منتدى طلاب القرم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى طلاب القرم

منتدى دراسي

يرجى من الاعضاء ان ارادوا تحميل اي ملف يرجى رفعه من 4 شيرد
نتمنى للطلاب قضاء عطلة ممتعة
ان شاء الله قضيتو عطلة ممتعة وحان دور العودة الى المدارس

    الشاعر معين بسيسو

    ali osaily
    ali osaily
    عضو مميز


    الابراج : السمك عدد المساهمات : 121
    نقاط : 351
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 24/03/2010
    العمر : 30
    الموقع : المصفح

    الشاعر معين بسيسو Empty الشاعر معين بسيسو

    مُساهمة  ali osaily الأربعاء أبريل 28, 2010 8:49 pm

    الشاعر معين بسيسو



    نبذة

    ولد معين بسيسو في مدينة غزة بفلسطين عام 1926 ، أنهى علومه الابتدائية والثانوية في كلية غزة عام 1948 .
    بدأ النشر في مجلة " الحرية " اليافاوية ونشر فيها أول قصائده عام 1946 ، التحق سنة 1948 بالجامعة الأمريكية في القاهرة ، وتخرج عام 1952 من قسم الصحافة وكان موضوع رسالته " الكلمة المنطوقة و المسموعة في برامج إذاعة الشرق الأدنى " وتدور حول الحدود الفاصلة بين المذياع والتلفزيون من جهة والكلمة المطبوعة في الصحيفة من جهة أخرى .
    انخرط في العمل الوطني والديمقراطي مبكرا، وعمل في الصحافة والتدريس .
    وفي 27 كانون الثاني ( يناير ) 1952 نشر ديوانه الأول ( المعركة ) .
    سجن في المعتقلات المصرية بين فترتين الأولى من 1955 إلى 1957 والثانية من 1959 إلى 1963 .
    أغنى المكتبة الشعرية الفلسطينية والعربية بأعماله التالية :

    أعماله الشعرية :

    المسافر (1952م).

    المعركة (دار الفن الحديث، القاهرة، 1952م).

    الأردن على الصليب (دار الفكر العربي، القاهرة، 1958م).

    قصائد مصريّة / بالاشتراك (دار الآداب، بيروت، 1960م).

    فلسطين في القلب (دار الآداب، بيروت، 1960م).

    مارد من السنابل (دار الكاتب العربي ، القاهرة، 1967م).

    الأشجار تموت واقفة / شعر (دار الآداب، بيروت، 1964م).

    كرّاسة فلسطين (دار العودة، بيروت، 1966م).

    قصائد على زجاج النوافذ (1970م).

    جئت لأدعوك باسمك (وزارة الإعلام، بغداد، 1971م

    الآن خذي جسدي كيساً من رمل (فلسطين، بيروت، 1976م).

    القصيدة / قصيدة طويلة (دار ابن رشد، تونس، 1983م).

    الأعمال الشعرية الكاملة / مجلد واحد (دار العودة، بيروت، 1979م).

    آخر القراصنة من العصافير.

    حينما تُمطر الأحجار.

    أعماله المسرحية :

    مأساة جيفارا (دار الهلال، القاهرة، 1969م).

    ثورة الزنج (1970م).

    شمشون ودليلة (1970م).

    الأعمال المسرحية (دار العودة، بيروت، 1979م) يشمل :
    - مأساة جيفارا.
    - ثورة الزنج.
    - الصخرة.
    - العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع.
    - محاكمة كتاب كليلة ودمنة.

    أعماله النثرية:

    نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة (القاهرة، 1970م).

    باجس أبو عطوان / قصة (فلسطين الثورة، بيروت، 1974م).

    دفاعاً عن البطل (دار العودة، بيروت، 1975م).

    البلدوزر / مقالات (مؤسسة الدراسات، 1975م).

    دفاتر فلسطينية / مذكرات (بيروت، 1978م).

    كتاب الأرض / رحلات (دار العودة، بيروت، 1979م).

    أدب القفز بالمظلات (القاهرة، 1982م).

    الاتحاد السوفيتي لي (موسكو، 1983م).

    88 يوماً خلف متاريس بيروت (بيروت، 1985).

    عودة الطائر / قصة.

    وطن في القلب / شعر مترجم إلى الروسية - مختارات موسكو.

    يوميات غزة (القاهرة).

    و شارك في تحرير جريدة المعركة التي كانت تصدر في بيروت زمن الحصار مع مجموعة كبيرة من الشعراء و الكتاب العرب .
    ترجم أدبه إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية ، ولغات الجمهوريات السوفيتية أذربيجان ، أوجيداكلاتان و الإيطالية و الإسبانية و اليابانية و الفيتنامية و الفارسية .
    حائز على جائزة اللوتس العالمية وكان نائب رئيس تحرير مجلة " اللوتس " التي يصدرها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا .
    حائز على أعلى وسام فلسطيني ( درع الثورة ) .
    كان مسؤولاً للشؤون الثقافية في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين .
    كان عضو المجلس الوطني الفلسطيني .
    استشهد أثناء أداء واجبه الوطني وذلك إثر نوبة قلبية حادة آلمة في لندن يوم 23 / 1 /1984 .

