وقد أرسل الملك الغاشم هولاكو إلى الملك الناصر صاحب دمشق يستدعيه إليه ، فأرسل إليه ولده العزيز وهو صغير ومعه هدايا كثيرة وتحف فلم يحتفل به هولاكو ، بل غضب على أبيه إذ لم يقبل إليه وأخذ ابنه وقال : أنا أسير إلى بلاده بنفسي ، فانزعج الناصر لذلك وبعث بحريمه وأهله إلى الكرك ليحصنهم بها ، وخاف أهل دمشق خوفاً شديداً ، ولاسيما لما بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات سافر كثير منهم إلى مصر في زمن الشتاء فمات ناس كثير منهم ونهبوا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وأقبل هولاكو فقصد الشام بجنوده وعساكره ، وقد امتنعت عليه ( ميافارقين ) مدة سنة ونصف ، فأرسل إليها ولده أشموط فافتتحها قسراً ، وأنزل ملكها الكامل بن الشهاب غازي فأرسله إلى أبيه وهو محاصر حلب فقتله بين يديه ، وطيف برأسه في البلاد ، ودخلوا به إلى دمشق .
وتواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام إذ دخل جيش المغول صحبة ملكهم هولاكو ، وجاوزوا الفرات على جسور عملوها ، ووصلوا إلى حلب في ثاني صفر من هذه السنة فحاصروها سبعة أيام ، ثم افتتحوها بالأمان ، ثم غدروا بأهلها ، وقتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، ونهبوا الأموال ، وسبوا النساء والأطفال ، وجرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد ، فجاسوا خلال الديار ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وامتنعت عليهم القلعة شهراً ثم استلموها بالأمان ، وخربوا أسور البلد وأسوار القلعة ، وبقيت حلب كأنها حمار أجرب ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، وقد كان أرسل هولاكو يقول لأهل حلب : نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق ، فاجعلوا لنا عندكم شحنة [ أي أميراً ] ، فإن كانت النصرة لنا فالبلاد كلها في حكمنا ، وإن كانت علينا فإن شئتم قبلتم الشحنة ، وإن شئتم أطلقتموه ، فأجابوه : مالك عندنا إلا السيف ، فتعجب من ضعفهم وجوابهم ، فزحف حينئذ إليهم ، وأحاط بالبلد ، وكان ما كان بقدر الله سبحانه .
ولما فتحت حلب أرسل صاحب حماه بمفاتيحها إلى هولاكو ، فاستناب عليها رجلاً من العجم فخرب أسوارها كمدينة حلب .
وأرسل هولاكو وهو نازل حلب جيشاُ مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغاوين، فوردوا دمشق في آخر صفر فأخذوها سريعاً من غير ممانعة ولا مدافعة ، بل تلقاهم كبارها بالرحب والسعة ، وقد كتب هولاكو أماناً لأهل البلد فقرئ بالميدان الأخضر ونودي به في البلد ، فأمن الناس على وجل من الغدر كما فعل بأهل حلب ، هذا والقلعة ممتنعة مستورة ، وفي أعاليها المجانيق منصوبة والحال شديدة ، فأحضرت التتار منجنيقاً يحمل على عجل والخيول تجرها ، وهم راكبون على الخيل ، وأسلحتهم على أبقار كثيرة ، فنصب المنجنيق على القلعة من غربيها ، وخربوا حيطاناً كثيرة ، وأخذوا حجارتها ورموا بها القلعة رمياً متواتراً كالمطر المتدارك ، فهدموا كثيراً من أعاليها وشرافاتها ، وتداعت للسقوط ، فأجابهم متوليها في آخر ذلك للمصالحة ففتحوها ، وخربوا كل بدنة فيها ، وأعالي بروجها ، وقتلوا المتولي بها ونقيبها .
وسلموا البلد والقلعة إلى أمير منهم يقال له ابل سيان ، وكان لعنه الله معظماُ لدين النصارى ، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم ، فعظمهم جداً وزار كنائسهم ، فصارت لهم دولة وصولة بسببه ، وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو ، وأخذوا معهم هدايا وتحفاً ، وقدموا من عنده ومعهم أمان فرمان من جهته ، ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس ، وهم ينادون بشعارهم ويقولون : ظهر الدين الصحيح دين المسيح ، ويذمون الإسلام وأهله ، ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمراً ، وقماقم ملآنة خمراً يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم ، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصلبهم .. ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم ، وكانت عامرة ، ولكن كان هذا سبب خرابها ، ولله الحمد ، وضربوا بالناقوس في كنيسة مريم .. وذكر أنهم دخلوا إلى الجامع بخمر ، وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا كثيراً من المساجد وغيرها ، ولما وقع هذا في البلد اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها ابل سيان ، فأهينوا وطردوا ، وقدم كلام روؤس النصارى عليهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وهذا كان في أول هذه السنة وسلطان الشام الناصر بن العزيز مقيم في جيوش كثيرة من الأمراء وأبناء الملوك ليناجزوا التتار إن قدموا إليهم ، ولكن الكلمة بين الجيوش مختلفة غير مؤتلفة لما يريده الله عز وجل ، وقد عزمت طائفة من الأمراء على خلع الناصر وسجنه ومبايعة أخيه شقيقه الملك الظاهر علي ، فلما عرف الناصر ذلك هرب إلى القلعة ، وتفرقت العساكر شذر مذر .
