شبكة النبأ: الزمن الحديدي، رواية الدكتور عبد الهادي الفرطوسي تتكون من (91) صفحة من حجم الوزيري، الطبعة الثانية 2009 من منشورات (إبداع) النجف الاشرف حيث صدرت الطبعة الأولى عام 2001.
كاتب الرواية الدكتور عبد الهادي احمد الفرطوسي- رئيس اتحاد الكتاب والأدباء في النجف - له عدة روايات أخرى يمكن تصنيفها ضمن روايات الخيال العلمي بالإضافة إلى عدة مؤلفات ودراسات في النقد الأدبي والشعر، وهنا لسنا في مجال لتعريف بالدكتور الفرطوسي الناقد والروائي والشاعر وكاتب القصة القصيرة والتحقيق الصحفي فهو غني عن التعريف،ولكننا نغامر في دراستنا هذه في محاولة فتح بوابة الزمن الحديدي محاولين استكشاف فضاءاته ودهاليزه وخفاياه، نأمل أن تمكننا عدتنا المعرفية والثقافية في فك مغاليق خزائن النص الروائي الجميل سواء باستخدام أدوات (الحضارة والازدهار) أو عن طريق قوى إنسان القرن العشرين أو قوى (التخلفي) المدهشة في قراءة الأفكار والقدرة على التخاطر مع الحاضر والماضي والمستقبل.
إذا كانتوشخصياتها منون القصة أو الرواية أو الكتاب يعرف من عنوانه، فهل إن عنوان (الزمن الحديدي) ينطبق على مضمون الرواية والعصر والزمن الذي تتحدث عنه؟
الرواية وشخصياتها من حيث الرمز والدلالة:
أولا: إن الكاتب يريد أن يشير إلى هيمنة روح الضبط الصارم والغير قابل للمسائلة والمناقشة أو الرفض والتي تصدر من (العقل الأكبر) الذي يهيمن على حياة وسلوكيات ومقدرات الإنسان والطبيعة في زمن (الحضارة والازدهار) وهذا الوصف ربما يكون انعكاسا لما سمى (بالضبط الحديدي) أو(التنظيم الحديدي) الذي تبنته بعض الأحزاب الشيوعية واليسارية في لعالم والذي كان الكاتب ينتمي إلى احد أطيافها حسب ما نعلم، وهنا وكأنه يرى إن الحال في هذه التنظيمات لتكون هي وصف المجتمع عموما في ظل حكم هذه القوى، ففي كلا الحالين هو واقع تحت آليات القطعنة وسلوك (الكتلة البشرية الواحدة) وليس الإنسان الفرد، وتبدو لي هي إدانة مضمرة ربما في لاوعي الكاتب وتمرده على هذه الآليات خصوصا إذا كان ما يصفه كأنه امتداد للتجربة الستالينية أو الماوية فالكاتب لا يصرح ولا يلمح ولا يعطي أية دلالة للأ جابة على سؤال المتسائل هل الزمن الحديدي الموصوف هو امتداد أو حالة تطور عليا لنظام اشتراكي أو هو وصف لحالة تطور عليا للنظام الرأسمالي القائم؟
ثانيا: إن يكون العنوان يشير إلى حقبة زمنية من التطور العلمي الحضاري عبر حقبه الحضارية المتعاقبة ألتي دمغت باسم المعدن أو المادة السائدة في صنع أدوات الإنسان وحتى استخدامها كعمله وهي:
- الزمن الحجري.
- الزمن البرونزي.
- الزمن الحديدي...الخ.
حيث يتم طبع عصر بكامله بطابع المعدن المكتشف والمستخدم من قبل البشر في حقبة زمنية محددة.
وهنا يبتعد عنوان الرواية عن مضمون المتن والعصر الذي يتحدث عنه زمن (الحضارة والازدهار)،والذي يمكن أن يشار إليه بالزمن النووي أو الزمن الالكتروني أو زمن العقل الآلي حيث إن الثورة العلمية والتكنولوجية في عصرنا الحاضر تجاوزت الحديد واستخداماته بمئات من السنين.