    البداية



    مقال بقلم رشاد أبو شاور

    عام 1984، رحل الشاعر الكبير معين بسيسو في العاصمة البريطانية (لندن)، ولم تكتشف وفاته إلاّ بعد 14 ساعة لأنه كان يعلّق علي باب غرفته بالفندق الذي نزل فيه عبارة: الرجاء عدم الإزعاج.
    رحل معين بسيسو شّاباً في السابعة والخمسين، فهو ولد في (غزّة) بتاريخ 10 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1927.
    كان يريد أن ينام، أن يرتاح، ولكن قلبه الذي أجهد نبض نبضات سريعة، ربّما احتجاجاً علي إرهاق الشاعر له، فمدّ معين يده إلي الهاتف يريد طلب المساعدة، ولكن الوقت كان قد فات...
    عندما فتح باب الغرفة، وجد الشاعر نائماً، ويده ممدودة إلي الهاتف في مشهد جامد.
    مفارقة هذه، أن يموت شاعر فلسطيني في (لندن) عاصمة السياسة التي كانت أس المصائب، وأصل النكبة والخراب في فلسطين، وأن لا يحظي بالراحة، ولا يصل نداء استغاثته بطلب العون، ثمّ ينقل جثمانه ليدفن في القاهرة، محروماً من دخول غزّة ، حتى بعد أن مات، وهذا ما يدّل علي مدى حقد عدونا على الشعر والشعراء.
    كأنما هذه حكاية الشعب الفلسطيني، مع فارق أن شعبنا حي، وأنه يمضي علي طريقه، وأنه يتقوّي بصوت الشاعر، وبالشعر، حداءً لأمل سيتحقق. معين بسيسو، الفلسطيني، الغزّي، المدفون في ثري مصر الطهور، بين من أحبهم، لم تسمح سلطات الاحتلال الصهيوني لجثمانه بالدخول ليدفن هناك في تراب غزة الذي درجت عليه أقدامه، والشاهد الأول لتفجّر موهبته الشعرية.
    حدث في زمن بعيد، أن أخرج أبي يده من تحت عباءته ومدّها وقد طوت كتاباً رقيقاً غير مدرسي، وقال لي محتفياً:
    ـ هذا شعر لمعين بسيسو.
    ثمّ طلب منّي أن أقرأ، فقرأت...
    كان الأب الأمّي فخوراً برفيقه، رغم أنه لا يعرفه، وكان يريد لابنه أن يحفظ هذا الشعر، وأن يصونه في ذاكرته، فهذا الشعر يصل كالمنشورات السريّة، وهو بذور لا بدّ لها من تربة لتخصب فيها، وتربة الشعر هي النفوس، والعقول...
    كبرت، وعرفت من هو هذا الشاعر، وصرت أقرأ شعره دون حّث من الأب، ولكن بحافز منّي، فشعر معين بسيسو يشّد العزيمة، ويقوّي المعنويات، وهو قريب إلي روحي.
    ردد أبي وقد حفظ لفرط ما تلوت علي مسمعه:
    من لم تودّع بنيها بابتسامتها
    إلي الزنازين لم تحبل ولم تلد
    وحفظ عن ظهر قلب:
    أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
    واحمل سلاحي لا يخفك دمي يسيل من السلاح
    وكان يدخل السجن، ويخرج، وفي يقينه أنه ينبغي أن يكون إبناً لائقاً، شجاعاً ومفتدياً، ومضحيّاً، لتباهي أمّه به، وليعش هو في أفئدة الجماهير مكرّماً، تماماً كما يقول شعر رفيقه معين بسيسو. هذا شعر يشجّع، يغذّي الروح بالإيمان، يدحر الشعور بالعزلة بعيداً عن ضمير المناضل المضحّي، الذي يتعرّض لكّل ما يتسبب له بالأذي، والإحباط.
    صوتان وصلانا من غزّة: صوته وصوت هارون هاشم رشيد، وبشعرهما عشنا مع (غزّة) المأساة والمعجزة.
    شعرهما انتشر موحّداً مشاعر الفلسطينيين، ومنشئاً صلة وصل بينهم، إن في منافيهم البعيدة، أو في مخيّمات اللجوء في الضفّة الفلسطينيّة، وسوريّة، ولبنان.
    صورة معين بسيسو وصلت إلينا كما يليق بالشاعر، فهو يتقدّم المظاهرات، بقميص مفكوك الأزرار عن الصدر، مشرع للاستشهاد، هاتفاً بشعره، رافضاً مع شعبه التوطين في سيناء، فلا بديل عن فلسطين.
    تلك كانت صورة الشاعر، الذي ينتسب إلي سلالة شعراء، حملوا دمهم علي راحاتهم، ومضوا في مقدمّة الصفوف، بكامل عدّتهم: الموهبة الشعرية، الالتزام، حمل المبادئ، الجاهزية للتضحيّة، بمصداقية القول المقترن بالفعل. إن دور شعرائنا التنويري، التثويري، قد دشّن منذ بداية الصراع والاشتباك مع الحركة الصهيونيّة، والاستعمار البريطاني، والمؤامرات المحليّة المتصاعدة علي عروبة فلسطين، وها هم شعراؤنا أحياء يرزقون بيننا: إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، عبد الكريم الكرمي (أبو سلمي)، مطلق عبد الخالق، حسن البحيري، نوح إبراهيم الشاعر الشعبي، محمد العدناني، كمال ناصر، فدوي طوقان، علي فودة، فوّاز عيد... ومن بعد، حين وقعت النكبة، وهيمن اليأس، والشعور بالعجز، ارتفعت أصوات شعرائنا، حاضة علي الصبر، والتشبّث بفلسطين، والاعتماد علي النفس، وفاضحة الخيانة وأسباب الهزيمة والكارثة، ومحرّضة علي مواصلة المعركة.
    قد يقال بأن هذا الشعر فيه مباشرة، وتحريض آني، والحق أن تلك المباشرة حملتها مواهب أصيلة ذكيّة، عرفت كيف تغوص في عمق الحدث، وتستخرج منه قيماً إنسانيّة جوهرية لا تموت مع الزمن.
    ما كان صدفة أن عنوان أحد بواكير أعمال معين بسيسو هو (المعركة)، فشعراء فلسطين قديماً وحديثاً يعيشون في المعركة، وفي نيرانها يكتبون، وهم يكتبون عن الوطن، والشهادة، والبطولة، والتضحية، والحب، والمنفي، والعودة التي ستتحقق، وهم يتأملون في مصائر البشر، والحياة، والكون، فهم لا يغلقون علي أنفسهم، وما هو بغريب أن الفلسطينيين كانوا في مقدمة من ترجم عن الغرب روائع أدبية، وفلسفيّة ...
    معين بسيسو شاعر معركة، واشتباك، يحيا، ويتألّق، ويجوهر في الميدان، بين الناس في أتون المعركة... من عرفه في غزّة رآه شاعراً ومناضلاً في الميدان، يتقدّم جموع الفلسطينيين الرافضين للتوطين في صحراء سيناء، والمطالبين بالتسلّح للتصدّي لاعتداءات المحتلين الصهاينة، وكانت آنذاك قد ازدادت علي قطاع غزّة.
    كان معين بسيسو يباهي بأن أهل غزّة أفشلوا مشروع التوطين، وكانوا السبب في صفقة الأسلحة التشيكيّة التي أبرمتها مصر الناصرية، ليتمكن جيشها من الرّد علي الاعتداءات، وتدشين حقبة العلاقة مع الاتحاد السوفييتي، أي أن هذا التحوّل الاستراتيجي كان فيه دور بارز لفلسطينيي غزة الأباة العنيدين المكافحين.
    من عرفوا معين بسيسو آنذاك، رأوه وهو يشرّع صدره للبنادق، هاتفاً باسم فلسطين، معلياً من شأن البطولة والتضحية. هنا كان صوت عبد الرحيم محمود يتجاوب، يتناسخ، يتواصل في حنجرة معين وكلماته...
    إنه صوت معين بسيسو الذي تحدي قوات العدوان الثلاثي عام 56:
    قد أقبلوا فلا مساومة
    المجد للمقاومة
    لم يكن هذا مجرّد شعار، لقد كان قرار حياة، فيه تتجاوب روح عبد الرحيم محمود:
    فإمّا حياة تسّر الصديق وإمّا ممات يغيظ العدا يستمّد شعر (معين) قيمته من أنه يكتنز معني الحياة، كرامتها، قيمتها، في كلمات قليلة، يقولها شاعر أصيل الموهبة، عميق الثقافة، صاحب مباديء.
    من غزة انتشر صوت معين بسيسو في بلاد العرب، فالتقطه الفلسطينيون، وأنشدوه، وعمموه، وتبنّوه. معين ابن الشعب، وصوت الضحايا، كما وصفه شاعر مصري شعبي:
