هذا الدور دور المصنفات الجامعة وظهور فن علوم الحديث مدوناً، فبرزت مصنفات على غرار مصنفات القرون السابقة. فمنهم من صنف في الصحيح (كصحيح ابن خزيمةـ وصحيح ابن حبان)، ومنهم من جمع السنن، ومنهم من اهتم بالمسانيد. كما ظهرت مصنفات من نوع آخر بعضها اهتم بجمع الحديث وترتبه أو شرحه، وبعضها تخصص في علوم الحديث كعلم الرجال وعلم مصطلح الحديث. ونهج علماء هذا القرن مناهج مختلفة في التصنيف فتنوعت مؤلفاتهم..
السنة النبوية من القرن السابع إلى القرن العاشر
بلغ التصنيف في هذا الدور كماله التام، فوضعت مؤلفات استوفت أنواع هذا علم الحديث، وجمعت إلى ذلك تهذيب العبارات وتحرير المسائل بدقة. وقد برز في هذا الطور علماء كبار أحاطوا بالحديث حفظاً، واضطلعوا من فنونه وأحوال أسانيده ومتونه دراية وعلما..
ومن أبرز علماء هذا الفن في هذا الطور الإمام المحدث أبو عمرو عثمان بن الصلاح (تـ643هـ)، في كتابه المشهور "علوم الحديث"، فقد جمع فيه ما تفرق في الكتب السابقة، واستوفى أنواع علوم الحديث..
السنة النبوية بعد القرن العاشر إلى عصرنا الحالي
اتسم هذا الدور على العموم بسمة الركود والجمود، حيث توقفت الحركة الاجتهادية في هذا الفن كما توقفت الحركة الإنتاجية. وفي مقابل ذلك كثرت المختصرات في علوم الحديث شعراً ونثراً. وانصبت مجهودات الكتاب بإعادة اجترار عبارات السابقين. ومن المؤلفات البارزة في هذا لبدور: "المنظومة البيقونية" لعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي (تـ 1080هـ)، و"توضيح الأفكار" لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (تـ 1182هـ)..
يكاد يجمع علماء هذا الشأن على أن كتب السنة بأشكالها المتنوعة ومناهجها المختلفة دونت جميعها في القرون الخمسة الأولى. وبانتهاء القرن الخامس انتهى عصر الرواية وجُمِعَتِ الأحاديث في كتب أئمة الحديث.. وقد ظهر في كل قرن من قام بخدمة السنة وعلومها، اقتصر عمل هؤلاء على خدمة هذا التراث وترتيبه وتهذيبه، فميزوا الصحيح من السنة من سقيمها، وقاموا بشرح غريبها واستنباط فقهها. كما أفردوا مدونات اهتمت بدراسة الرجال جرحا وتعديلا. وهذه المجهودات جميعها أثمرت في النهاية تصورا كاملا لما اصطلحوا عليه بعلم "مصطلح الحديث
مصادر السيرة النبوية
اهتم المسلمون اهتماما كبيرا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسننه، ومختلف مراحل حياته ومناقبه ومغازيه. وكانت مختلف هذه الأحاديث محفوظة في الصدور ابتداء وتروى شفاهيا من لدن الصحابة والتابعين قبل أن تدون في مدونات خاصة في آخر القرن الأول الهجري، ومن ذلك ما يتعلق بسيرة النبي ومغازيه.
ومن أهم مصادر السيرة النبوية:
القرآن الكريم: يحتل القرآن الكريم مقدمة مصادر السيرة، حيث يتضمن الكثير من التفاصيل عن حياة النبي عليه السلام حول مختلف مراحل حياته، ويتضمن وصفاً للعديد من الأحداث والغزوات. وقد اشتملت سورة الأحزاب مثلا على كثير من تفاصيل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأصحابه كما تضمنت تفاصيل كثيرة عن غزوة الأحزاب.
السنة النبوية: ويلي القرآن في الأهمية كُتُب الحديث المتنوعة، حيث حوت هذه المصنفات جل تفاصيل السيرة سواء مما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه أو مما رواه عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. ثم إن كتب الحديث وشروحها تناولت الكثير من المغازي والأحداث التاريخية، وحوت معلومات مهمة في هذا المجال.
السيرة تروى كجزء من الحديث :
وقد شغلت السيرة النبوية حيزاً غير قليل من الأحاديث، فالذين جمعوا الأحاديث لم تخل كتبهم غالبا من ذكر ما يتعلق بحياة النبي ومغازيه، وخصائصه، ومناقبه، ومناقب صحابته، وقد استمر هذا المنهج حتى بعد انفصال السيرة عن الحديث في التأليف.
فموطأ مالك بن أنس (المتوفى 179هـ)، لم يَخْلُ من ذكر جملة الأحاديث فيما يتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصافه، وأسمائه، وذكر ما يتعلق بالجهاد.
وصحيح الإمام أبي عبد الله البخاري (المتوفى 256هـ) ذكر فيه قطعة كبيرة مما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، كما ذكر كتاب "المغازي" وما يتعلق بخصائصه وفضائله عليه الصلاة والسلام، وفضائل أصحابه ومناقبهم، وذلك كله لا يقل عن عشر الكتاب، وكذلك صحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج (المتوفى 261هـ) اشتمل على جزء كبير من سيرة النبي، وفضائله، وفضائل أصحابه، والجهاد والسير.
الخاتمة :
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن تدوين الحديث النبوي قد مر بمراحل منتظمة ، وأطوار متلاحقة ، حققت حفظه ، وصانته من العبث والضياع ، وكان لجمع الحديث وتدوينه أعظم الأثر في تسهيل الطريق للاجتهاد والاستنباط ، وبهذا نعلم مقدار الجهد العظيم الذي بذله الأئمة في جمع السنة وتبويبها ، حيث تركوا لنا تراثاً عظيماً في عشرات المصنفات والدواوين ، حتى أصبحت هذه الأمة تمتلك أغنى تراث عرفته البشرية ، فجزي الله أئمة الإسلام عنَّا خير الجزاء .
المصادر:
الكتاب : الشمائل والسير, الكاتب :لأبن سيد الناس
الكتاب : البداية والنهاية , للكاتب : أبن كثي