لعل السمة البارزة في تفكير قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة الرشيدة هو شعورها الدائم بضرورة تعزيز أواصر التعاون بين الأشقاء العرب, من منطلق الإيمان بأن دولة الإمارات العربية هي جزء من كيان الأمة العربية,التي لا يمكنها أن تكلاب الاحترام بين الأمم ,وتستعيد مكانتها الحضارية إلا بالوحدة والتضامن , لذلك كان عمل صاحب السمو زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة –رحمه الله- على تكريس هذه الحقيقة منذ وقت مبكر , سواء من خلال العمل العربي , أو عن طريق المحافل الدولية , بجعل قضايا العرب وهمومهم في صلب سياسة دولة الإمارات الخارجية .
وقد تركت تصريحات صاحب السمو في مجال تعزيز التعاون العربي , وجهوده المخلصة لدعم التنمية في الأقطار العربية , والدفاع عن القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية منهجا واضح المعالم على طريق المستقبل العربي الذي لا يمكن أن يكون مستقبلا زاهرا بدون الوحدة العربية , ونبذ الفرقة والانقسام , أو كما قال صاحب السمو الشيخ زايد في الجلسة الافتتاحية لندوة "المستقبل العربي" يوم 2 نوفمبر 1997 : "كيف سنواجه عالم الغد ونحن مبعثرون تتهددنا الأزمات ولانقسامات والخلافات في نظام عالمي لا مكان فيه للكيانات الصغيرة مهما أوتيت من عوامل القوة والثروة ... إن تفرقتنا وانقاسمنا مصدر قوة للخصم المعتدي والغاصب الذي لا يزال يعبث بمقدساتنا الإسلامية في أرض الإسراء والمعراج , ويدوس على كرامة أبنائنا في الأرض المحتلة غير عابئ بالمواثيق والقرارات الدولية , متنصلا مما التزم به تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط وممعنا في سياسة فرض الأمر الواقع في الأراضي العربية المحتلة".
وأكد سموه في الرسالة التي بعث بها للمشاركين في هذه الندوة بتاريخ 31 أكتوبر 1997 حرصه على العمل من أجل تحقيق الوحدة العربية , والتزامه بتحرير المقدسات الإسلامية حين قال :"يعلم الله أن وحدة هذه الأمة والرغبة في عودة تضامننا همي الذي يشغل بالي , ويقض مضجعي , وأحرص كل الحرص لإزالة هذا الخلاف من ساحتنا العربية , ليعود لأمتنا ما نرجوه ونبتغيه من مجدها وقوتها , وأنا على يقين تام مهما عظمت الخلافات فإن لنا من أسباب التقارب والألفة ما يمكننا من أن ندعو للم الشمل وتوحيد الصف . ونحن بحمد الله واثقون في أن يكون لندائنا إجابة صادقة من إخواننا أبناء أمتنا العربية وقياداتها من أجل غاية كبيرة تنتظرنا جميعا , نطوق بها أعناقنا , وهي تحرير مقدساتنا الإسلامية التي ترزح تحت الاغتصاب" .
وقد كان هذا المنهج الذي أرسى دعائمه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة في التفكير بالقضايا العربية، والعمل على تعزيز روح التضامن بين الأشقاء من أجل انتزاع الحقوق العربية المغتصبة، واكتساب الاحترام بين الأمم النبراس الذي أضاء الطريق لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي استلهم كغيره من أبناء هذه الأمة الأحاسيس الصادقة والحكمة العميقة والتفكير المستنير لسمو الوالد، وآمن بالمنهج القويم الذي رسمه من أجل رفاهية هذه الأمة وعزتها وشموخها، فقال :"وليكن لنا في صاحب السمو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى الذي آمن بالاتحاد وأعطاه بلا حدود المثل والقدوة الحسنة، ونقول له من أعماق قلوب تفيض منها مشاعر الولاء والعرفان وتتدفق منها الأحاسيس المليئة بالحب... نحن معك على الدرب سائرون بخطى ثابتة لنحقق لهذا الوطن العزيز كل أمانيه في العزة".
وقرن صاحب السمو الشيخ خليفة القول بالعمل، فاتخذ من توجيهات سمو الوالد برنامج عمل دؤوب لدفع التعاون العربي، ومعايشة قضايا وهموم الأمة من المحيط إلى الخليج، فعمل من خلال مؤسسات الإمارات العربية المتحدة على دفع عجلة التنمية في الأقطار العربية عن طريق مشاريع التعاون الثنائي، والمساعدات السخية، ومن خلال الاتصالات سعى إلى رأب الصدع بين الأشقاء وبناء علاقات عربية عربية يسودها الاحترام المتبادل، وتقودها المصلحة الجماعية لرقي الأمة العربية، واسترجاع مكانتها في التاريخ، وكانت قضية فلسطين، باعتبارها قضية الأمة الأساسية، حاضرة في كل مباحثاته مع الدول والفاعلين السياسيين دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتشبثا بحقوق العرب والمسلمين باسترجاع أرضهم ومقدساً تهم التي يصر الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في اغتصابها، غير عابئ بالقرارات الدولية، ومبادئ العدل والسلام.
وإذا كان دور سموه في تعزيز التضامن العربي أكبر وأعمق من أن يشمله كتاب واحد، أو يحيط به باحث، فإن تلمس أبعاد ذلك الدور وأسسه العامة ليس شهادة تاريخية تسترشد بها أجيال المستقبل فحسب، وإنما هو منهج واضح المعالم يعطي لأبناء الحاضر السبل والكيفيات التي تمكن هذه الأمة من مواجه كافة التحديات، والعمل بجد على استعادة المكانة التاريخية.
انطلاقاً من الموقف الثابت لدولة الإمارات العربية الداعم للقضية الفلسطينية ، ونضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية وإقامة دولته المستقلة ، رحبت الدولة بالدعوة إلى انعقاد مؤتمر مدريد للسلام إلى جانب تأييدها للمفاوضات الجارية بين الأطراف المعنية في أطر ذلك المؤتمر ، والقائمة على أسس الشرعية الدولية والمتمثلة في قرارات الأمم المتحدة وخاصة قراري مجلس الأمن 242 لعام 1967 ، و338 لعام 1973 ، ومبدأ الأرض مقابل السلام .
وفي إطار هذا النهج أكدت دولة الإمارات دعمها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، واسترداده لحقوقه المشروعة ، كما أكد صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان دعم الإمارات للاتفاق الذي توصلت إليه منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل ، من اجل تحقيق الأهداف ، والمصالح العربية الفلسطينية المنشودة ، معرباً عن أمله في أن يكون هذا الاتفاق الخطوة الصحيحة على الطريق الصحيح .
وقد أكد معالي راشد عبدالله وزير الخارجية في كلمته أمام الأمم المتحدة في أكتوبر من عام 1995 ، أن تنفيذ هذه الاتفاقيات من قبل الحكومة الإسرائيلية ، يعتبر خطوة هامة ، وأساسية في سبيل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير ، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني ، أسوة بباقي شعوب العالم .
كما إن دولة الإمارات ترى إن تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط يقتضي إحراز تقدم ملموس على المسارين السوري ، واللبناني ، الأمر الذي يتطلب جهداً دولياً أكبر . وخاصة من قبل راعيي مؤتمر السلام ، لحمل الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ تعهداتها والتزاماتها في إطار مبدأ الأرض مقابل السلام ، وقرارات مجلس الأمن الدولي 242 ، و 338 ، و 425 ، القاضية بالانسحاب الإسرائيلي الكامل ، غير المشروط من كافة الأراضي الفلسطينية ، والعربية المحتلة ، بما في ذلك مدينة القدس الشريف ، والجولان السوري .
ولم يتوقف دعم دولة الإمارات العربية المتحدة للقضية الفلسطينية ، عند حدود معينة حيث كانت في طليعة الدول التي دعمت قضية القدس ، وساندت صمود المدينة المقدسة ، ووقفت في وجه المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهويدها ، ومصادرة أراضيها ، كما نددت بشدة بقرار الكونغرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس .
وقد أعلن صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان عند استقباله الوفود المشاركة في مهرجان من أجلك يا قدس ، الذي أقيم في المجمع الثقافي في أبوظبي ، في 31 أكتوبر 1995 ، إن دعمنا للشعب الفلسطيني سيستمر حتى يحقق هذا الشعب طموحه في إقامة دولته المستقلة ، كلاائر إخوانه في الوطن العربي .