    يا معين يا صوت الضحايا
    معين هذا تعرّض للسجن، للمنافي، للمطاردة، في عدّة أقطار عربيّة، وحافظ علي صلابته الروحيّة، وتقوّي بالشعر علي المصائب والصعاب. كل من تعرّف بمعين، لمس فيه روح ابن البلد، الطيّب، العفوي، البسيط، الشعبي، القريب إلي القلب، والذي تبلغ فيه حدود البساطة مدي يسهّل علي المخادعين أن يستغلّوا كل هذه المناقب.
    معين بسيسو وفي، وأنا رأيته مراراً يزور مخيّم (اليرموك) قرب دمشق العاصمة السوريّة، ليلتقي برفاقه (الشيوعيين) الغزازوة الذين أقام كثير منهم في المخيم، وكان يعني بهم وبأسرهم بصمت وتواضع ووفاء نادر. هذا الشاعر إبن الشعب، صوت الضحايا، ما في جيبه ليس له، سعادته أن يسمع كلمة طيبة وكفي. في المعركة يجوهر معين، ولذا امتلأ حماسة أثناء معركة (تل الزعتر). كان يكتب ليل نهار، يرسل صوته إلي المحاصرين بين أنياب الانعزاليين الوحوش، يحمل مسدساً ويمشي في الشارع، فهو في (المعركة) وهو يقول الشعر، يندفع في الشوارع ممتلئ الصدر صهيلاً.
    كان يصيح من جذور قلبه:
    الآن، خذي جسدي كيساً من رمل
    الشعر عند معين هو دعم لوجستي، كالذخيرة، كالتموين، به يصمد المحاربون، فالروح بحاجة للغذاء، والشعر غذاء الروح، به تتقوّي وتنتصر...
    عام 82 كان يشارك في مؤتمر أدبي في (طشقند)، وعندما سمع ببدء العدوان علي الثورة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة، بادر بالعودة سريعاً إلي (بيروت) مخترقاً الحصار، ليكون مع الفلسطينيين واللبنانيين في المعركة، إذ لا يعقل أن تكون معركة، ويكون معين بعيداً يتفرّج. منذ لحظة وصوله انخرط (معين) في المعركة شعراً، ونثراً، وبدأ يكتب زاويته (متاريس) حاضّاً علي الاستبسال:
    ولدي محمّد: في ظلي الدامي تمدد
    أو فوق ركبة أمك العطشي تمدد
    وإذا عطشت وجعت فاصعد
    هي الكلمة الشجاعة في وجه الظلم والجور والطغاة ، وقد قالها معين صادقةً، ودفع الثمن مراراً ولم يركع. ولأنه شاعر مقاومة، ولأننا في بيروت قررنا أن نقاوم مع البنادق بالكلمات، فقد أسسنا صحيفة (المعركة) اليوميّة، واقترح بعضهم أن نضع ترويسة علي صفحتها الأولي مقطعاً من قصيدة شاعر المقاومة الفرنسي (أراغون):
    اللعنة علي العدو المحتل
    ليدو الرصاص دائماً تحت نوافذه
    وليمزّق قلبه الرعب
    ولكننا ثبّتنا منذ العدد الخامس مقطعاً من قصيدة معين:
    اقبلوا فلا مساومة،
    المجد للمقاومة...
    في (المعركة) التقي الكتّاب والشعراء من كل الأقطار العربيّة : فلسطين، الأردن، مصر، لبنان، سوريّة، العراق، وقاوموا بكلماتهم، وبعضهم شارك في إذاعة (صوت الثورة الفلسطينيّة)، وكانت تلك أيّاماً مجيدة لتلاحم الكلمة والبندقيّة، تعبيراً عن صمود الناس، والتصدّي للإعلام الصهيوني والكتائبي الانعزالي، وحربهما النفسيّة.
    معين بسيسو كمبدع يتمتّع بموهبة فذّة، وثقافة إنسانيّة فسيحة، وهو لا يكتفي بالتعبير عن رؤيته بالشعر، فقد كتب للمسرح، وقدّمت مسرحياته في القاهرة، ودمشق، وبعض الأقطار العربيّة.
    نثره يعتمد الجمل القصيرة المتوترة، وإذ تقرأه تحسب أن الشاعر يكتب وهو يركض في الشوارع، والأزقّة، والحواري، وفي القطارات، وعلي سطح سفينة تضربها أمواج عاتية، فهو يكتب ويركض من جهة إلي جهة، للتواري عن عيون مطارديه، لا خوفاً ولكن ليكتب ويوّزع ما يكتبه كالمنشورات السريّة، حريصاً علي تأدية دوره علي أتّم وجه للمساهمة في إنقاذ السفينة، وبلوغها شاطئ الحريّة والأمان.
    المرحلة المصرية في حياته صبغت شعره، وذوقه، ومزاجه، فهو ترعرع ونما في أحضان الحركة الثقافية في مصر، وارتبط بصداقات هي الأعمق في حياته، وبخّاصة مع عبد الرحمن الخميسي، الشاعر، والقّاص، والفنان، والممثل، والمخرج السينمائي.
    ودائماً تكلّم بحب عن الخميسي، وهو الذي استضافه مراراً في (بيروت) وقدّمه، وعمل علي إعادة طباعة أعماله الشعرية.
    ثمّة ما هو مرح، وفكه بينهما، وفي حياتهما، فالمقالب لا تنتهي بينهما، معين كان مصري المزاج، والذوق، وهو ما نلحظه في شعره، ومسرحه الشعري، وأسلوب حياته.
    إنه معين، إبن البلد، صوت الضحايا...
    في الملعب البلدي، يوم 21 آب (أغسطس)، تعانقت ومعين، وبكينا واحدنا علي كتف الآخر، فقد ازدادت علاقتنا حميمية أثناء معركة بيروت، وهو ما أشار له في كتابه (88 يوماً خلف المتاريس).
    معين بسيسو كان مؤمنا بطليعيّة الاتحاد السوفييتي، وبدوره القيادي علي الصعيد العالمي، في مواجهة الإمبرياليّة الأمريكيّة.
    كان زائراً دائماً لموسكو ـ بل صاحب بيت ـ التي له فيها رفاق، من الشعراء، والمبدعين الروس (سوفرونوف) الشاعر الروسي، ومن شعوب الاتحاد السوفييتي، ومن بلدان العالم الثالث (فايز أحمد فايز) الشاعر الباكلاتاني المنفي عن بلده. كان معين محترماً ومحبوباً جداً في (موسكو)، وأذكر أنه عندما زار موسكو بعد معركة بيروت كان الإعلان عنه في نشرة الأخبار الرئيسة مع تقديم ريبورتاج جوانب حياته الأدبيّة والنضاليّة.
    كتب معين (الاتحاد السوفييتي لي)، وهو كان وفيّاً للاتحاد السوفييتي، والكتاب عن رحلاته في جمهوريات الاتحاد السوفييتي الأوروبيّة والآسيويّة.
    في البرافدا كتبوا عن معين، وترجم لنا الدكتور شوقي العمري، وهو شاعر غزّي من تلاميذ ومريدي معين، درس في موسكو وأتقن الروسية كأفضل الناطقين بها، وأكّد لنا بالفم الملآن أن جائزة لينين ستكون من نصيب معين... التقيته في موسكو بعد خروجنا من بيروت، في عام 83، وهناك احتفي بي كثيراً، وكانت روايتي (البكاء علي صدر الحبيب) قد ترجمت مع بعض قصصي القصيرة، فبقيت في موسكو قرابة الشهر ، ولست أنسي اهتمام معين بي.
    القصيدة :
    في المجلس الوطني الفلسطيني بعد الخروج من بيروت، عام 83، قرأ معين قصيدة كانت قد كتبت على عجل، ولقد رأيت أنها أقّل من قيمته الشعرية، فعتبت عليه جداً.
    من الجزائر توجهنا إلي تونس، وذات يوم تلفن له (زياد عبد الفتاح) رئيس وكالة (وفا)، وأخبره بوجودي، فطلب أن يحكي معي، وبطريقته الشعبية اللطيفة طلب مني أن أزوره مع زياد، فقلت له :
    ـ شريطة أن تبدي استعداداً لسماع ما سأقوله لك، لأنه جدّي وخطير، فهل تقبل ؟
    صمت علي الهاتف، ثمّ جاءني صوته:
    ـ تعال...
    أعدت عليه ما قلت، فألّح علي حضوري، وقد لمس جديّة في صوتي، وعرف أنني لا أمزح.
    رحنا إلي نزل (أبو نواس) ، وكان يقيم في غرفة وصالة علي التلة المجاورة، وما أن دخلنا حتى بادرني مستفسراً :
    ـ ماذا تريد أن تقول ؟!
    جلست، وسألته بلهجة هجومية لم يتوقعها :