ونرى إن الكاتب وضمن مجريات النص يوضح مدى هيمنة الآلة (الريبوت) على حياة الإنسان وسلوكه عبر الآلات وأجهزة قد لا يدخل الحديد ضمن مكوناتها الأساسية بل الأدوات والآلات الحديدية وضعت (في متحف العاصمة)(1).
شخصيات الرواية
يمكن لمن يتابع الأسماء الواردة في النص وإيماءاتها أن يقف عند اسم (د.أنيس، دد.عاطف،د.مشين) فان كل اسم يشير إلى طبيعة الحقبة ودور الشخصية في ظل هذه الفترة من مرحلة التطور الحضاري البشري.
فأنيس ابن القرن العشرين لم يزل يحتفظ بسجايا الإنسان الاجتماعي من حيث مدارات المشاعر الإنسانية ومراعاة الأعراف والتقاليد المتبعة في عصر (ما قبل الحضارة والازدهار) وهنا تواصل ذكي من الكاتب مع د.(عاطف) الذي هو من بقايا ذلك العصر الذي لم يزل حاملا للعواطف والأحاسيس والمشاعر لإنسان ما قبل الآلي.
وقد كانت تسمية رئيس السلطة العليا في الكوكب (د.مشينmachine) وهو بمعنى ماكينة في اللغة الانكليزية والذي يستلم الأوامر والايعازات من قبل (العقل الأكبر) الذي يعرفه الكا تب بأنه (جهاز الكتروني ضخم يعرف كل صغيرة وكبيرة ويعد المستشار الأول والأخير للمجلس الأعلى)(2).
فيظهر مجردا من كل العواطف والأحاسيس الإنسانية ليكون منسجما مع عصره بالضد من (د.عاطف) الذي يحرم من رئاسة هذا المجلس: الذي هو عبارة عن نخبة من العلماء المختارين لإدارة شؤون الكوكب بأمر من العقل الأكبر- لأنه من (أبناء الأرحام).
ولكننا لا نرى في حقيقة الأمر أية دلالة واضحة لأسماء الممرضات (سلوى فتاح) من القرن العشرين واسم (زينب) من (عصر الحضارة والازدهار) لا بل يفترض إن يكون العكلا ليكون اسم (زينب) وهو اسم مشبع برمز العاطفة والمشاعر النبيلة والسمو والقدرات الروحية لحل محلها اسم (سلوى) لرأب بعضا من الخلل أو ردم الثغرة في سياق رموز النص وطبيعة ثقافته فالعصر الذي يسمي مشين لا يمكن إن تصوره يسمي زينب!
ولكن ما تجدر الإشارة إليه الدور الكبير وربما المكافئ لدور الرجل أو يتفوق عليه هو ما حرص الكاتب في اغلب رواياته إن يعطيه للمرأة ففي روايته هذه كانت (سلوى) متفردة في امتلاكها لقوى التخاطر الخارقة.
وكان من الأفضل أن يختار الكاتب اسماءا للإناث تتماشى مع روح ومضمون النص ومع ما فعله في مطابقة ومضمون الأسماء الذكورية مع عصرها،فبالنسبة لزينب كان يمكن أن يكون اسمها (تولTool ) أو ما شابه ليكون منسجما مع اختياره لاسم (مشينmachine) كعباد للآلة في (عصر الحضارة والازدهار).
ويرد اسم الدكتور (سالم) الذي تتحدث عنه الممرضة سلوى دون أية مقدمات أو سابق معرفة ونرى أن الممرضة يفترض إن تتحدث عن عبقرية الدكتور(أنيس) ومكانته العلمية وليس عن الدكتور (سالم) كما هو مفهوم من سياق النص.حيث يقول جودة الساير عن حبيبته سلوى( وضعت كوب الشاي وجلست بجانبي بدأت تتحدث عن عبقرية الدكتور"سالم" ومكانته العلمية)(3).
فقد يكون هذا بسبب خطأ مطبعي ولكن ليس هناك أية إشارة لذلك!