كما أعرب سموه عن استعداده لتقديم أي مساعدة يطلبها الاخوة الفلسطينيون من اجل بناء وطنهم مؤكداً سموه انه سيقدم كل عون لما تحتاجه مدينة القدس الشريف فهي أحق بالدعم والمساندة من غيرها .
كما قرر صاحب السمو رئيس الدولة تمويل إقامة عدد من المشروعات السكنية التي تحمل اسمه في مدينة القدس ، وكذلك عدد من مشاريع الترميم في المدينة ، وقد أعلن ذلك سمو الشيخ / عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الأعلام في افتتاح المهرجان ، وقال : إن صاحب السمو رئيس الدولة أمر كذلك مؤسسة زايد للأعمال الخيرية وجمعية الهلال الأحمر بالدولة بتلبية المتطلبات الطبية ، والتعليمية ، والاجتماعية ، لسكان القدس المحتلة ، وتوفير ما يلزم لدعم المؤسسات المعنية بهذه النشاطات حتى يتسنى للمدينة المقدسة الصمود في وجه محاولات التهويد المستمرة .
وإيمانا منها بالوضعية الدينية ، والحضارية ، والإنسانية الخاصة لمدينة القدس ، سارعت دولة الإمارات فور صدور قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بنهاية شهر مايو عام 1999 ، بالتنديد بهذا القرار واعتبرته صدمة كبيرة ، لانه يشكل انحيازاً صارخاً لجانب إسرائيل ، مؤكدة انه يضعف إلى حد كبير مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى ، وكأحد راعيي السلام في الشرق الأوسط ، كما انه يهدد بتقويض دعائم السلم في المنطقة .
وقال صاحب السمو الشيخ / حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية إن هذا القرار يعتبر تحدياً سافراً لمشاعر الأمة الإسلامية جمعاء ، لان مدينة القدس لها وضعية دينية وحضارية ، وإنسانية خاصة وهي محل اهتمام جميع الأديان السماوية ، ولهذا فان وضعها النهائي يجب أن لا يحدد من قبل طرف واحد .
وأعرب سموه عن أمله في أن تستمر الإدارة الأمريكية في دورها الحيادي كشريك نزيه ، وفعال في مسيرة السلام للمساهمة في الوصول إلى حل شامل ، وعادل ، ودائم للصراع العربي الإسرائيلي .
كما بذلت دولة الإمارات جهوداً حثيثة خلال توليها رئاسة مجلس جامعة الدول العربية من اجل استصدار قرار من مجلس الأمن ، يدين الحكومة الإسرائيلية لمصادرتها 52 هكتاراً من أراضي القدس الشرقية ، لإقامة مستوطنات عليها .
وقد طلبت دولة الإمارات عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن ، لاعتماد مشروع القرار المقدم من دول حركة عدم الانحياز الأعضاء في مجلس الأمن ، والذي يدعو إلى إلغاء قرار المصادرة ، وحين استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض ضد مشروع القرار ، أعربت دولة الإمارات عن أسفها واستغرابها للموقف السلبي للولايات المتحدة .
تمثل القضية الفلسطينية بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة حجر الزاوية في العمل العربي المشترك، وتضعها على رأس أولوياتها في علاقاتها بمختلف دول العالم، كما سبقت الإشارة، وقد بذل صاحب السمو الشيخ خليفة جهوداً مشهودة في هذا المجال، وصدرت عنه تصريحات رافقت مختلف أبعاد هذه القضية ومراحلها، باعتبارها قضية كل العرب، وكما قال سموه: "إن دولة الإمارات العربية هي جزء من الوطن العربي، وقضية الشعب الفلسطيني المناضل هي قضيتنا والأرض هي أرضنا والعدو هو عدونا .
ونحن ندرك موقفنا في المواجهة مع العدو، والذي لا تقف أطماعه عند حد أو قيد، وسيستمر دعمنا لنضال الشعب الفلسطيني بلا حدود تكريماً لوحدة الهدف ووحدة المصير، ونحن نرفض دائماً الإعلان عن أشكال هذا الدعم؛ لأن قناعتنا هي أن ما نقوم به هو ما يفرضه علينا الواجب والنخوة العربية الأصيلة، وتعاليم الدين الحنيف، والمصلحة العليا لأمتنا من أجل استرداد وتحرير الأرض واستعادة الحقوق المشروعة ".
وقال في مناسبة أخرى مؤكداً دعم الإمارات للمقاومة الفلسطينية :" بالنسبة لقضية فلسطين .. قضيتنا وقضية العرب الكبرى .. فإن دولة الإمارات وقفت بكل ثقلها إلى جانب المقاومة الفلسطينية، قدمت كل أشكال الدعم لها وسنواصل هذا الواجب القومي حتى يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة في أرضه ودياره ".
ولم يفت صاحب السمو أن يشير إلى أن وضع الإمارات الجغرافي لا يمنعها من معايشة القضية الفلسطينية عندما قال:" تفصلنا مئات الأميال عن الأرض العربية المحتلة إلا أننا نقف في الواقع على خط المواجهة، لأن الأرض هي أرضنا وكل شبر فيها عزيز علينا .. وعدو العرب في كل مكان هو عدونا ".
لذلك أقامت دولة الإمارات مشاريعها الداخلية بناء على أن عدو العرب هو عدو لها، كما قال سموه: " إن دولة الإمارات العربية المتحدة كما قال سمو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لا تتسلح لمباشرة العدوان وإنما تفعل ذلك لأنها تؤمن بأن الضعف يغري بالعدوان كما أن القوة شرط لتدعيم السلام. إن الأمة العربية في صراعها ضد إسرائيل تخوض معركة شرسة ضد عدو غادر ينتهج ضدنا كافة الممارسات البربرية والأساليب اللاأخلاقية ".
وحين حاول البعض – مناصرة لإسرائيل – ربط المقاومة المشروعة بالإرهاب كان لصاحب السمو موقف صريح، حيث أكد أن "دول مجلس التعاون بحكم ميراثها الإسلامي والحضاري الذي تمتد جذوره في تاريخنا إلى مئات السنين الماضية ترفض وتدين أعمال الإرهاب في مختلف أشكاله وصوره لأن الأعمال اللامسؤولة تتنافى والأعراف والمواثيق الدولية، وكذلك الأخلاق والقيم ومفاهيم الحضارة الإسلامية .
على أنه ينبغي أن يفرق العالم تفرقة واضحة بين تلك الأعمال اللامسؤولة وأعمال النضال المشروع ضد المغتصب لحقوق المناضلين، كأن تحاول بعض الدول التي تتعاطف مع إسرائيل إلصاق تهم الإرهاب المرفوضة بالإنسان العربي".
وقد انطلقت رؤية صاحب السمو للسلام في الشرق الأوسط من حقائق التاريخ ومبادئ العدل وروح القرارات الدولية، فأكد "أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط يقوم على حل قضية فلسطين حلاً عادلاً، يتضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في العودة إلى وطنه، وإقامة دولته المستقلة وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية وفي طليعتها القدس الشريف ".
بل أوضح " أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط يتوقف على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وتحرير القدس العربية والمقدسات الإسلامية، وإيجاد تسوية شاملة لقضية شعب فلسطين لاستعادة حقوقه المشروعة والعودة وتقرير مصيره، واسترجاع سيادته على ترابه الوطني حتى يمكن إقرار السلام العادل والدائم الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة ".
وبين أن الأمة العربية أمة مسالمة وصادقة في دعوتها للسلام لكن يجب عليها اتخاذ الحيطة والحذر من غدر العدو الذي لا يريد السلام، وذلك عندما قال:" إن أمتنا العربية أيها الأخوة رغم ما أظهرته من رغبة صادقة في السلام المبني على الحق والعدالة واسترجاع ما أغتصب من أراض عربية، وإعطاء الشعب الفلسطيني الشقيق حقوقه المشروعة، إلا أنه يتعين علينا الحيطة والحذر تجاه عدو غادر لا يؤتمن يتحين بنا الفرص. وأنتم أيها الأخوة يوم يدعو الداعي ستكونون مع أخوة لكم هناك في خط النار لاسترداد ما اغتصب من أراض وما انتهك من مقدسات". " إن الأمة العربية ليست أمة معتدية أو ترغب في الحرب، بل إننا أمة تؤمن بالسلام، ولكننا لا نقبل أن يعتدي علينا أحد، ونحن لا نستهدف غير الوصول إلى حقوقنا المشروعة التي اغتصبها العدو الصهيوني ".