    ـ هل ما قرأته في المجلس الوطني شعر يا (أبو توفيق)؟!
    سألني بانزعاج:
    ـ وما هو الشعر برأيك ؟
    فأخذت اقرأ له ما أحفظ من شعره، ولعله دهش لما أحفظ، ولما أختار، وختمت بقصيدته المهداة إلي شهيد معركة جبل (صنين) جورج عسل :
    استشهد الماء ولم يزل يقاتل الندى
    استشهد الصوت ولم يزل يقاتل الصدى
    وأنت بين الماء والندى
    وأنت بين الصوت والصدى
    فراشة تطير حتى آخر المدى
    مدّ يده، وتناول كومة أوراق، وأخذ يقرأ، وأنا لا أستقبل أبداً، فاستنتج أنني لم أعجب بما سمعت، فقال بلهجته المحببة:
    ـ طيّب : اسمع...
    وأخذ يقرأ مقاطع من قصيدته (القصيدة) ، آخر قصائده، قصيدة الوداع.
    صفّقت له واقفاً، وأنا أردد :
    ـ هذا شعر، أي والله هذا شعر يا أبو توفيق...
    أمسية لندن :
    في عام 83 أقيم أسبوع ثقافي فلسطيني في العاصمة البريطانية (لندن)، وكان معين يشارك مع شعراء فلسطينيين آخرين. جاء إلي الأمسية متأنقاً، وكما هو شأنه فشعره ينفر كما لو أنه عرف حصان. جلس بجواري، وكنت أجلس أنا وصديقي ياسين رفاعية وزوجته الشاعرة أمل جرّاح.
    قلت له:
    ـ الليلة ستكون ليلتك، صدّقني...
    استفسر :
    ـ بجد ؟
    ـ نعم يا (أبو توفيق). الليلة ستكون ليلتك، ليلة (القصيدة)، الليلة ستتألّق، وتنال ما تستّحق من ثناء.
    وهذا ما كان. صعد معين، وفي القاعة كان شعراء، سياسيون، فنّانون عالميون، تتقدمهم صديقة الشعب الفلسطيني، الفنّانة البريطانية العالمية (فانيسيا ردغريف)، والصحافي البريطاني الكبير (مايكل آدمز) ، ومئات من حركات التحرر العالمية. استحوذ معين علي الجو، شعراً وإلقاءً، وصفّق له الجمهور واقفاً، صفّق للقصيدة:
    مطر علي الشبّاك
    في لون البنفسج والخزامي
    مطر علي المرآة
    في لون الدوالي والندامي
    مطر علي البحر المسيّج
    جيدد وعوسج
    موج يعبئ بالنوارس
    لي المسدس
    كانت تلك ليلة (معينيّة) حقاً، أفرحت معين.
    في تونس، في المؤتمر العام لاتحاد العمّال الفلسطينيين تكررت تلك الأمسية، حيث قرأ معين (القصيدة).
    بعدئذ لم ألتق بمعين، وجاء الخبر الفاجع: رحل معين بسيسو!
    لم تسمح سلطات الاحتلال لجسد معين أن يدفن في غزّة، فدفن في مقبرة آل بسيسو في القاهرة...
    الاحتلال يخاف أجساد الشعراء، لأن الشعراء أمثال معين بسيسو لن يصمتوا بعد الموت، فهم أحياء بشعرهم الذي تتناقله الأفواه، وتردده الحناجر، وتختزنه الذاكرة الجمعية لشعبهم، وأمّتهم.
    الاحتلال يكره الشعر والشعراء، لأن أجساد الشعراء الراحلين ستتحوّل إلي مزارات تتجدد عندها نداءات الحريّة والمقاومة...
    من وقّعوا علي اتفاق (أوسلو) لم يتفطنوا إلي بند ينص علي عودة جثامين المبدعين الفلسطينيين، علي الأقل الذين من مدن وقري الضفّة والقطاع... من العجيب أننا كلّما انتقدنا مسيرة الخراب الاستسلاميّة فلا نسمع سوي : تعالوا ناضلوا معنا!
    طيّب، أيها المناضلون: لماذا (نسيتم) أن تصطحبوا معكم في (عودتكم) المظفّرة جثامين : كمال ناصر (بير زيت)، وحنّا مقبل (الطيبة)، وعلي فودة (علاّر)، ومعين بسيسو (غزّة)، وجبرا إبراهيم جبرا (بيت لحم)، وائل زعيتر (نابلس) وماجد أبو شرار (دورا).
    نحن لا نريد أن نحرجكم، ونطالبكم بإعادة جثامين: غسّان كنفاني، ناجي العلي، سميرة عزّام، وأحمد عمر شاهين، فهؤلاء من: عكّا، الشجرة، الناصرة، الرملة،...
    يا لهذا (السلام) الذي يحرم جثامين الشعراء، والكتّاب، والصحفيين، من حق العودة والدفن في مساقط رؤوسهم !
    شاعر الوحدة الوطنيّة :
    ظلّ معين بسيسو شيوعيّاً حتى رحيله، ولكنه لم يكن متعصّباً، فهو كتب شعراً جميلاً في جمال عبد الناصر، رغم أنه سجن في مصر مع مئات الشيوعيين... وهو رغم أنه علي النقيض مع (الإخوان المسلمين) ، سار هو وشيوعيو غزّة، والقوميون، كتفاً لكتف، معاً، يتقدمون الجماهير، رافضين التوطين، مطالبين بالسلاح للمقاومة.
    في مذكراته (دفاتر فلسطينيّة) يسرد معين ملامح تلك المرحلة في منتصف الخمسينات، ويقدّم رموز (الإخوان المسلمين) بكّل الاحترام، والإنصاف، رغم الخلاف الفكري، معتزاً بروح الوحدة الوطنيّة.
    لقد حافظ شاعرنا الكبير علي صلاته الحميمة مع كل مناضلي تلك المرحلة حتى أيّامه الأخيرة...
    اليوم، ونحن نستعيد ذكراه، ونقرأ شعره، ونحن نري ما يحدث في وطننا فلسطين بكّل فخر ـ ما جاءت به الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة ـ نجدنا مدعوين لصيانة روح الوحدة الوطنيّة التي ميّزت معين، ومنحته إضافة لقيمته الشعرية احتراماً وطنياً، ودوراً قياديّاً.(...)
    هذا هو الشعر، وهذا هو دوره :
    في آخر مقابلة أجراها معه تلفزيون الإمارات العربية ـ المذيع أحمد زين العابدين ـ قال معين: الدور الذي يجب أن ينهض به الشعر العربي الآن هو أن يقف مع الإنسان العربي، يقف مع الأمة العربيّة، يقف مع كل صديق لهذه الأمة، في سبيل نهوضها، وفي هذه المرحلة علي الكلمة أن تكون صادقة، شجاعة، وصريحة...
    معين يفهم الحداثة كما يلي : أنا حينما أقرأ بعض القصائد أحس أنني أقرأ باللغة الهيروغليفية . بعض الشعراء اعتقدوا أنهم حينما يتنكّرون للتراث، للتقاليد الشعرية العظيمة يصبحون شعراء معاصرين...
    وبطريقته التهكمية يسخر ممن يدّعون أنهم يكتبون لأنفسهم : حسناً، إذا أردت أن تكتب لنفسك، أن تكتب شيئاً لا يفهمه الناس، ولا يتفاعلون معه، فاكتب علي المرآة، وانظر فتجد قصيدتك، وتري أيضاً وجهك، وهذا يكفي لتحقيق كل طموحك... معين بسيسو من أوائل من كتبوا القصيدة الحديثة، قصيدة التفعيلة، وهو مع كونه شاعراً جماهيريّاً لا يغيب عن باله سؤال الشعر العظيم.
    قرأت مرّة للناقد السوري الصديق الراحل محيي الدين صبحي أن شعر معين ينطبق عليه مصطلح الشعر الخشن الذي ورد في كتاب (الشعر) لأرسطو، وهذا ما جعل الكتابة عنه صعبة رغم سهولة وبساطة هذا الشعر...
    من جهتي فأنا أشارك محيي الدين صبحي هذا الرأي، فالشعر العظيم لا يحتاج لفّك الطلاسم، ورسم المثلثات، والمكعبات، وتقويله ما لم يقل...
    معين يا صوت الضحايا :
    اليوم نردد مع الشاعر المصري :
    يا معين يا صوت الضحايا
    تملّي صوتك معايا
    ومع معين ننشد :
    قد أقبلوا فلا مساومة
    المجد للمقاومة
    المجد لمقاومة الإنسان العربي في فلسطين، في العراق، في لبنان، المجد للمقاومة الإنسانيّة تتحدّي ظلم أمريكا، وعدوانيتها وحليفتها الصهيونيّة...
    المجد للشعر، للكتابة تنحاز للإنسان، للعدل، للكرامة الإنسانيّة، للحب بكّل تجليّاته...