وفي هذا الصدد أي مسالة الذكور والإناث ووظائف كل منها في العصرين المختلفين ، نرى إن الكاتب لم يوفق في معالجة هذه النقطة بالذات حيث يمكن إثارة الأسئلة التالية في هذا الخصوص:
· إذا كانت الولادات تتم في المكائن ومعامل (التفقيس) وحسب طلب (العقل الأكبر) الذي يعرف في الرواية: كالتالي (منذ مائة عام-أيها السادة- دخلت تكنولوجيا الحديثة إلى الإنجاب..فلم تعد البشرية بحاجة لان تتزوج المرأة وتحبل تسعة أشهر ثم تضع وليدها.. هناك في مركز الولادات توجد ملايين الملايين من البويضات البشرية المخصبة.. وبناء على تقرير يرد من العقل الأكبر يحدد حاجة الكوكب الأرضي إلى العدد المطلوب من المواليد الجدد لذلك العام...تحتضن الآلات وبعد تسعة أشهر يخرجون إلى الدنيا أطفالا أصحاء بعيدين عن الضعف والمرض...)(4).
· وهنا يثار السؤال التالي: ما هو الداعي لإنجاب الذكور والإناث في عصر (الحضارة واالصناعية.؟
· أفلا يمكن تخليق إنسان يحمل الصفتين معا ليكون مولدا للحيامن والبيوض المخصبة ذاتيا لتوضع في (المفاقس)؟.
· ما هو مصدر هذه البيوض والحيامن المودعة في المفاقس هل هي من بقايا منتجات (التخلفين) المحفوظة في المختبرات أم مستخلصة من (الذكر والأنثى) في عصر الحضارة والازدهار الذي لا يعرف الزواج ولا الإنجاب وهو بالتأكيد في هذه الحالة لا يحمل أعضاءهما التناسلية.
· لماذ ا لا يتوصل (العقل الأكبر) إلى اختزال فترة الحمل إلى اقل من تسعة أشهر؟
طبعا حينما نضع مثل هذه الأسئلة أمام الكاتب فهي من اجل أن تكون بنية الرواية الفكرية ومنالصناعية.ي أكثر انسجاما من حيث قوة ورصانة المضمون الذي هو محل اهتمامنا وقد لا يكون كذلك بالنسبة للكاتب.
· كيف يتحدث (جودة الساير) بلغة العارف بسيكولوجية إنسان (الحضارة والازدهار) حينما يتحدث عن الممرضة (زينب)لم تكن غاضبة ولم تكن راضية..كانت تمط شفتيها استخفافا من هذا البدوي القادم من فيافي القرن العشرين إلى عالم الحضارة والازدهار)(5).
في الوقت الذي يفترض انه لم يكتشف هذه التبدلات في المشاعر والسلوكيات ل(زينب) إلا لاحقا كيف يمكن إن يتم الحكم على من لا تعرف معنى القبلة حيث تسأله عن معنى القبلة عندما تسأله عما يفعل حينما قبلها (...ماهي القبلة) ص20
التطور العلمي ومستقبل الإنسان
(من الحمام الزاجل إلى التلفون ومن التلفون إلى الانترنيت الى...)
استغرق تطور الإنسان من مالصناعية.ع إلى مجتمع المشاعيه البدائية ومن ثم إلى العبودية فالإقطاع مئات القرون لينتقل من حياة لقط الإثمار ثم الصيد إلى تدجين الحيوان ومن ثم الزراعة،وكما يقول سمير أمين:
(عمر الرأسمالية التي لم ترتد شكلها المكتمل إلا مع الثورة الصناعية لا يتجاوز قرنين من الزمن، وصلت خلاله إلى مرحلة الاهتراء التي تفرض تجاوزها بالضرورة،علما إن الانتقال من الإقطاع الأوربي الغربي إلى الرأسمالية قد استغرق ثلاثة قرون هي عصر المركنتيلية من سنة 1500 إلى 1800 تقريبا، إن الانتقال يظل حائرا ولا نعرف وجهته إلا لاحقا )(6).