وما فتئ صاحب السمو يؤكد أن دولة الإمارات لن تدخر جهداً في سبيل استرجاع الحقوق العربية المغتصبة، حيث يقول: " إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نعتبر أنفسنا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية وبالتالي فإننا لا ولن نبخل بالمال أو النفس في سبيل أية خطوة من شأنها تعزيز الصمود العربي واستكمال عوامل النصر وتحرير الأراضي المحتلة".
ويقول :" إن معركتنا مع العدو الصهيوني تتطلب استمرار تضافر الجهود العربية والعمل المستمر وحشد الطاقات في كافة المجالات ولذلك فقد قرر ملوك ورؤساء الدول الأربعة المشاركة في الهيئة العربية للتصنيع الحربي أن يبقى الباب مفتوحاً لمن يشاء من الدول العربية .
إن ما ينبغي التركيز عليه هو أنه يتعين علينا أن لا نغرق في التفاؤل، وأن نخطط على أساس ما يفكر فيه العدو، والاعتماد بالدرجة الأولى على قدراتنا الذاتية، وإن كان من غير الإنصاف أو المصلحة أن نصادر أي أمل في احتمالات السلام".
وتـأتي دعوته في الاعتماد على الجهود الذاتية والعمل على مقاومة الصلف الإسرائيلي انطلاقاً من إدراكه العميق لما يفكر فيه العدو، والتي عبر عنها بقوله: " والقضية لم تعد تحتمل خياراً ثالثاً.. ولم يعد أمام العرب إلا المقاومة الصلف الإسرائيلي والاتفاق على الحد الأدنى من العمل العربي الموحد والاعتماد على قدراتنا الذاتية.. لأن العدو لا يكترث لقرارات المنظمات الدولية، ويعلن أنه لن يتقيد بها، ولا يقيم وزناً للرأي العام العالمي، وواجبنا أن نعتمد على أنفسنا وعلى قدراتنا الذاتية العربية والتضامن وحشد الطاقات لمواجهة العدو وهي أنجح السبل للوصول إلى حقوقنا".
وشدد صاحب السمو على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بالسلام وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، فقال: "إن مهمة المجتمع الدولي أن يصل إلى صيغة تفرض على إسرائيل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لأن انهيار آمال السلام أمام الصلف والتعنت الإسرائيلي سيضع دول المنطقة والعالم أمام انفجار الوضع غير المستقر في الشرق الأوسط، وعلينا نحن العرب أيضاً مواصلة إقناع الرأي العام العالمي ومختلف جماعات الضغط في مكان لحرمان إسرائيل من أي تأييد وكشف اتجاهاتها المعادية للسلام".
وأكد سموه أن الاستمرار في إغفال الحقوق العربية من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار العالميين بتعرض منطقة الشرق الأوسط إلى العنف، الأمر الذي يتطلب تحريك عملية السلام بعقد مؤتمر دولي،: " إن استمرار إغفال الحقوق العربية سيؤدي إلى إشعال النار في المنطقة وانهيار السلام والاستقرار العالميين ونعتقد أن المؤتمر الدولي هو الخطوة التي يمكن أن تتخذ لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط ".
وإذا كانت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي من القضايا الأساسية التي استأثرت بتفكير صاحب السمو الشيخ خليفة، وشكلت منطلقات بارزة في سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ذلك يعود إلى ارتباطهما بموضوع أساسي وحيوي يتعلق بالوجود العربي بأسره، ألا وهو الأمن العربي الذي أولاه الشيخ خليفة عناية كبيرة .
عندما اشتعلت الحرب في أكتوبر عام 1973 بين العرب وإسرائيل كان الشيخ / زايد في زيارة للعاصمة البريطانية ، وكان طبيعياً أن تتحرك الدول العربية وتقف إلى جانب شقيقاتها المشتبكة مع العدو الصهيوني .
ولم يتردد الشيخ / زايد لحظة واحدة باتخاذه قراره التاريخي بدعم المعركة القومية حتى آخر فلس في خزينته ، وعندما عجزت خزينته لم يتردد بنخوة العربي وشهامته إن يقترض ملايين الجنيهات الإسترلينية من البنوك الأجنبية في لندن وإرسالها على الفور إلى مصر وسوريا .
كما قام بقطع زيارته للعاصمة البريطانية وعاد ليشارك الأشقاء معركتهم المصيرية ، والوقوف مع دول المواجهة بكل إمكانياته المادية وثقله السياسي .
وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في لندن في أكتوبر 1973 قبل عودته إلى البلاد أكد الشيخ / زايد موقف بلاده في دعم دول المواجهة ، ووقوفه إلى جانبهم بكل وضوح وحسم .
ويومها قال كلمته المشهورة التي تكررها الجماهير في العالم العربي في كل مناسبة سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك ، ليس المال أغلى من الدم العربي وليس النفط أعلى من الدماء العربية التي اختلطت على ارض جبهة القتال في مصر وسوريا .
ووضعت دولة الإمارات العربية المتحدة بتوجيه من الشيخ / زايد الرئيس والقائد كل ثقلها في المعركة فأجهزة الأعلام أعلنت الطوارئ القصوى في أجهزتها المختلفة ، ووجهت كل طاقاتها الإعلامية لدعم المعركة ، وتهيأ جيش الإمارات للتحرك في أي وقت يطلب منه المشاركة الفعلية في القتال ، وفتحت الدولة رسمياً مكاتب للتطوع في المعركة ، وفرضت ضريبة جهاد على التجار ، والشركات العاملة ، فيها ونظمت مكاتب للتبرع الشعبي ، بالإضافة إلى تبرع العاملين فيها بمرتب شهر كامل بمبادرة ذاتية بالإضافة إلى الرصيد الضخم الذي حدده الشيخ / زايد للمعركة وقدره مائة مليون جنية إسترليني لمساندة مصر وسوريا .
ناهيك عن الأرقام التي لا تزال في محيط الكتمان ، فضلاً عن المساعدات العينية التي تمثلت في مستشفيات الميدان الجاهزة ، وعربات الإسعاف ، والمواد الطبية التي قدمت لمصر وسوريا هدية من شعب دولة الإمارات ، وكل ذلك ترجمة لما قاله الشيخ / زايد قبل المعركة : عندما تفتح أفواه المدافع ، سوف نغلق على الفور صنابير البترول ، ولن نكون بعيدين عن المعركة .
اجل لقد كان الشيخ / زايد عند عهده ، وكان حقاً أول حاكم عربي يجسد القدوة ، ويعلن تبرعه للمعركة ، ويحدد موقفه بوضوح ، لقد كان عملاقاً على مستوى معركة العمالقة .
وعندما سئل زايد وقتها من أحد الصحفيين الأجانب ألست خائفاً من الدول الكبرى ، كان رد الشيخ / زايد التاريخي : إن اكثر شئ يخاف عليه الإنسان هو روحه ، وأنا لا أخاف على حياتي ، وسأضحي بكل شئ في سبيل القضية العربية ، إنني رجل مؤمن والمؤمن لا يخاف إلا الله ، وطوال أيام الحرب كان الشيخ / زايد يتابع تطوراتها ساعة بساعة ، واتصل ثاني أيام الحرب بالرئيس أنور السادات وقال له : نحن معكم وربما وجودي هنا يمكنني من اقدم شيئاً للمعركة ، فماذا يمكنني أن اقدم ، ثم اتصل بالرئيس الأسد وقال له : أرجوا ان تحدد سوريا ما الذي تريده دعماً لموقفها ، إن إمكانيات دولة الإمارات كلها في سبيل خدمة المعركة .
واتصل الشيخ / زايد بسفير دولة الإمارات في لندن وطلب منه حجز جميع غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة ، وان يشتري هذا النوع من الغرف من كل أنحاء أوربا ويرسلها فوراً إلى دمشق والقاهرة .