    البداية



    إلى طفلتي دالية

    وكمصلوب يحلم.

    الأرض النائية كنجم.

    لو يسمع وقع خطاه...

    أنا أحلم أن نمشي.

    في كفي شعلة أزهار.

    وورائي أعلام الدمية.

    تتلوى فوق الأسوار.

    مصلوبك يا وطني يحلم

    الأرض النائية كنجم

    لو يسمع وقع خطاه...

    وورائي أعلام الدمية.

    أمراس جليد.

    تتلوى فوق الأسوار.

    ألف شتاء قد مر وما زال

    مصلوبك يا وطني يحلم

    لو تلمس قدماه،

    الأرض النائية كنجم

    لو يمشي

    لو يسمع وقع خطاه...

    البداية



    المعركة

    أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح

    وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح

    أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح

    واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال

    يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال

    يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال

    ولتحملوا البركان تقذفه لنا حمر الجبال

    هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة

    هذا هو اليوم الذي قد حددته لنا الحياة

    للثورة الكبرى على الغيلان أعداء الحياة

    فإذا سقطنا يا رفيقي في حجيم المعركة

    فإذا سقطنا يا رفيقي في حجيم المعركة

    فانظر تجد علما يرفرف فوق نار المعركة

    ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة

    ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة

    البداية



    ثلاثة جدران لحجرة التعذيب

    (عند طلوع الفجر )

    ساقاومْ...

    ما زالَ في الجدارِ صفحةٌ بيضاءْ

    ولم تذبْ أصابعُ الكفينِ بعدُ...

    هناكَ من يدَقْ

    برقيةٌ عبر الجدارْ

    قدْ أصبحتْ أسلاكُنا عروقُنا

    عروقُ هذه الجدرانْ...

    دماؤنا تصبُّ كلُّها،

    تصبُّ في عروقِ هذه الجدرانْ...

    برقيةٌ عبرَ الجدارْ

    قد أغلقوا زنزانةً جديدهْ

    قد قتلوا سجينْ...

    قد فَتَحوا زنزانةً جديدهْ

    قد أحضروا سجينْ...

    ********

    (عندما ينتصف النهار )

    قد وضعُوا أمامي الورقْ،

    قد وضعُوا أمامي القلمْ

    قد وضعوا مفتاحَ بيتي في يدَي

    الورقُ الذي أرادوا أن يُلطِّخوهُ

    قال: قاومْ َ

    والقلمُ الذي أرادوا أن يُمرِّغوا جبينَهُ في الوحلِ

    قالَ: قاومْ

    مفتاحَ بيتي قالَ: باسمِ كلِّ حجرٍ

    في بيتكَ الصغيرِ قاومْ

    ونقرةٌ على الجداره

    برقيةٌ عبرَ الجدارِ من يدٍٍ محطّمهْ

    تقولُ: قاومْ

    والمطرُ الذي يسقطُ

    يضربُ سقفَ حجرةِ التعذيبْ

    كلُّ قطرةٍ

    تصيحُ: قاومْ...

    ********

    (بعد غروب الشمس)

    لا أحدٌ معي

    لا أحدٌ يسمعُ صوتَ ذلك الرجلْ

    لا أحدٌ يراهُ

    في كلِّ ليلةٍ وحينما الجدرانْ

    تُغْلقُ والأبوابْ...

    يخرجُ من جِراحَي التي تسيلْ

    وفي زنزانتي يسيرْ

    كانَ أنا،

    وكانَ مثلما كنتُ أنا...

    فمرةً أراهُ طفلاً

    ومرةً أراهُ في العشرينْ

    كانَ عزائيَ الوحيدْ

    وحبيَ الوحيدْ

    كان رسالتي التي أكتبها في كلِّ ليلةٍ

    وكانَ طابعَ البريدْ

    للعالم الكبيرْ

    للوطنِ الصغيرْ

    في هذهِ الليلةِ قد رأيتُهُ

    يخرجُ من جراحي، ساهماً معذباً حزينْ

    يسيرُ صامتاً ولا يقولْ

    شيئاً كأنهُ يقولْ:

    لن تراني مرةً ثانيةً لو اعترفتْ

    لو كتبتْ...