بدا التطور السريع والمذهل للإنسان مع بداية انهيار الإقطاع وصعود البرجوازية إذ بان الثورة الصناعية.
وعندها بدأت الآلة تدخل في الصناعة والزراعة عبر المانيفكتورة فالمكننة حتى بلغت مرحلة الأتمتة الكاملة في عصرنا الراهن.
الثورة الصناعية قلبت كيان الإنسان في مختلف بقاع العالم وقد تباينت مصالح البشر من هذه التحولات الدراماتيكية بين مساند مؤيد ومتبرم مقاوم.
إن الكاتب يضع الإنسان وسط هذا البحر الواسع من المتغيرات البيئية والحياتية الذي وجد نفسه محمولا على أمواجها شاء أم أبى، فقد برع في توظيف بعض المنجزات والاختراعات والاكتشافات العلمية المعروفة في عصرنا لتعطي نوعا من المقبولية لتصوراته المستقبلية بعد مرور (400عام) على تجميد حياة بطله (جودة الساير) الفنان والمطرب المشهور في زمنه (5شباط 1985-5شباط 2385)،وفي التفاتة موفقة يحصل على وصف عالم (الحضارة والازدهار) عالم المستقبل المتخيل وعالم(التخلفين)عالم الماضي المندرس، كونه صحفي يحضر مراسم تشييع التخاطرية المشهورة (سلوى فتاح) التي امتلكت سر كشف عالم الغيب الماضي والمستقبل لمئات السنين فيحصل على دفتر مذكراتها التي تصف فيه مستقبل حياة الناس بعد (400) سنة في ظل (الحضارة والازدهار).
الطعام:
(المطعم أيها السادة-قاعة كبيرة-، الكراسي، والطاولات، والصحن، وأواني الطبخ ورائحة الشواء والتوابل وكل اثر للطعام لا وجود له، كل ما في هذا المطعم لوحات معدنية مربعة، ملصقة على الجدران، على كل لوحة عدد من الأزرار البارزة الشبيهة بأزرار الآلة الكاتبة وقد نقش على كل زر رقم وأحرف أو إشارة، ويقف أمام كل لوحة نفر من الناس، بانتظار طعامهم)(10).
كاتب الرواية الدكتور عبد الهادي احمد الفرطوسي- رئيس اتحاد الكتاب والأدباء في النجف - له عدة روايات أخرى يمكن تصنيفها ضمن روايات الخيال العلمي بالإضافة إلى عدة مؤلفات ودراسات في النقد الأدبي والشعر، وهنا لسنا في مجال لتعريف بالدكتور الفرطوسي الناقد والروائي والشاعر وكاتب القصة القصيرة والتحقيق الصحفي فهو غني عن التعريف،ولكننا نغامر في دراستنا هذه في محاولة فتح بوابة الزمن الحديدي محاولين استكشاف فضاءاته ودهاليزه وخفاياه، نأمل أن تمكننا عدتنا المعرفية والثقافية في فك مغاليق خزائن النص الروائي الجميل سواء باستخدام أدوات (الحضارة والازدهار) أو عن طريق قوى إنسان القرن العشرين أو قوى (التخلفي) المدهشة في قراءة الأفكار والقدرة على التخاطر مع الحاضر والماضي والمستقبل.