وطلب الشيخ / زايد أن تقدم كافة التسهيلات لرجال الأعلام الذين يريدون زيارة جبهات القتال العربية ، وان تكون جميع نفقاتهم على حسابه الشخصي ، وسافر بالفعل 40 صحفياً إلي دمشق والقاهرة ، لتغطية أخبار المعارك ، ممثلين لأكبر الدور الصحفية في بريطانيا ، وألمانيا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، وإسبانيا .
رغم كل الشعارات باسم الأمة العربية ، والتضامن العربي ، والوعود البراقة التي تبجح بها العراق ، إلا انه في يوم 2 أغسطس من عام 1990 ، استبيحت الكويت بعدوان غاشم من قبل القوات العراقية ، فلذلك وقف الشيخ / زايد وقفة الزعيم الذي لا يساوم ، وصيحة النداء الصادق النقي .
لقد وضع الشيخ / زايد أزمة الخليج في إطارها الصحيح حين أكد موقف دولة الإمارات الرافض للعدوان العراقي المنبوذ وأشار بكل وضوح إلى أن حل الأزمة يتمثل في الانسحاب العراقي التام وغير المشروط من الكويت ، وانه لا بد من عودة الحكم الشرعي بقيادة الأمير / جابر الصباح ، واحترام إرادة الشعب الكويتي ، وتطبيق الإرادة الدولية الجماعية فهي السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة وتجنيب المنطقة والعالم ويلات الحروب .
لقد كان لمواقف الشيخ / زايد الثابتة ، والتزامه بالعهود ، والمواثيق الأخلاقية ، والإنسانية ، والدفاع عنها مهما كانت النتائج والتضحيات ، لهي مميزات إسلامية في قيادته الحكيمة أكدتها التجربة ، ورسختها الممارسة .
فمنذ الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت ، وخلال لقاءات واتصالات الشيخ / زايد بالعديد من القيادات السياسية العربية والصديقة والدولية ، حرص القائد على تأكيد موقف الدولة الثابت في تضامنها مع حكومة وشعب الكويت الشقيق ، ورفضها الاحتلال العراقي ، ودعوتها للانسحاب الكامل ، وغير المشروط وعدم الاعتراف بضم الكويت ، وأية نتائج تترتب على ذلك .
وما أكده زايد بالأمس هو نفسه ما أكده قبل الغزو العراقي للكويت ، وهو نفسه ما يعكس نهج القيادة الحكيمة التي تعتبر الأسرة الخليجية كلا لا يتجزأ ، وأن الدفاع عن الجزء هو الدفاع عن الكل والعكلا صحيح ، لقد قال الشيخ زايد : الكويت هي إحدى الدول التي تشكل الأسرة الخليجية في إطار مجلس التعاون ، فإذا وقعت أي واقعة على الكويت ، فنحن أعضاء المجلس الخليجي للتعاون ككل ، لا نجد من الوقوف معها بداً ، مهما حدث ، فهذا الشيء نعتبره فرضا علينا يمليه واقعنا ، وتقاربنا ، واخوتنا ، نحن جسم واحد ما يصيب أحد أعضائه من ضرر يصيب الآخر ، وكما يواجه الإنسان الخطر عندما يقترب منه ، ويداهمه فان عليه إن يواجه بمثله .
وعندما نفذت كل الحلول وكل الجهود السلمية ، ووصلت جميعها إلى طريق مسدود مع حاكم العراق ، كان لا بد من تحرير الكويت بالقوة ، واعتبر الشيخ / زايد قضية تحرير الكويت قضية مصيرية للمجتمع حيث قال : إن دولة الكويت ستعود حرة كما كانت قبل الاحتلال الغاشم ، لأن قضية تحرير الكويت تعد موقفاً مصيرياً للمجتمع الدولي تأكيداً للمبدأ الذي يقضي بحرمان المعتدي من الاستفادة من عدوانه ، وحرصاً على استقرار المنطقة والشرعية الدولية .
وانطلاقا من مواقف دولة الإمارات العربية المتحدة الثابتة ، والمؤيدة لقضايا الحق ، والعدالة ، وانسجاما مع إرادة المجتمع الدولي ، فقد أكدت دولتنا الفتية بزعامة الشيخ / زايد تأييدها التام للخطوات المتخذة لتلك القرارات الهادفة ، لتحرير الكويت بعد فشل كافة الجهود ، والمساعي التي بذلت من الغزو العراقي لدولة الكويت ، وحتى انتهاء المهلة التي حددتها الأمم المتحدة .
وانطلاقا من وفاء دولة الإمارات العربية المتحدة بعهودها والتزامها بمواثيقها ، فقد استلزم الاعتداء على الكويت الشقيق أن تهب دول الخليج الأخرى شعبا وقيادات ، ومعها شرفاء العرب ، والأصدقاء من دول العالم لتحرير أراضيها ، وهكذا خاضت قواتنا على أرض الكويت الشقيقة معركة التحرير بكفاءة عالية ، وشجاعة نادرة ، ضاربةً في ميدان الشرف ، وساحة القتال أروع البطولات ، والتضحيات المعهودة من أبناء قواتنا البواسل الغيارى على حرمات الدين والوطن ، الذين لبوا نداء الواجب يذودون بأرواحهم ويذودون عن كرامته جبروت الطغاة ، وكيد المتجبرين ، الذين لم يراعوا حرمة الجوار والدم والعقيدة .
إن امتزاج الدم الخليجي في حرب تحرير الكويت قد جعل من الوحدة الخليجية حقيقة مائلة ، وراسخة على أرض الواقع مثلما كانت ماثلة وراسخة من قبل في مشاعر جميع الخليجيين ، فلقد كان الخليجيون جميعهم في قلب هذه المعركة التي أطلق عليها بحق اسم حرب الخليج وكان فيها لكل بلد خليجي أبطال يرفعون أعلام بلادهم ، ويشاركون بسلاحهم في معركة الدفاع عن الحق والعدل .
هذي هي بعض من مواقف الامارات السامية في دعم القضايا العربية والخليجية وليس هذا فحسب فهناك بعض من القضاية العربية الاخرى التي لم انبري لها كالازمة البنانيه عام
1975 وما أعقبها من افرازات وتداعيات ، دعمها المطلق لسلامة لبنان ووحدة أرضيه وسيادته وعروبته .
ولم يكن لدولة الامارات الدعم للقضايا العربية فكان للبوسنة والهرسك نصيب من دعم الامارات لها فحظيت قضية البوسنة والهرسك منذ تفجرها باهتمام بالغ من صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة ، وحكومة ، وشعب دولة الإمارات ، حيث كانت دولة الإمارات في مقدمة الدول التي اتخذت مواقف مبدئية واضحة ، في مساندة ودعم شعب البوسنة ، ضد الجرائم والاعتداءات الصربية عليه ، كما نددت بسلبية مواقف الدول الكبرى ، والأمم المتحدة في معالجة هذه القضية .
كما كانت دولة الإمارات من أولى الدول التي هبت لمساعدة شعب البوسنة بإرسال العديد من شحنات الإغاثة من المواد الغذائية ، والطبية ، وأستقلبت أفواجاً من الجرحى لعلاجهم بمستشفيات الدولة ، وكذلك تكفلت بإقامة العشرات من العائلات في شقق مجهزة بالكامل ووفرت لهم فرص العمل ، وفتحت أبواب المدارس والمعاهد لابنائهم .
وتجسيداً لهذا التوجه نظمت الدولة يوماً مكرساً للبوسنة في الدولة هو يوم 28 يوليو 1995 ، حيث نظمت هذا اليوم وزارة الأعلام والثقافة بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر ، لجمع التبرعات لصالح مسلمي البوسنة والهرسك ، بالإضافة إلى إبراز البعد السياسي لهذه الأزمة .
وقد دعا صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدول في هذا اليوم المواطنيين والمقيمين من أبناء الدول العربية والإسلامية ، لمساعدة ونصرة شعب البوسنة وقال : إنني على ثقة من إن أبناء شعب الإمارات بكل فئاته وكذلك أبناء الدول العربية والإسلامية وكل من ينتصر للحق ، والعدل ، والإنسانية سيقومون بواجبهم ويتجاوبون مع هذا النداء ، لجمع التبرعات النقدية ، والعينية ، وتقديم كل ما لديهم ، لتخفيف المعاناة عن شعب البوسنة إحقاقا للحق وردعا للظلم .