وأقبل هولاكو فقصد الشام بجنوده وعساكره ، وقد امتنعت عليه ( ميافارقين ) مدة سنة ونصف ، فأرسل إليها ولده أشموط فافتتحها قسراً ، وأنزل ملكها الكامل بن الشهاب غازي فأرسله إلى أبيه وهو محاصر حلب فقتله بين يديه ، وطيف برأسه في البلاد ، ودخلوا به إلى دمشق .
وتواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام إذ دخل جيش المغول صحبة ملكهم هولاكو ، وجاوزوا الفرات على جسور عملوها ، ووصلوا إلى حلب في ثاني صفر من هذه السنة فحاصروها سبعة أيام ، ثم افتتحوها بالأمان ، ثم غدروا بأهلها ، وقتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، ونهبوا الأموال ، وسبوا النساء والأطفال ، وجرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد ، فجاسوا خلال الديار ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وامتنعت عليهم القلعة شهراً ثم استلموها بالأمان ، وخربوا أسور البلد وأسوار القلعة ، وبقيت حلب كأنها حمار أجرب ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، وقد كان أرسل هولاكو يقول لأهل حلب : نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق ، فاجعلوا لنا عندكم شحنة [ أي أميراً ] ، فإن كانت النصرة لنا فالبلاد كلها في حكمنا ، وإن كانت علينا فإن شئتم قبلتم الشحنة ، وإن شئتم أطلقتموه ، فأجابوه : مالك عندنا إلا السيف ، فتعجب من ضعفهم وجوابهم ، فزحف حينئذ إليهم ، وأحاط بالبلد ، وكان ما كان بقدر الله سبحانه .
ولما فتحت حلب أرسل صاحب حماه بمفاتيحها إلى هولاكو ، فاستناب عليها رجلاً من العجم فخرب أسوارها كمدينة حلب .
وأرسل هولاكو وهو نازل حلب جيشاُ مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغاوين، فوردوا دمشق في آخر صفر فأخذوها سريعاً من غير ممانعة ولا مدافعة ، بل تلقاهم كبارها بالرحب والسعة ، وقد كتب هولاكو أماناً لأهل البلد فقرئ بالميدان الأخضر ونودي به في البلد ، فأمن الناس على وجل من الغدر كما فعل بأهل حلب ، هذا والقلعة ممتنعة مستورة ، وفي أعاليها المجانيق منصوبة والحال شديدة ، فأحضرت التتار منجنيقاً يحمل على عجل والخيول تجرها ، وهم راكبون على الخيل ، وأسلحتهم على أبقار كثيرة ، فنصب المنجنيق على القلعة من غربيها ، وخربوا حيطاناً كثيرة ، وأخذوا حجارتها ورموا بها القلعة رمياً متواتراً كالمطر المتدارك ، فهدموا كثيراً من أعاليها وشرافاتها ، وتداعت للسقوط ، فأجابهم متوليها في آخر ذلك للمصالحة ففتحوها ، وخربوا كل بدنة فيها ، وأعالي بروجها ، وقتلوا المتولي بها ونقيبها .
وسلموا البلد والقلعة إلى أمير منهم يقال له ابل سيان ، وكان لعنه الله معظماُ لدين النصارى ، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم ، فعظمهم جداً وزار كنائسهم ، فصارت لهم دولة وصولة بسببه ، وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو ، وأخذوا معهم هدايا وتحفاً ، وقدموا من عنده ومعهم أمان فرمان من جهته ، ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس ، وهم ينادون بشعارهم ويقولون : ظهر الدين الصحيح دين المسيح ، ويذمون الإسلام وأهله ، ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمراً ، وقماقم ملآنة خمراً يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم ، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصلبهم .. ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم ، وكانت عامرة ، ولكن كان هذا سبب خرابها ، ولله الحمد ، وضربوا بالناقوس في كنيسة مريم .. وذكر أنهم دخلوا إلى الجامع بخمر ، وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا كثيراً من المساجد وغيرها ، ولما وقع هذا في البلد اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها ابل سيان ، فأهينوا وطردوا ، وقدم كلام روؤس النصارى عليهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وهذا كان في أول هذه السنة وسلطان الشام الناصر بن العزيز مقيم في جيوش كثيرة من الأمراء وأبناء الملوك ليناجزوا التتار إن قدموا إليهم ، ولكن الكلمة بين الجيوش مختلفة غير مؤتلفة لما يريده الله عز وجل ، وقد عزمت طائفة من الأمراء على خلع الناصر وسجنه ومبايعة أخيه شقيقه الملك الظاهر علي ، فلما عرف الناصر ذلك هرب إلى القلعة ، وتفرقت العساكر شذر مذر .