    البداية



    نافذة الكهف

    في مكان ينهار فيه الجناح

    وتسوق الزمان فيه الرياح

    ويفوح النسيان ألهثه الموت

    كأفعى قد ألهثتها جراح

    ويخاف السكون منه كطفل

    علقت في ثيابه الأشباح

    كوكب ترصد النهاية عيناه

    ولا شاطىء ولا ملاّح

    ليس فيه من الحياة سوى الليل

    ضريرا يقوده مصباح

    وصحارى من العواصف تلتفّ

    عليها من اللّظى أدواح

    وسماء من الخرائب تجتاح

    سماء نجومها أرواح

    صور من براعم الموت فاحت

    في عيون دموعها أقداح

    ليس تدري آفاقها من شذاها

    أين يهوى المجداف والإصباح

    وهي ما أورق الفراغ دلاء

    وهي ما أجدب السكون رماح

    ***

    أنا في النهر صورة كلارتها

    يد أعمى خياله لمّاح

    فتماسكت عالقا بظلاّ لي

    وهي تطفو كأنها ألواح

    وتلفتّ والرجاء غراب

    ضلّ , واليأس طائر صدّاح

    والمصبّ العملاق أعور كالشمس

    قد اجتاح رأسه مجتاح

    وحرام على المصبّ ابتلاعي

    وأنا منه جدول فوّاح

    فنيت قوتي ومات خريري

    ودعاني هديره الصيّاح

    فتلعثمت ثمّ ناديت لبّيك

    وجدّفت والهوى فضّاح

    وإذا النّهر والرّياح دموع

    في مآقيه والخرير نوّاح

    نفضته أعماقه وتغشّى

    ضفتيه من الضباب وشاح

    فجرى عاصفا وحوّل مجراه

    شتاء مزلزل وكفاح

    البداية



    لمعة

    أين عيناك تبصران شموعي

    وهي تذوي على ركام دموعي

    أين عيناك تبصران عصافير

    شبابي في عنفوان الربيع

    ظامئات تنقرّ الحجر

    الراشح ألقته ثورة الينبوع

    جائعات تلوك ما قطع الزارع

    من زهره الهزيل الصريع

    لاهثات كأنها نفس النجم

    وراء السّحاب قبل الطلوع

    اين كفّاك تجمعان الذي

    يسقط من عقد عمري المقطوع

    فهي قد جمعّته من صدف الشا

    طىء أمّي ومن غريب الزروع

    أين عيناك أين قلبك يسترجع

    دقّات قلبي المفجوع

    وهو كالطائر الرضيع وقد أصبح

    فوق الغصون غير رضيع

    يبصر الريح وهي تعتصر النهر

    وتلقيه كومة من نجيع

    غير أني على الخرائب وحدي

    ساهرا أصطلي لهيب شموعي

    أرقب النجم وهو نور منيع

    يترامى على الفضاء المنيع

    وأشمّ الأمواج وهي قرابين

    تضّحى للزورق المصدوع

    وأحسّ الطوفان وهو على القمة

    يتلو بصوته المسموع

    قصة اليأس وهو يمشي على الأر

    ض برأس مكلّل مرفوع

    البداية



    الجبل الزاني

    عصى جرسي هذا هو الجبل الزاني

    وهذا هو الرجّام ذو النفس الفاني

    فلا تطرقي شبّاكه فهو شمعة

    تخبؤها الظلماء عن نجمك الداني

    ولكن أضيئي خطوة في طريقه

    فإنّ الضياء الحرّ خطوة إنسان

    فهذا سياج لم يكن ظلّ طائر

    ولكّنه ظلّ لصخرة سجّان

    هو القفر لا يسقي وكم في دلائه

    من الجبل المرجوم أنجم غدران

    عصا جرسي قد تسعد الطين زهرة

    تفوح به أو يسعد الطلل الباني

    وما النّار إلاّ باصطلاء جذورها

    تعيش فكوني المصطلي الساهر الحاني

    وهذا تراب لم تزل فيه ناره

    وإن ذاذ عنها الريح مطفئها الجاني

    فلمّي من الأحطاب تمثال غابة

    ونادي له القاصي ونادي له الداني

    فقد كان ميناء الحياة رصيفها

    وداع لألوان لقاء لألوان

    وحين يضيء الليل كلّ نجومه

    وتعلو من الأمواج صيحة طوفان

    أريقي به النار التي لم ترق به

    وإن سكبتها فيه قبلك عينان

    ونادي له الطفل الذي لم يزل له

    ليحرق أحلام الحياة بأغصان

    وقولي له والسحب تهوي بجمره

    وترسم ألواحا بريشة ربّان

    سلام مجير الطّفل من ثدي أمّه

    سلام غريق لا يلوح بشطآن

    البداية



    النمل

    أتظمىء عيجميل السماء وتستستقي

    وأشرب من نهر التراب وأستبقي

    وتعلو أعشاش النجوم بنخلة

    من الريح أعلوها بسنبلة العمق

    وتشمخ في قشّ الفراغ منقرا

    سحائب أنفاسي فيمطر بي خفقي

    وأمخر رايات الرياح لخيمة

    معششة الأسوار في جبل الرقّ

    وأشرف من نجم السياج ملوّحا

    إلى النمل مطروف الحصاد على الأفق

    فرّطت بمحراثي غصوني لنملة

    وكم نملة شجراء تصفر في عرقي

    تسامر عينيها قيود من الحصى

    فتنعس والأصداء موغلة الطرق

    كجارية الأحلام في برعم خبا

    به الليل أغفت كالحمامة في الطوق

    حكايتها والشّمس خيط غزلته

    حكاية مصباحي المسافر في الشرق

    تعلّق في ثوبي كمؤودة رأت

    ضفائرها واللّيل يبزغ للنطق

    إلى غدر أمشي وطيّ عباءتي

    غدير وقيد صام فيه عن الحرق

    أريق له ناري على ساق شمعة

    تقاذفها جزر الهدير إلى عنقي

    وأنت بمجداف السّماء تزورني

    تكتحل عيني بالزوابع والبرق

    وشمسك في ليلي فضاء سلكته

    إليك وأغلالي تجاذبني عنقي

    ترابي في كفّي وريحي طائر

    أناخ جناحيه وأغمض في أفقي

    البداية



    الميلاد ...

    هذه الريح وهذا الجبل

    وأنا والمنتهى والأجل

    والجناحان وليلي قفص

    والسياج الأبيض المكتحل

    أيّ أنغامي الذي يسمعني

    قمم تعزف فيها السّبل

    والذي تبصر عيني غصنا

    والذي يبصر عيني طلل

    هذه الريح وهذا الجبل

    وأنا والمنتهى والأجل

    حطب يبحر في النهّر وفي

    صدره النّار التي تشتعل

    نسي الرفش عليه أثرا

    ذكر الحطّاب فيه البلل

    فعلى أيّ تراب تنحني

    هذه الشمس التي تبتهل

    وعلى كلّ تراب صنم

    وعلى كلّ سماء بطل

    هذه الريح وهذا الجبل

    وأنا والمنتهى والأجل

    والطريقان وحبّي أثر

    أتخطّاه وسيري ملل

    والتي قد رحلت في أثري

    لم تعد منه وعاد الأمل

    أشموعي والجى يذرفها

    فصباحي أنجم تنهمل

    والنّدى الإنسان في سنبلة

    حلمه في ساقها يقتتل

    هذه الريح وهذا الجبل

    وأنا والمنتهى والأجل

    وظلالي أدمع يسكبها

    وقيود قد رماها الجبل

    يوم ميلادي الذي قد نزلت

    فيه أيّامي وأهلي نزلوا

    نصبّوا لي شمعة تحرسني

    ومشوا في ضوئها وارتحلوا

    فإذا دقّ بصدري نفس

    قرعوا أجراسهم واعتزلوا

    هذه الريح وهذا الجبل

    وأنا والمنتهى والأجل

    ها هي النار مشت صخرها

    في التماثيل دما يشتعل

    دثرّي جرحي فلا تطفؤه

    كلّ ريح جرحها مندمل

    البداية



    الديك

    أناخ الغروب ظلال الرحيل

    وعيني مسافرة في الأثر

    تفتش عن جرّة في الرمال

    وتبحث عن جمرة في الحجر

    وتسأل ناطورة في الرياح

    عن الزرع والزارع المنتظر

    عن الحاصدين وقد علقّوا

    مناجلهم في سقوف الشجر

    وراحوا على النار يسترجعون

    عهود الحصاد وعهد المطر

    عن العاطلين عبيد الطريق

    ومولاهم الفاتح المنتصر

    ينادون نوح الشراع الكبير

    وطوفانه نائم في السرر

    عن الضاربين خيام الحياة

    بكلّ كئيب قصير العمر

    تباغتهم ذكريات الشروق

    فتعثر في ظلمات الحفر ..

    كأنّهمو حارس في الطلول

    ينقّل سلمّه في الجدر

    يرمّم في صور الهالكين

    ويمسح عنها غبار السفر

    فيذكر قافلة في السّراب

    وقافلة في ظلال الغدر

    وديكا عراه ذبول المشيب

    وقد أمسكته سطوح الحجر

    لقد فاجأته طيور الصّباح

    ينقّر في ريشه المنتشر

    البداية



    المسافر

    فتح الإنسان عينيه وقال

    لا أرى أثار طفلي في الرمال

    أين ولىّ أين يا شمس وهل

    من لظى عيجميل تحميه الظلال

    أين ولىّ أين يا ريح وهل

    حين تشتدّين تأويه الجبال

    أين ولىّ أين يا سحب قفي

    واسمعي منه أغانيه الطوال

    فهو صوت البحر سهران على

    صرخة الطائر تدميه الحبال

    وارتعاش القفر مسّت قلبه

    نسمات من سراب وخيال

    واهتزاز الجبل السكران في

    قلبه البركان قد غنّى ومال

    وانتفاض الكوكب النائي رأى

    قدم الكلب على عنق الغزال

    وصراخ العبد في النار هوى

    حاضنا أغلاله السود الثقال

    وغفا الإنسان إلاّ شمعة

    زادها الفجر اشتعالا في اشتعال

    وعلى أضوائها الحمر مشى

    ذلك الطفل السماويّ الجمال

    حاملا إكليل زهر لم يلد

    مثله غصن على تلك التلال

    وإذا ما اشتبكت أظلاله

    بظلال الفجر ألقاه وقال

    حمل الناس الأماني مثلما

    حملت عودا من القش النمال

    أمطري يا هذه السحب فلن

    تطمسي آثارهم فوق الرمال

    البداية



    المدينة المحاصرة

    البحر يحكي للنجوم حكاية الوطن السجين

    والّليل كالشحّاذ يطرق بالدموع وبالأنين

    أبواب غزة وهي مغلقة على الشعب الحزين

    فيحرّك الأحياء ناموا فوق أنقاض السنين

    وكأنّهم قبر تدقّ عليه أيدي النابشين

    وتكاد أنوار الصباح تطلّ من فرط العذاب

    وتطارد الّليل الذي ما زال موفور الشباب

    لكّنه ما حان موعدها وما حان الذهاب

    المارد الجبّار غطّى رأسه العالي التراب

    كالبحر غطّاه الضباب وليس يقتله الضباب

    ويخاطب الفجر المدينة وهي حيرى لا تجيب

    قدّامها البحر الأجاج وملؤها الرمل الجديب

    وعلى جوانبها تدبّ خطى العدوّ المستريب

    ماذا يقول الفجر هل فتحت إلى الوطن الدروب

    فنوّدع الصحراء حين نسير للوادي الخصيب ؟

    لسنابل القمح التي نضّجت وتنتظر الحصاد

    فإذا بها للنّار والطير المشرّد والجراد ..