. وطالب صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة الدول الكبرى ، مجدداً بتحمل مسؤولياتها التاريخية ، وبألا تقف موقف المتفرج ، وقال سموه إن المأساة التي ترتكب بحق شعب البوسنة وكل الأزمات المماثلة ، هي بالدرجة الأولى مسؤولية الدول العظمى التي تتشدق بحماية حقوق الإنسان والعدالة .
وهذا ماكان في جعبتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقد تركت تصريحات صاحب السمو في مجال تعزيز التعاون العربي , وجهوده المخلصة لدعم التنمية في الأقطار العربية , والدفاع عن القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية منهجا واضح المعالم على طريق المستقبل العربي الذي لا يمكن أن يكون مستقبلا زاهرا بدون الوحدة العربية , ونبذ الفرقة والانقسام , أو كما قال صاحب السمو الشيخ زايد في الجلسة الافتتاحية لندوة "المستقبل العربي" يوم 2 نوفمبر 1997 : "كيف سنواجه عالم الغد ونحن مبعثرون تتهددنا الأزمات ولانقسامات والخلافات في نظام عالمي لا مكان فيه للكيانات الصغيرة مهما أوتيت من عوامل القوة والثروة ... إن تفرقتنا وانقاسمنا مصدر قوة للخصم المعتدي والغاصب الذي لا يزال يعبث بمقدساتنا الإسلامية في أرض الإسراء والمعراج , ويدوس على كرامة أبنائنا في الأرض المحتلة غير عابئ بالمواثيق والقرارات الدولية , متنصلا مما التزم به تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط وممعنا في سياسة فرض الأمر الواقع في الأراضي العربية المحتلة".
وأكد سموه في الرسالة التي بعث بها للمشاركين في هذه الندوة بتاريخ 31 أكتوبر 1997 حرصه على العمل من أجل تحقيق الوحدة العربية , والتزامه بتحرير المقدسات الإسلامية حين قال :"يعلم الله أن وحدة هذه الأمة والرغبة في عودة تضامننا همي الذي يشغل بالي , ويقض مضجعي , وأحرص كل الحرص لإزالة هذا الخلاف من ساحتنا العربية , ليعود لأمتنا ما نرجوه ونبتغيه من مجدها وقوتها , وأنا على يقين تام مهما عظمت الخلافات فإن لنا من أسباب التقارب والألفة ما يمكننا من أن ندعو للم الشمل وتوحيد الصف . ونحن بحمد الله واثقون في أن يكون لندائنا إجابة صادقة من إخواننا أبناء أمتنا العربية وقياداتها من أجل غاية كبيرة تنتظرنا جميعا , نطوق بها أعناقنا , وهي تحرير مقدساتنا الإسلامية التي ترزح تحت الاغتصاب" .
وقد كان هذا المنهج الذي أرسى دعائمه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة في التفكير بالقضايا العربية، والعمل على تعزيز روح التضامن بين الأشقاء من أجل انتزاع الحقوق العربية المغتصبة، واكتساب الاحترام بين الأمم النبراس الذي أضاء الطريق لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي استلهم كغيره من أبناء هذه الأمة الأحاسيس الصادقة والحكمة العميقة والتفكير المستنير لسمو الوالد، وآمن بالمنهج القويم الذي رسمه من أجل رفاهية هذه الأمة وعزتها وشموخها، فقال :"وليكن لنا في صاحب السمو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى الذي آمن بالاتحاد وأعطاه بلا حدود المثل والقدوة الحسنة، ونقول له من أعماق قلوب تفيض منها مشاعر الولاء والعرفان وتتدفق منها الأحاسيس المليئة بالحب... نحن معك على الدرب سائرون بخطى ثابتة لنحقق لهذا الوطن العزيز كل أمانيه في العزة".
وقرن صاحب السمو الشيخ خليفة القول بالعمل، فاتخذ من توجيهات سمو الوالد برنامج عمل دؤوب لدفع التعاون العربي، ومعايشة قضايا وهموم الأمة من المحيط إلى الخليج، فعمل من خلال مؤسسات الإمارات العربية المتحدة على دفع عجلة التنمية في الأقطار العربية عن طريق مشاريع التعاون الثنائي، والمساعدات السخية، ومن خلال الاتصالات سعى إلى رأب الصدع بين الأشقاء وبناء علاقات عربية عربية يسودها الاحترام المتبادل، وتقودها المصلحة الجماعية لرقي الأمة العربية، واسترجاع مكانتها في التاريخ، وكانت قضية فلسطين، باعتبارها قضية الأمة الأساسية، حاضرة في كل مباحثاته مع الدول والفاعلين السياسيين دفاعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتشبثا بحقوق العرب والمسلمين باسترجاع أرضهم ومقدساً تهم التي يصر الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في اغتصابها، غير عابئ بالقرارات الدولية، ومبادئ العدل والسلام.
وإذا كان دور سموه في تعزيز التضامن العربي أكبر وأعمق من أن يشمله كتاب واحد، أو يحيط به باحث، فإن تلمس أبعاد ذلك الدور وأسسه العامة ليس شهادة تاريخية تسترشد بها أجيال المستقبل فحسب، وإنما هو منهج واضح المعالم يعطي لأبناء الحاضر السبل والكيفيات التي تمكن هذه الأمة من مواجه كافة التحديات، والعمل بجد على استعادة المكانة التاريخية.
انطلاقاً من الموقف الثابت لدولة الإمارات العربية الداعم للقضية الفلسطينية ، ونضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية وإقامة دولته المستقلة ، رحبت الدولة بالدعوة إلى انعقاد مؤتمر مدريد للسلام إلى جانب تأييدها للمفاوضات الجارية بين الأطراف المعنية في أطر ذلك المؤتمر ، والقائمة على أسس الشرعية الدولية والمتمثلة في قرارات الأمم المتحدة وخاصة قراري مجلس الأمن 242 لعام 1967 ، و338 لعام 1973 ، ومبدأ الأرض مقابل السلام .
وفي إطار هذا النهج أكدت دولة الإمارات دعمها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، واسترداده لحقوقه المشروعة ، كما أكد صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان دعم الإمارات للاتفاق الذي توصلت إليه منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل ، من اجل تحقيق الأهداف ، والمصالح العربية الفلسطينية المنشودة ، معرباً عن أمله في أن يكون هذا الاتفاق الخطوة الصحيحة على الطريق الصحيح .
وقد أكد معالي راشد عبدالله وزير الخارجية في كلمته أمام الأمم المتحدة في أكتوبر من عام 1995 ، أن تنفيذ هذه الاتفاقيات من قبل الحكومة الإسرائيلية ، يعتبر خطوة هامة ، وأساسية في سبيل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير ، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني ، أسوة بباقي شعوب العالم .
كما إن دولة الإمارات ترى إن تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط يقتضي إحراز تقدم ملموس على المسارين السوري ، واللبناني ، الأمر الذي يتطلب جهداً دولياً أكبر . وخاصة من قبل راعيي مؤتمر السلام ، لحمل الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ تعهداتها والتزاماتها في إطار مبدأ الأرض مقابل السلام ، وقرارات مجلس الأمن الدولي 242 ، و 338 ، و 425 ، القاضية بالانسحاب الإسرائيلي الكامل ، غير المشروط من كافة الأراضي الفلسطينية ، والعربية المحتلة ، بما في ذلك مدينة القدس الشريف ، والجولان السوري .
ولم يتوقف دعم دولة الإمارات العربية المتحدة للقضية الفلسطينية ، عند حدود معينة حيث كانت في طليعة الدول التي دعمت قضية القدس ، وساندت صمود المدينة المقدسة ، ووقفت في وجه المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهويدها ، ومصادرة أراضيها ، كما نددت بشدة بقرار الكونغرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس .
وقد أعلن صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان عند استقباله الوفود المشاركة في مهرجان من أجلك يا قدس ، الذي أقيم في المجمع الثقافي في أبوظبي ، في 31 أكتوبر 1995 ، إن دعمنا للشعب الفلسطيني سيستمر حتى يحقق هذا الشعب طموحه في إقامة دولته المستقلة ، كلاائر إخوانه في الوطن العربي .
كما أعرب سموه عن استعداده لتقديم أي مساعدة يطلبها الاخوة الفلسطينيون من اجل بناء وطنهم مؤكداً سموه انه سيقدم كل عون لما تحتاجه مدينة القدس الشريف فهي أحق بالدعم والمساندة من غيرها .