إذا كانتوشخصياتها منون القصة أو الرواية أو الكتاب يعرف من عنوانه، فهل إن عنوان (الزمن الحديدي) ينطبق على مضمون الرواية والعصر والزمن الذي تتحدث عنه؟
الرواية وشخصياتها من حيث الرمز والدلالة:
أولا: إن الكاتب يريد أن يشير إلى هيمنة روح الضبط الصارم والغير قابل للمسائلة والمناقشة أو الرفض والتي تصدر من (العقل الأكبر) الذي يهيمن على حياة وسلوكيات ومقدرات الإنسان والطبيعة في زمن (الحضارة والازدهار) وهذا الوصف ربما يكون انعكاسا لما سمى (بالضبط الحديدي) أو(التنظيم الحديدي) الذي تبنته بعض الأحزاب الشيوعية واليسارية في لعالم والذي كان الكاتب ينتمي إلى احد أطيافها حسب ما نعلم، وهنا وكأنه يرى إن الحال في هذه التنظيمات لتكون هي وصف المجتمع عموما في ظل حكم هذه القوى، ففي كلا الحالين هو واقع تحت آليات القطعنة وسلوك (الكتلة البشرية الواحدة) وليس الإنسان الفرد، وتبدو لي هي إدانة مضمرة ربما في لاوعي الكاتب وتمرده على هذه الآليات خصوصا إذا كان ما يصفه كأنه امتداد للتجربة الستالينية أو الماوية فالكاتب لا يصرح ولا يلمح ولا يعطي أية دلالة للأ جابة على سؤال المتسائل هل الزمن الحديدي الموصوف هو امتداد أو حالة تطور عليا لنظام اشتراكي أو هو وصف لحالة تطور عليا للنظام الرأسمالي القائم؟
ثانيا: إن يكون العنوان يشير إلى حقبة زمنية من التطور العلمي الحضاري عبر حقبه الحضارية المتعاقبة ألتي دمغت باسم المعدن أو المادة السائدة في صنع أدوات الإنسان وحتى استخدامها كعمله وهي:
- الزمن الحجري.
- الزمن البرونزي.
- الزمن الحديدي...الخ.
حيث يتم طبع عصر بكامله بطابع المعدن المكتشف والمستخدم من قبل البشر في حقبة زمنية محددة.
وهنا يبتعد عنوان الرواية عن مضمون المتن والعصر الذي يتحدث عنه زمن (الحضارة والازدهار)،والذي يمكن أن يشار إليه بالزمن النووي أو الزمن الالكتروني أو زمن العقل الآلي حيث إن الثورة العلمية والتكنولوجية في عصرنا الحاضر تجاوزت الحديد واستخداماته بمئات من السنين.
ونرى إن الكاتب وضمن مجريات النص يوضح مدى هيمنة الآلة (الريبوت) على حياة الإنسان وسلوكه عبر الآلات وأجهزة قد لا يدخل الحديد ضمن مكوناتها الأساسية بل الأدوات والآلات الحديدية وضعت (في متحف العاصمة)(1).
شخصيات الرواية
يمكن لمن يتابع الأسماء الواردة في النص وإيماءاتها أن يقف عند اسم (د.أنيس، دد.عاطف،د.مشين) فان كل اسم يشير إلى طبيعة الحقبة ودور الشخصية في ظل هذه الفترة من مرحلة التطور الحضاري البشري.
فأنيس ابن القرن العشرين لم يزل يحتفظ بسجايا الإنسان الاجتماعي من حيث مدارات المشاعر الإنسانية ومراعاة الأعراف والتقاليد المتبعة في عصر (ما قبل الحضارة والازدهار) وهنا تواصل ذكي من الكاتب مع د.(عاطف) الذي هو من بقايا ذلك العصر الذي لم يزل حاملا للعواطف والأحاسيس والمشاعر لإنسان ما قبل الآلي.
وقد كانت تسمية رئيس السلطة العليا في الكوكب (د.مشينmachine) وهو بمعنى ماكينة في اللغة الانكليزية والذي يستلم الأوامر والايعازات من قبل (العقل الأكبر) الذي يعرفه الكا تب بأنه (جهاز الكتروني ضخم يعرف كل صغيرة وكبيرة ويعد المستشار الأول والأخير للمجلس الأعلى)(2).
فيظهر مجردا من كل العواطف والأحاسيس الإنسانية ليكون منسجما مع عصره بالضد من (د.عاطف) الذي يحرم من رئاسة هذا المجلس: الذي هو عبارة عن نخبة من العلماء المختارين لإدارة شؤون الكوكب بأمر من العقل الأكبر- لأنه من (أبناء الأرحام).