    ومشى إليها الليل يلبسها السواد على السواد

    والنّهر وهو السائح العدّاء في جبل وواد

    ألقى عصاه على الخرائب واستحال إلى رماد

    هذي هي الحسناء غزة في مآتمها تدور

    ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور

    ومعذّب يقتات من دمه ويعتصر الجذور

    صور من الإذلال فاغضب أيها الشعب الأسير

    فسياطهم كتبت مصائرنا على تلك الظهور

    أقرأت أم ما زلت بكّاء على الوطن المضاع ؟

    الخوف كبّل ساعديك فرحت تجتنب الصراع

    وتقول إنّي قد وشقّت الريح الشراع

    يا أيّها المدحور في أرض يضجّ بها الشعاع

    أنشد أناشيد الكفاح وسرّ بقافلة الجياع

    البداية



    السيول

    لم يترك السيل غير الحبل والوتد

    من ذلك الشعب أو من ذلك البلد

    وغير بعض العرايا الساحبين على

    تلك الوحول بقاياهم من الولد

    وغير ما شاهدت عيناك من جثث

    منفوخة لم تزل مجهولة العدد

    هنا حطام هنا موت هنا غرق

    هنا بقايا رغيف عالق بيد

    هنا العيون التي تصطكّ ميّتة

    هنا الشفاه التي تدعو لثأر غد

    تلك البقيّة من شعبي فداك أبي

    وتلك أمّي وما في الخيش من أحد

    إن جئت تسأل عن أطفالها صرخت

    وقهقة السيل لم تحبل ولم تلد

    يا من نصبت لهم سود الخيام على

    صفر الرماد لقد غاصت إلى الأبد

    ألست جلاّدهم فاربط غريقهم

    واسحبه خلفك بالأمراس والزرد

    واترك لأطفاله آثار جثته

    دما توّهج فوق الرمل والزّبد

    دم سترعش قلب الأرض صرخته

    يا نار قد صحت الأموات فاتقدي

    دم سترعش قلب الأرض صرخته

    يا نار قد صحت الأموات فاتقدي

    البداية



    تحدي

    أنا لا أخاف من السّلاسل فاربطوني بالسلاسل

    من عاش في أرض الزلازل لا يخاف من الزلازل

    لمن المشانق تنصبون لمن تشدوّن المفاصل

    لن تطفئوا مهما نفختم في الدّجى هذي المشاعل

    الشعب أوقدها وسار بها قوافل في قوافل

    أنا لا أخاف من فاعصفي بي يا عواصف

    أنا لي رفاق في دمي تدوي وعودهم القواصف

    وتضيء في عينيّ خاطفة بروقهم الخواطف

    وتسيل من كفيّ جارفة سيولهم الجوارف

    أنا لا أخاف ومن أخاف ولي رفاق يا عواصف ؟

    قد أقسموا والشّمس ترخي فوقهم حمر الضفائر

    أن يطردوا من أرضنا الخضراء تجّار المقابر

    ويحرّروا الإنسان من قيد المذابح والمجازر

    ويحرّروا التاريخ من قلم المغامر والمقامر

    فنحقّق الوطن الكبير لنا ونزرعه منائر

    ها هم هناك أخي هناك هووا صواعق في صواعق

    فانظر لمن زرع المشانق تحصده المشانق

    وانظر لمن حفر الخنادق كيف تدفنه الخنادق

    هم قادمون أخي لقد ركزوا على الفجر البيارق

    وهوى وراءهم الظلام الميت تأكله الحرائق

    البداية



    صليل الحبال

    أخي من خلال حبال السياط ومن حلقات القيود الثقال

    تطلّع إلى وطن الكادحين وقد شنقوه بسود الحبال

    ولفّوه بالخرق الباليات وألقوه في ظلمات الحفر

    وهالوا عليه التراب الكثيف كأن لم يكن في ربيع العمر

    أخي من خلال الجدار الكئيب ومن فجوات الدّجى والحطام

    تطلّع إلى الأعين الغائرات وقد علقّت بسقوف الخيام

    هنا يمضغ الجائعون التراب هنا يعصر الظامئون الحجر

    هنا تكتسي بالظلام العراة أخي من هنا سوف يمشي الشرر

    أخي من هنا سوف تجري السيول

    فتجرف أغلالنا والوحول

    ويثأر من قاتليه القتيل

    فنقرع أجراسنا والطّبول

    ولن نحرث الأرض للمرتوين

    من الدّم يجري على كلّ طين

    ولكن لأطفالنا الجائعين

    وقد ملأوا بالتراب البطون

    ولن نستقي قطرات المطر

    ولن نكتفي بجذور الشجر

    ولكن بكلّ شهيّ الثمر

    سقيناه حتى ارتوى وازدهر

    البداية



    دقت الساعة

    ليس ذنبي إن كان للنور قبر في بلادي وللمكافح قبر

    وتفشّى الظلام كالداء لا يوقف طوفانه المدمّر فجر

    إنّني أكتب الحقيقة لكن ثورة الحق في بلادي كفر

    قلمي في الحديد في ظلمة السجن طريح مكبّل لا يصرّ

    نفسي حائم يفتّش في الظلمة عن منفذ ولا يستقرّ

    أبدا أرفع العيون إلى الباب ولا حامل شعاعا يمرّ

    وإذا ما سمعت دمدمة الريح تدوّي قلت العواصف كثر

    سوف تجتاح حائط السجن يوما

    فوراء القضبان يلهث حرّ

    غير أنّ الأيام تمضي وتمضي

    وأنا شمعة تذوب وفكر

    وأمدّ الأنفاس مدّ فريق

    أين من موجه الشديد المفرّ

    أين شعبي لقد تذكّرت أنّي

    لي دين في عنقه لي عمر

    أين أنفاسه تحطّم قيدي

    أين ثاراته أما لي ثأر ؟

    إنّ شعبي العملاق في القمقم مثلي وفوقه الليل بحر

    ويعاني الذي أعاني وهل يفرح نسر وفي السلاسل نسر !