كما قرر صاحب السمو رئيس الدولة تمويل إقامة عدد من المشروعات السكنية التي تحمل اسمه في مدينة القدس ، وكذلك عدد من مشاريع الترميم في المدينة ، وقد أعلن ذلك سمو الشيخ / عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الأعلام في افتتاح المهرجان ، وقال : إن صاحب السمو رئيس الدولة أمر كذلك مؤسسة زايد للأعمال الخيرية وجمعية الهلال الأحمر بالدولة بتلبية المتطلبات الطبية ، والتعليمية ، والاجتماعية ، لسكان القدس المحتلة ، وتوفير ما يلزم لدعم المؤسسات المعنية بهذه النشاطات حتى يتسنى للمدينة المقدسة الصمود في وجه محاولات التهويد المستمرة .
وإيمانا منها بالوضعية الدينية ، والحضارية ، والإنسانية الخاصة لمدينة القدس ، سارعت دولة الإمارات فور صدور قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بنهاية شهر مايو عام 1999 ، بالتنديد بهذا القرار واعتبرته صدمة كبيرة ، لانه يشكل انحيازاً صارخاً لجانب إسرائيل ، مؤكدة انه يضعف إلى حد كبير مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى ، وكأحد راعيي السلام في الشرق الأوسط ، كما انه يهدد بتقويض دعائم السلم في المنطقة .
وقال صاحب السمو الشيخ / حمدان بن زايد آل نهيان وزير الدولة للشؤون الخارجية إن هذا القرار يعتبر تحدياً سافراً لمشاعر الأمة الإسلامية جمعاء ، لان مدينة القدس لها وضعية دينية وحضارية ، وإنسانية خاصة وهي محل اهتمام جميع الأديان السماوية ، ولهذا فان وضعها النهائي يجب أن لا يحدد من قبل طرف واحد .
وأعرب سموه عن أمله في أن تستمر الإدارة الأمريكية في دورها الحيادي كشريك نزيه ، وفعال في مسيرة السلام للمساهمة في الوصول إلى حل شامل ، وعادل ، ودائم للصراع العربي الإسرائيلي .
كما بذلت دولة الإمارات جهوداً حثيثة خلال توليها رئاسة مجلس جامعة الدول العربية من اجل استصدار قرار من مجلس الأمن ، يدين الحكومة الإسرائيلية لمصادرتها 52 هكتاراً من أراضي القدس الشرقية ، لإقامة مستوطنات عليها .
وقد طلبت دولة الإمارات عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن ، لاعتماد مشروع القرار المقدم من دول حركة عدم الانحياز الأعضاء في مجلس الأمن ، والذي يدعو إلى إلغاء قرار المصادرة ، وحين استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض ضد مشروع القرار ، أعربت دولة الإمارات عن أسفها واستغرابها للموقف السلبي للولايات المتحدة .
تمثل القضية الفلسطينية بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة حجر الزاوية في العمل العربي المشترك، وتضعها على رأس أولوياتها في علاقاتها بمختلف دول العالم، كما سبقت الإشارة، وقد بذل صاحب السمو الشيخ خليفة جهوداً مشهودة في هذا المجال، وصدرت عنه تصريحات رافقت مختلف أبعاد هذه القضية ومراحلها، باعتبارها قضية كل العرب، وكما قال سموه: "إن دولة الإمارات العربية هي جزء من الوطن العربي، وقضية الشعب الفلسطيني المناضل هي قضيتنا والأرض هي أرضنا والعدو هو عدونا .
ونحن ندرك موقفنا في المواجهة مع العدو، والذي لا تقف أطماعه عند حد أو قيد، وسيستمر دعمنا لنضال الشعب الفلسطيني بلا حدود تكريماً لوحدة الهدف ووحدة المصير، ونحن نرفض دائماً الإعلان عن أشكال هذا الدعم؛ لأن قناعتنا هي أن ما نقوم به هو ما يفرضه علينا الواجب والنخوة العربية الأصيلة، وتعاليم الدين الحنيف، والمصلحة العليا لأمتنا من أجل استرداد وتحرير الأرض واستعادة الحقوق المشروعة ".
وقال في مناسبة أخرى مؤكداً دعم الإمارات للمقاومة الفلسطينية :" بالنسبة لقضية فلسطين .. قضيتنا وقضية العرب الكبرى .. فإن دولة الإمارات وقفت بكل ثقلها إلى جانب المقاومة الفلسطينية، قدمت كل أشكال الدعم لها وسنواصل هذا الواجب القومي حتى يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة في أرضه ودياره ".
ولم يفت صاحب السمو أن يشير إلى أن وضع الإمارات الجغرافي لا يمنعها من معايشة القضية الفلسطينية عندما قال:" تفصلنا مئات الأميال عن الأرض العربية المحتلة إلا أننا نقف في الواقع على خط المواجهة، لأن الأرض هي أرضنا وكل شبر فيها عزيز علينا .. وعدو العرب في كل مكان هو عدونا ".
لذلك أقامت دولة الإمارات مشاريعها الداخلية بناء على أن عدو العرب هو عدو لها، كما قال سموه: " إن دولة الإمارات العربية المتحدة كما قال سمو الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لا تتسلح لمباشرة العدوان وإنما تفعل ذلك لأنها تؤمن بأن الضعف يغري بالعدوان كما أن القوة شرط لتدعيم السلام. إن الأمة العربية في صراعها ضد إسرائيل تخوض معركة شرسة ضد عدو غادر ينتهج ضدنا كافة الممارسات البربرية والأساليب اللاأخلاقية ".
وحين حاول البعض – مناصرة لإسرائيل – ربط المقاومة المشروعة بالإرهاب كان لصاحب السمو موقف صريح، حيث أكد أن "دول مجلس التعاون بحكم ميراثها الإسلامي والحضاري الذي تمتد جذوره في تاريخنا إلى مئات السنين الماضية ترفض وتدين أعمال الإرهاب في مختلف أشكاله وصوره لأن الأعمال اللامسؤولة تتنافى والأعراف والمواثيق الدولية، وكذلك الأخلاق والقيم ومفاهيم الحضارة الإسلامية .
على أنه ينبغي أن يفرق العالم تفرقة واضحة بين تلك الأعمال اللامسؤولة وأعمال النضال المشروع ضد المغتصب لحقوق المناضلين، كأن تحاول بعض الدول التي تتعاطف مع إسرائيل إلصاق تهم الإرهاب المرفوضة بالإنسان العربي".
وقد انطلقت رؤية صاحب السمو للسلام في الشرق الأوسط من حقائق التاريخ ومبادئ العدل وروح القرارات الدولية، فأكد "أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط يقوم على حل قضية فلسطين حلاً عادلاً، يتضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في العودة إلى وطنه، وإقامة دولته المستقلة وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية وفي طليعتها القدس الشريف ".
بل أوضح " أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط يتوقف على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة، وتحرير القدس العربية والمقدسات الإسلامية، وإيجاد تسوية شاملة لقضية شعب فلسطين لاستعادة حقوقه المشروعة والعودة وتقرير مصيره، واسترجاع سيادته على ترابه الوطني حتى يمكن إقرار السلام العادل والدائم الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة ".
وبين أن الأمة العربية أمة مسالمة وصادقة في دعوتها للسلام لكن يجب عليها اتخاذ الحيطة والحذر من غدر العدو الذي لا يريد السلام، وذلك عندما قال:" إن أمتنا العربية أيها الأخوة رغم ما أظهرته من رغبة صادقة في السلام المبني على الحق والعدالة واسترجاع ما أغتصب من أراض عربية، وإعطاء الشعب الفلسطيني الشقيق حقوقه المشروعة، إلا أنه يتعين علينا الحيطة والحذر تجاه عدو غادر لا يؤتمن يتحين بنا الفرص. وأنتم أيها الأخوة يوم يدعو الداعي ستكونون مع أخوة لكم هناك في خط النار لاسترداد ما اغتصب من أراض وما انتهك من مقدسات". " إن الأمة العربية ليست أمة معتدية أو ترغب في الحرب، بل إننا أمة تؤمن بالسلام، ولكننا لا نقبل أن يعتدي علينا أحد، ونحن لا نستهدف غير الوصول إلى حقوقنا المشروعة التي اغتصبها العدو الصهيوني ".