ولكننا لا نرى في حقيقة الأمر أية دلالة واضحة لأسماء الممرضات (سلوى فتاح) من القرن العشرين واسم (زينب) من (عصر الحضارة والازدهار) لا بل يفترض إن يكون العكلا ليكون اسم (زينب) وهو اسم مشبع برمز العاطفة والمشاعر النبيلة والسمو والقدرات الروحية لحل محلها اسم (سلوى) لرأب بعضا من الخلل أو ردم الثغرة في سياق رموز النص وطبيعة ثقافته فالعصر الذي يسمي مشين لا يمكن إن تصوره يسمي زينب!
ولكن ما تجدر الإشارة إليه الدور الكبير وربما المكافئ لدور الرجل أو يتفوق عليه هو ما حرص الكاتب في اغلب رواياته إن يعطيه للمرأة ففي روايته هذه كانت (سلوى) متفردة في امتلاكها لقوى التخاطر الخارقة.
وكان من الأفضل أن يختار الكاتب اسماءا للإناث تتماشى مع روح ومضمون النص ومع ما فعله في مطابقة ومضمون الأسماء الذكورية مع عصرها،فبالنسبة لزينب كان يمكن أن يكون اسمها (تولTool ) أو ما شابه ليكون منسجما مع اختياره لاسم (مشينmachine) كعباد للآلة في (عصر الحضارة والازدهار).
ويرد اسم الدكتور (سالم) الذي تتحدث عنه الممرضة سلوى دون أية مقدمات أو سابق معرفة ونرى أن الممرضة يفترض إن تتحدث عن عبقرية الدكتور(أنيس) ومكانته العلمية وليس عن الدكتور (سالم) كما هو مفهوم من سياق النص.حيث يقول جودة الساير عن حبيبته سلوى( وضعت كوب الشاي وجلست بجانبي بدأت تتحدث عن عبقرية الدكتور"سالم" ومكانته العلمية)(3).
فقد يكون هذا بسبب خطأ مطبعي ولكن ليس هناك أية إشارة لذلك!
وفي هذا الصدد أي مسالة الذكور والإناث ووظائف كل منها في العصرين المختلفين ، نرى إن الكاتب لم يوفق في معالجة هذه النقطة بالذات حيث يمكن إثارة الأسئلة التالية في هذا الخصوص:
· إذا كانت الولادات تتم في المكائن ومعامل (التفقيس) وحسب طلب (العقل الأكبر) الذي يعرف في الرواية: كالتالي (منذ مائة عام-أيها السادة- دخلت تكنولوجيا الحديثة إلى الإنجاب..فلم تعد البشرية بحاجة لان تتزوج المرأة وتحبل تسعة أشهر ثم تضع وليدها.. هناك في مركز الولادات توجد ملايين الملايين من البويضات البشرية المخصبة.. وبناء على تقرير يرد من العقل الأكبر يحدد حاجة الكوكب الأرضي إلى العدد المطلوب من المواليد الجدد لذلك العام...تحتضن الآلات وبعد تسعة أشهر يخرجون إلى الدنيا أطفالا أصحاء بعيدين عن الضعف والمرض...)(4).
· وهنا يثار السؤال التالي: ما هو الداعي لإنجاب الذكور والإناث في عصر (الحضارة واالصناعية.؟
· أفلا يمكن تخليق إنسان يحمل الصفتين معا ليكون مولدا للحيامن والبيوض المخصبة ذاتيا لتوضع في (المفاقس)؟.
· ما هو مصدر هذه البيوض والحيامن المودعة في المفاقس هل هي من بقايا منتجات (التخلفين) المحفوظة في المختبرات أم مستخلصة من (الذكر والأنثى) في عصر الحضارة والازدهار الذي لا يعرف الزواج ولا الإنجاب وهو بالتأكيد في هذه الحالة لا يحمل أعضاءهما التناسلية.
· لماذ ا لا يتوصل (العقل الأكبر) إلى اختزال فترة الحمل إلى اقل من تسعة أشهر؟
طبعا حينما نضع مثل هذه الأسئلة أمام الكاتب فهي من اجل أن تكون بنية الرواية الفكرية ومنالصناعية.ي أكثر انسجاما من حيث قوة ورصانة المضمون الذي هو محل اهتمامنا وقد لا يكون كذلك بالنسبة للكاتب.