    وهو لا بدّ حاطم قيده الأسود يوما والنصر يتلوه نصر

    فإذا الصرخة الكبيرة تدوّي

    وإذا العالم المقّيد حرّ

    البساط الكبير يفرش للظافر قومي إفرشيه فاليوم خمر

    وغد نحن من صنعنا غد العالم عمّدانه الأيادي الحمر

    للملايين يفرحون به العمر فما فيه ظلمة أو قفر

    قد جعلنا الإنسان أثمن ما فيه له الأرض والسماء مقرّ

    وجعلناه كالرياح طليقا غده في يديه نور وزهر

    غدنا أيها القريب لقد أوشك يمشي على الطريق الفجر

    نحن لن نترك السلاح وفي الأرض أسارى وآسرون وأسر

    ساومونا على الحياة كما شاؤوا وما للحياة سوق وسعر

    وإذا ما صلاهم قلم الحر شعاعا يلقيه في الأرض فكر

    صرخوا صرخة الغراب على الجيفة واستنسروا وكرّوا وفرّوا

    ثمّ صاحوا بالشعب وهو دموع عتقّت في كؤوسهم فهي خمر

    إنّ تمثالك المقدّس يا شعب حطام بكلّ أرض يجرّ

    قتلوه فخذ بثأرك يا شعب فللميّت المقدّس ثأر

    غير أنّ الذي ينادون سدّت أذنه الريح والصّباح الأغرّ

    وعلى ضوئه تراءى له الوحش وقدّامه الضحايا الكثر

    أيها الشعب أيها الميت الحيّ بأرض منها القبور تفرّ

    هكذا تصنع النعوش لكي ترقد فيها وأنت يا شعب زهر

    خالد العطر مثقل بندى الفجر ولكن لا يطرد الجوع عطر

    هكذا قدّروك ميتا على الأرض وأيامهم لشمسك قبر

    يمضغون السنين من عمرك النضر ويلقونها ومالك عمر

    أنظر الصين كيف ثارت على الموت وفي الصين للملايين نصر

    كيف هدّت جدران معبدها الرحب وفيه الأصنام بيض وصفر

    صرخات العبيد في أذنيها

    جمعت فالعبيد بعث ونشر

    ورياح تسوقها مثلما ساق الدهور البطاء في الأرض دهر

    ضربت موعدا له أمم الأرض فطارت به الجياد الحمر

    دقّت الساعة الرهيبة وانشقّ عن المارد المخدّر ستر

    أسندته إلى الجدار الأعاصير كلاكران نال منه السّكر

    وشظايا الكؤوس غائصة فيه كما غاص في حشا الأرض جذر

    نسمات الصباح يا حلم التائه يمشي والقفر شوك وجمر

    بلّلي وجهه وشدّي خطاه

    فطريق الكفاح صعب ووعر

    ملأته الأشواك والدم والدمع ولكّنه الممرّ الممرّ

    أيها الشرق كان ظلّك في الأرض سحابا يمرّ ما فيه قطر

    تشرب البوم من جداولك الخضر وتروى وليس ترويك بئر

    أورثوك القيود عن صنم مات فأشقاك في حياتك قبر

    هم لصوص التاريخ كم سرقوا منه شعوبا مصّوا دماها وفرّوا

    وهم المالئون أرض أماجميل ظلاما يضلّ فيه الفجر

    غير أنّ الحياة أقوى من الموت ولن يهزم الحياة القبر

    هي كالبحر مدّها الأمل الهادر طول السنين واليأس جزر

    يكشف الصخر حين يرجع بالموج ولن ينجي الغريق الصخر

    البداية



    حطام القيود

    أنا المقيّد لكّي سأنطلق

    وأترك السجن خلفي وهو يحترق

    وأخلع الكفن الدامي وقد رشحت

    خيوطه بدمائي وهي تنبثق

    واهدم الصنم المجنون صارخة

    حريتي في يديه وهي تختنق ..

    هي الحياة تناديني وملء دمي

    أحسّ أمواجها الحمراء تندفق

    ولن يعيق خطاي الشوك مرتفعا

    ولن يخدّرني من ورده العبق

    هي الحياة ولا تبقي على أثر

    لكلّ من سار بالأكفان يستبق

    كذلك البحر لا تبقي به رمم

    ولا تحرّكه أنفاس من غرقوا

    الحيّ حيّ به , والميت تقذفه

    أمواجه فهي للأحياء تصطفق

    فانشد نشيدك للشعّب الذي سرقوا

    دماءه وهي في أعراقه مزق

    وخلّفوه وفأس العمر في يده

    جرداء يرشح منها الدمع والعرق

    أنا المقّيد لكن سوف أنحت من

    أغلالي السود فأسا ليس تنكلار

    وأهدم الحائط العالي الذي غلقت

    فيه النوافذ لا شمس ولا قمر

    وأجمع الريح في كفّي وأطلقها

    على الذين بهذا الشعب قد كفروا

    وجمعّوه على أبواب مقبرة

    تكاد من هولها الأموات تنتحر

    وقيل هذا الروض الذي حلمت

    به عيونك فيه الظلّ والثمر

    لكّنه الفجر ذو الأنوار أدركهم

    وهم قوافل بالظلماء تستتر

    فأبصروا القبر والحفّار متكيء

    عليه للميّت الموعود ينتظر

    إرادة الفأس أن تهوي السجون ولا

    يبقى على الأرض من أحجارها حجر

    فاشحذ فؤوسك يا ابن الشعب مقتلعا

    هذي القبور التي للشعب قد حفروا

    وأنت لا بدّ يا ابن النور تنتصر

    وأنت لا بدّ يا ابن الشعب تنتصر

    البداية



    حكاية لأطفال عمان

    في الحكاية

    ينسج الجاني من الدمع قناع

    واليد السوداء خنجر

    بدم العصفور يبكي

    يا صغيري سوف أحكي

    لك عن وحش هو الآخر يبكي

    لك عن ذئب بشبابة راع

    في الدروب الدمويه

    تحت شبّاكك قد راح يغنّي

    أغنيات عربيّه

    وجنود بضفائر

    مثل أمراس المشانق

    تتلوّى كالأفاعي

    تلدغ الأطفال في ليل النهار

    هكذا أبطال عمّان الصغار

    في اللّيالي يحلمون

    بذئاب تتجوّل

    في الدروب الدمويه

    بشبابة راع

    وأغان عربيّه ؟

    ***

    افتحوا أطفال عمّان العيون

    تحت شباكمو فجر من الأرض ينوّر

    وعلى الباب " فؤاد "

    صرع الذئب وعاد

    من دروب راسفات بظلال البندقيه

    يحمل البشرى هديّه

    يطرق الباب بنجمه

    ينثر الريش بيارق

    وزنابق

    للسلام

    قد طوى ريح سهام

    ورماد ظلام

    كان قضبان قفص

    البداية



    شهرزاد وفارس الأمل

    يا شهرزاد-

    على جناح السيف كان " أبو الليالي " شهريار

    يهوي إليك وفي الركاب

    النطع والسّياف –

    يا أمّ اللّيالي والحكايه

    غير الحكايه والجراح

    غير الجراح

    فلقد مضى عصر القصائد ببغاوات تطير

    في روضة الملك السعيد

    فالشرق في قمم النّهار

    الشرق نجم فوق جبهة مصر فارسنا جمال

    وله غناء

    أشواق أجنحة الدماء لكي تطير

    وكفّي ترفرف خلف قضبان وسور

    وغرام عينيّ اللتين تغرّدان

    للفجر أغنية السماء بلا حديد

    للدّرب أغنية الخطى العطشى إلى نبع الدروب

    وإلى الرفاق مع الشوارع عناق

    وبلا فراق

    ولحلم فلاّح بشمس من سنابل لا تغيب

    للبلبل الصدّاح في شفتيّ حبيب

    ومغرّدا بالقبلة الأولى التي تلد الحبيبة والحبيب

    ولبحر غزة والهدير

    من قلب صيّاد هناك يهبّ كالريح الهدير

    وحنيني الخفّاق في شفتيّ حين ترفرفان

    وتطرزان وبالقبل

    الباب والشبّاك في بيتي الصغير

    بيتي الذي ما كفّ ينبض في نوافذه الضياء

    فمن يقول

    في بيتنا الحالي , النوافذ مطفأه

    وبصدر شعبي لؤلؤه

    لن تستحيل إلى رماد

    يا شهرزاد

    البداية



    شهيد من الأنصار

    هو في الظلام جناح ريح

    ودم يفوح

    ويد من الكلمات في الصمت الرهيب

    تنمو

    فيا أجراس أزهار المصير

    دقّي إلى يده المطرّزة الشرار

    على الظلام , على الجدار

    ***

    ودوّى الرصاص

    وهوى يعانق أرضه الحبلى

    بطفل اسمه الغالي " خلاص "

    وخطى مطارده تواريها الحدود

    وسؤالك الدامي يعود

    البداية



    فلسطين في القلب

    يا أيادي

    إرفعي عن أرضي الخضراء ظلّ السلسله

    واحصدي من حقل شعبي سنبله

    فأنا لم أحضن الخبز ومن قمح بلادي

    منذ أن هبّت رياح مثقلات بالجراد

    نهشت أرض بلادي

    منذ أن شدّوا لي اللقمة في ساق غزال

    وعدا ملء الرمال

    وهمو قد غصبوا قوسي وسهمي ونصالي

    وهمو قد قطفوا زهر دمائي

    غير أنّي في نماء

    فجذوري تتحدّى الفأس في أرض بلادي

    وهي خضراء تنادي :

    يا أيادي

    " إرفعي عن أرضي الخضراء أغلال الجراد

    وحصادي , لي حصادي "

    البداية



    في الأردن جلاّد يحلم

    في الأردن جلاّد يحلم

    بربيع الفجر وبالشعب الأخضر

    غصنا يكلار

    في جبل المشنقة الأصفر

    بالأردن يمسخه ضفدع

    في مستنقع

    في الوحل ا

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 09, 2024 5:47 am