وما فتئ صاحب السمو يؤكد أن دولة الإمارات لن تدخر جهداً في سبيل استرجاع الحقوق العربية المغتصبة، حيث يقول: " إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نعتبر أنفسنا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية وبالتالي فإننا لا ولن نبخل بالمال أو النفس في سبيل أية خطوة من شأنها تعزيز الصمود العربي واستكمال عوامل النصر وتحرير الأراضي المحتلة".
ويقول :" إن معركتنا مع العدو الصهيوني تتطلب استمرار تضافر الجهود العربية والعمل المستمر وحشد الطاقات في كافة المجالات ولذلك فقد قرر ملوك ورؤساء الدول الأربعة المشاركة في الهيئة العربية للتصنيع الحربي أن يبقى الباب مفتوحاً لمن يشاء من الدول العربية .
إن ما ينبغي التركيز عليه هو أنه يتعين علينا أن لا نغرق في التفاؤل، وأن نخطط على أساس ما يفكر فيه العدو، والاعتماد بالدرجة الأولى على قدراتنا الذاتية، وإن كان من غير الإنصاف أو المصلحة أن نصادر أي أمل في احتمالات السلام".
وتـأتي دعوته في الاعتماد على الجهود الذاتية والعمل على مقاومة الصلف الإسرائيلي انطلاقاً من إدراكه العميق لما يفكر فيه العدو، والتي عبر عنها بقوله: " والقضية لم تعد تحتمل خياراً ثالثاً.. ولم يعد أمام العرب إلا المقاومة الصلف الإسرائيلي والاتفاق على الحد الأدنى من العمل العربي الموحد والاعتماد على قدراتنا الذاتية.. لأن العدو لا يكترث لقرارات المنظمات الدولية، ويعلن أنه لن يتقيد بها، ولا يقيم وزناً للرأي العام العالمي، وواجبنا أن نعتمد على أنفسنا وعلى قدراتنا الذاتية العربية والتضامن وحشد الطاقات لمواجهة العدو وهي أنجح السبل للوصول إلى حقوقنا".
وشدد صاحب السمو على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بالسلام وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، فقال: "إن مهمة المجتمع الدولي أن يصل إلى صيغة تفرض على إسرائيل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لأن انهيار آمال السلام أمام الصلف والتعنت الإسرائيلي سيضع دول المنطقة والعالم أمام انفجار الوضع غير المستقر في الشرق الأوسط، وعلينا نحن العرب أيضاً مواصلة إقناع الرأي العام العالمي ومختلف جماعات الضغط في مكان لحرمان إسرائيل من أي تأييد وكشف اتجاهاتها المعادية للسلام".
وأكد سموه أن الاستمرار في إغفال الحقوق العربية من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار العالميين بتعرض منطقة الشرق الأوسط إلى العنف، الأمر الذي يتطلب تحريك عملية السلام بعقد مؤتمر دولي،: " إن استمرار إغفال الحقوق العربية سيؤدي إلى إشعال النار في المنطقة وانهيار السلام والاستقرار العالميين ونعتقد أن المؤتمر الدولي هو الخطوة التي يمكن أن تتخذ لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط ".
وإذا كانت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي من القضايا الأساسية التي استأثرت بتفكير صاحب السمو الشيخ خليفة، وشكلت منطلقات بارزة في سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ذلك يعود إلى ارتباطهما بموضوع أساسي وحيوي يتعلق بالوجود العربي بأسره، ألا وهو الأمن العربي الذي أولاه الشيخ خليفة عناية كبيرة .
عندما اشتعلت الحرب في أكتوبر عام 1973 بين العرب وإسرائيل كان الشيخ / زايد في زيارة للعاصمة البريطانية ، وكان طبيعياً أن تتحرك الدول العربية وتقف إلى جانب شقيقاتها المشتبكة مع العدو الصهيوني .
ولم يتردد الشيخ / زايد لحظة واحدة باتخاذه قراره التاريخي بدعم المعركة القومية حتى آخر فلس في خزينته ، وعندما عجزت خزينته لم يتردد بنخوة العربي وشهامته إن يقترض ملايين الجنيهات الإسترلينية من البنوك الأجنبية في لندن وإرسالها على الفور إلى مصر وسوريا .
كما قام بقطع زيارته للعاصمة البريطانية وعاد ليشارك الأشقاء معركتهم المصيرية ، والوقوف مع دول المواجهة بكل إمكانياته المادية وثقله السياسي .
وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في لندن في أكتوبر 1973 قبل عودته إلى البلاد أكد الشيخ / زايد موقف بلاده في دعم دول المواجهة ، ووقوفه إلى جانبهم بكل وضوح وحسم .
ويومها قال كلمته المشهورة التي تكررها الجماهير في العالم العربي في كل مناسبة سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك ، ليس المال أغلى من الدم العربي وليس النفط أعلى من الدماء العربية التي اختلطت على ارض جبهة القتال في مصر وسوريا .
ووضعت دولة الإمارات العربية المتحدة بتوجيه من الشيخ / زايد الرئيس والقائد كل ثقلها في المعركة فأجهزة الأعلام أعلنت الطوارئ القصوى في أجهزتها المختلفة ، ووجهت كل طاقاتها الإعلامية لدعم المعركة ، وتهيأ جيش الإمارات للتحرك في أي وقت يطلب منه المشاركة الفعلية في القتال ، وفتحت الدولة رسمياً مكاتب للتطوع في المعركة ، وفرضت ضريبة جهاد على التجار ، والشركات العاملة ، فيها ونظمت مكاتب للتبرع الشعبي ، بالإضافة إلى تبرع العاملين فيها بمرتب شهر كامل بمبادرة ذاتية بالإضافة إلى الرصيد الضخم الذي حدده الشيخ / زايد للمعركة وقدره مائة مليون جنية إسترليني لمساندة مصر وسوريا .
ناهيك عن الأرقام التي لا تزال في محيط الكتمان ، فضلاً عن المساعدات العينية التي تمثلت في مستشفيات الميدان الجاهزة ، وعربات الإسعاف ، والمواد الطبية التي قدمت لمصر وسوريا هدية من شعب دولة الإمارات ، وكل ذلك ترجمة لما قاله الشيخ / زايد قبل المعركة : عندما تفتح أفواه المدافع ، سوف نغلق على الفور صنابير البترول ، ولن نكون بعيدين عن المعركة .
اجل لقد كان الشيخ / زايد عند عهده ، وكان حقاً أول حاكم عربي يجسد القدوة ، ويعلن تبرعه للمعركة ، ويحدد موقفه بوضوح ، لقد كان عملاقاً على مستوى معركة العمالقة .
وعندما سئل زايد وقتها من أحد الصحفيين الأجانب ألست خائفاً من الدول الكبرى ، كان رد الشيخ / زايد التاريخي : إن اكثر شئ يخاف عليه الإنسان هو روحه ، وأنا لا أخاف على حياتي ، وسأضحي بكل شئ في سبيل القضية العربية ، إنني رجل مؤمن والمؤمن لا يخاف إلا الله ، وطوال أيام الحرب كان الشيخ / زايد يتابع تطوراتها ساعة بساعة ، واتصل ثاني أيام الحرب بالرئيس أنور السادات وقال له : نحن معكم وربما وجودي هنا يمكنني من اقدم شيئاً للمعركة ، فماذا يمكنني أن اقدم ، ثم اتصل بالرئيس الأسد وقال له : أرجوا ان تحدد سوريا ما الذي تريده دعماً لموقفها ، إن إمكانيات دولة الإمارات كلها في سبيل خدمة المعركة .
واتصل الشيخ / زايد بسفير دولة الإمارات في لندن وطلب منه حجز جميع غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة ، وان يشتري هذا النوع من الغرف من كل أنحاء أوربا ويرسلها فوراً إلى دمشق والقاهرة .
وطلب الشيخ / زايد أن تقدم كافة التسهيلات لرجال الأعلام الذين يريدون زيارة جبهات القتال العربية ، وان تكون جميع نفقاتهم على حسابه الشخصي ، وسافر بالفعل 40 صحفياً إلي دمشق والقاهرة ، لتغطية أخبار المعارك ، ممثلين لأكبر الدور الصحفية في بريطانيا ، وألمانيا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، وإسبانيا .