· كيف يتحدث (جودة الساير) بلغة العارف بسيكولوجية إنسان (الحضارة والازدهار) حينما يتحدث عن الممرضة (زينب)لم تكن غاضبة ولم تكن راضية..كانت تمط شفتيها استخفافا من هذا البدوي القادم من فيافي القرن العشرين إلى عالم الحضارة والازدهار)(5).
في الوقت الذي يفترض انه لم يكتشف هذه التبدلات في المشاعر والسلوكيات ل(زينب) إلا لاحقا كيف يمكن إن يتم الحكم على من لا تعرف معنى القبلة حيث تسأله عن معنى القبلة عندما تسأله عما يفعل حينما قبلها (...ماهي القبلة) ص20
التطور العلمي ومستقبل الإنسان
(من الحمام الزاجل إلى التلفون ومن التلفون إلى الانترنيت الى...)
استغرق تطور الإنسان من مالصناعية.ع إلى مجتمع المشاعيه البدائية ومن ثم إلى العبودية فالإقطاع مئات القرون لينتقل من حياة لقط الإثمار ثم الصيد إلى تدجين الحيوان ومن ثم الزراعة،وكما يقول سمير أمين:
(عمر الرأسمالية التي لم ترتد شكلها المكتمل إلا مع الثورة الصناعية لا يتجاوز قرنين من الزمن، وصلت خلاله إلى مرحلة الاهتراء التي تفرض تجاوزها بالضرورة،علما إن الانتقال من الإقطاع الأوربي الغربي إلى الرأسمالية قد استغرق ثلاثة قرون هي عصر المركنتيلية من سنة 1500 إلى 1800 تقريبا، إن الانتقال يظل حائرا ولا نعرف وجهته إلا لاحقا )(6).
بدا التطور السريع والمذهل للإنسان مع بداية انهيار الإقطاع وصعود البرجوازية إذ بان الثورة الصناعية.
وعندها بدأت الآلة تدخل في الصناعة والزراعة عبر المانيفكتورة فالمكننة حتى بلغت مرحلة الأتمتة الكاملة في عصرنا الراهن.
الثورة الصناعية قلبت كيان الإنسان في مختلف بقاع العالم وقد تباينت مصالح البشر من هذه التحولات الدراماتيكية بين مساند مؤيد ومتبرم مقاوم.
إن الكاتب يضع الإنسان وسط هذا البحر الواسع من المتغيرات البيئية والحياتية الذي وجد نفسه محمولا على أمواجها شاء أم أبى، فقد برع في توظيف بعض المنجزات والاختراعات والاكتشافات العلمية المعروفة في عصرنا لتعطي نوعا من المقبولية لتصوراته المستقبلية بعد مرور (400عام) على تجميد حياة بطله (جودة الساير) الفنان والمطرب المشهور في زمنه (5شباط 1985-5شباط 2385)،وفي التفاتة موفقة يحصل على وصف عالم (الحضارة والازدهار) عالم المستقبل المتخيل وعالم(التخلفين)عالم الماضي المندرس، كونه صحفي يحضر مراسم تشييع التخاطرية المشهورة (سلوى فتاح) التي امتلكت سر كشف عالم الغيب الماضي والمستقبل لمئات السنين فيحصل على دفتر مذكراتها التي تصف فيه مستقبل حياة الناس بعد (400) سنة في ظل (الحضارة والازدهار).
الطعام:
(المطعم أيها السادة-قاعة كبيرة-، الكراسي، والطاولات، والصحن، وأواني الطبخ ورائحة الشواء والتوابل وكل اثر للطعام لا وجود له، كل ما في هذا المطعم لوحات معدنية مربعة، ملصقة على الجدران، على كل لوحة عدد من الأزرار البارزة الشبيهة بأزرار الآلة الكاتبة وقد نقش على كل زر رقم وأحرف أو إشارة، ويقف أمام كل لوحة نفر من الناس، بانتظار طعامهم)(10).