رغم كل الشعارات باسم الأمة العربية ، والتضامن العربي ، والوعود البراقة التي تبجح بها العراق ، إلا انه في يوم 2 أغسطس من عام 1990 ، استبيحت الكويت بعدوان غاشم من قبل القوات العراقية ، فلذلك وقف الشيخ / زايد وقفة الزعيم الذي لا يساوم ، وصيحة النداء الصادق النقي .
لقد وضع الشيخ / زايد أزمة الخليج في إطارها الصحيح حين أكد موقف دولة الإمارات الرافض للعدوان العراقي المنبوذ وأشار بكل وضوح إلى أن حل الأزمة يتمثل في الانسحاب العراقي التام وغير المشروط من الكويت ، وانه لا بد من عودة الحكم الشرعي بقيادة الأمير / جابر الصباح ، واحترام إرادة الشعب الكويتي ، وتطبيق الإرادة الدولية الجماعية فهي السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة وتجنيب المنطقة والعالم ويلات الحروب .
لقد كان لمواقف الشيخ / زايد الثابتة ، والتزامه بالعهود ، والمواثيق الأخلاقية ، والإنسانية ، والدفاع عنها مهما كانت النتائج والتضحيات ، لهي مميزات إسلامية في قيادته الحكيمة أكدتها التجربة ، ورسختها الممارسة .
فمنذ الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت ، وخلال لقاءات واتصالات الشيخ / زايد بالعديد من القيادات السياسية العربية والصديقة والدولية ، حرص القائد على تأكيد موقف الدولة الثابت في تضامنها مع حكومة وشعب الكويت الشقيق ، ورفضها الاحتلال العراقي ، ودعوتها للانسحاب الكامل ، وغير المشروط وعدم الاعتراف بضم الكويت ، وأية نتائج تترتب على ذلك .
وما أكده زايد بالأمس هو نفسه ما أكده قبل الغزو العراقي للكويت ، وهو نفسه ما يعكس نهج القيادة الحكيمة التي تعتبر الأسرة الخليجية كلا لا يتجزأ ، وأن الدفاع عن الجزء هو الدفاع عن الكل والعكلا صحيح ، لقد قال الشيخ زايد : الكويت هي إحدى الدول التي تشكل الأسرة الخليجية في إطار مجلس التعاون ، فإذا وقعت أي واقعة على الكويت ، فنحن أعضاء المجلس الخليجي للتعاون ككل ، لا نجد من الوقوف معها بداً ، مهما حدث ، فهذا الشيء نعتبره فرضا علينا يمليه واقعنا ، وتقاربنا ، واخوتنا ، نحن جسم واحد ما يصيب أحد أعضائه من ضرر يصيب الآخر ، وكما يواجه الإنسان الخطر عندما يقترب منه ، ويداهمه فان عليه إن يواجه بمثله .
وعندما نفذت كل الحلول وكل الجهود السلمية ، ووصلت جميعها إلى طريق مسدود مع حاكم العراق ، كان لا بد من تحرير الكويت بالقوة ، واعتبر الشيخ / زايد قضية تحرير الكويت قضية مصيرية للمجتمع حيث قال : إن دولة الكويت ستعود حرة كما كانت قبل الاحتلال الغاشم ، لأن قضية تحرير الكويت تعد موقفاً مصيرياً للمجتمع الدولي تأكيداً للمبدأ الذي يقضي بحرمان المعتدي من الاستفادة من عدوانه ، وحرصاً على استقرار المنطقة والشرعية الدولية .
وانطلاقا من مواقف دولة الإمارات العربية المتحدة الثابتة ، والمؤيدة لقضايا الحق ، والعدالة ، وانسجاما مع إرادة المجتمع الدولي ، فقد أكدت دولتنا الفتية بزعامة الشيخ / زايد تأييدها التام للخطوات المتخذة لتلك القرارات الهادفة ، لتحرير الكويت بعد فشل كافة الجهود ، والمساعي التي بذلت من الغزو العراقي لدولة الكويت ، وحتى انتهاء المهلة التي حددتها الأمم المتحدة .
وانطلاقا من وفاء دولة الإمارات العربية المتحدة بعهودها والتزامها بمواثيقها ، فقد استلزم الاعتداء على الكويت الشقيق أن تهب دول الخليج الأخرى شعبا وقيادات ، ومعها شرفاء العرب ، والأصدقاء من دول العالم لتحرير أراضيها ، وهكذا خاضت قواتنا على أرض الكويت الشقيقة معركة التحرير بكفاءة عالية ، وشجاعة نادرة ، ضاربةً في ميدان الشرف ، وساحة القتال أروع البطولات ، والتضحيات المعهودة من أبناء قواتنا البواسل الغيارى على حرمات الدين والوطن ، الذين لبوا نداء الواجب يذودون بأرواحهم ويذودون عن كرامته جبروت الطغاة ، وكيد المتجبرين ، الذين لم يراعوا حرمة الجوار والدم والعقيدة .
إن امتزاج الدم الخليجي في حرب تحرير الكويت قد جعل من الوحدة الخليجية حقيقة مائلة ، وراسخة على أرض الواقع مثلما كانت ماثلة وراسخة من قبل في مشاعر جميع الخليجيين ، فلقد كان الخليجيون جميعهم في قلب هذه المعركة التي أطلق عليها بحق اسم حرب الخليج وكان فيها لكل بلد خليجي أبطال يرفعون أعلام بلادهم ، ويشاركون بسلاحهم في معركة الدفاع عن الحق والعدل .
هذي هي بعض من مواقف الامارات السامية في دعم القضايا العربية والخليجية وليس هذا فحسب فهناك بعض من القضاية العربية الاخرى التي لم انبري لها كالازمة البنانيه عام
1975 وما أعقبها من افرازات وتداعيات ، دعمها المطلق لسلامة لبنان ووحدة أرضيه وسيادته وعروبته .
ولم يكن لدولة الامارات الدعم للقضايا العربية فكان للبوسنة والهرسك نصيب من دعم الامارات لها فحظيت قضية البوسنة والهرسك منذ تفجرها باهتمام بالغ من صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة ، وحكومة ، وشعب دولة الإمارات ، حيث كانت دولة الإمارات في مقدمة الدول التي اتخذت مواقف مبدئية واضحة ، في مساندة ودعم شعب البوسنة ، ضد الجرائم والاعتداءات الصربية عليه ، كما نددت بسلبية مواقف الدول الكبرى ، والأمم المتحدة في معالجة هذه القضية .
كما كانت دولة الإمارات من أولى الدول التي هبت لمساعدة شعب البوسنة بإرسال العديد من شحنات الإغاثة من المواد الغذائية ، والطبية ، وأستقلبت أفواجاً من الجرحى لعلاجهم بمستشفيات الدولة ، وكذلك تكفلت بإقامة العشرات من العائلات في شقق مجهزة بالكامل ووفرت لهم فرص العمل ، وفتحت أبواب المدارس والمعاهد لابنائهم .
وتجسيداً لهذا التوجه نظمت الدولة يوماً مكرساً للبوسنة في الدولة هو يوم 28 يوليو 1995 ، حيث نظمت هذا اليوم وزارة الأعلام والثقافة بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر ، لجمع التبرعات لصالح مسلمي البوسنة والهرسك ، بالإضافة إلى إبراز البعد السياسي لهذه الأزمة .
وقد دعا صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدول في هذا اليوم المواطنيين والمقيمين من أبناء الدول العربية والإسلامية ، لمساعدة ونصرة شعب البوسنة وقال : إنني على ثقة من إن أبناء شعب الإمارات بكل فئاته وكذلك أبناء الدول العربية والإسلامية وكل من ينتصر للحق ، والعدل ، والإنسانية سيقومون بواجبهم ويتجاوبون مع هذا النداء ، لجمع التبرعات النقدية ، والعينية ، وتقديم كل ما لديهم ، لتخفيف المعاناة عن شعب البوسنة إحقاقا للحق وردعا للظلم .
. وطالب صاحب السمو الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة الدول الكبرى ، مجدداً بتحمل مسؤولياتها التاريخية ، وبألا تقف موقف المتفرج ، وقال سموه إن المأساة التي ترتكب بحق شعب البوسنة وكل الأزمات المماثلة ، هي بالدرجة الأولى مسؤولية الدول العظمى التي تتشدق بحماية حقوق الإنسان والعدالة .
وهذا ماكان في جعبتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته