منتدى طلاب القرم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى طلاب القرم

منتدى دراسي

يرجى من الاعضاء ان ارادوا تحميل اي ملف يرجى رفعه من 4 شيرد
نتمنى للطلاب قضاء عطلة ممتعة
ان شاء الله قضيتو عطلة ممتعة وحان دور العودة الى المدارس

3 مشترك

    معلوملت قيمة عن التتار

    ذيب الثامن 2
    ذيب الثامن 2
    مشرف


    الابراج : الجدي عدد المساهمات : 221
    نقاط : 512
    السٌّمعَة : 3
    تاريخ التسجيل : 11/04/2010
    العمر : 26
    الموقع : مـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح

    معلوملت قيمة عن التتار Empty معلوملت قيمة عن التتار

    مُساهمة  ذيب الثامن 2 الأربعاء أبريل 21, 2010 7:47 pm

    من التتار؟
    ظهرت دولة التتار في سنة 603هـ/ 1206م تقريبًا، وكان ظهورها الأول في (منغوليا) في شمال الصين، وكان أول زعمائها هو جنكيزخان.

    و(جنكيزخان) كلمة تعني: قاهر العالم، أو ملك ملوك العالم، أو القوي، بحسب الترجمات المختلفة للغة المنغولية، واسمه الأصلي (تيموجين)[1]. وكان رجلاً سفّاكًا للدماء، وكان أيضًا قائدًا عسكريًّا شديد البأس، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله، وبدأ في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به، وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول سيبريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا[2]. أي أنها كانت تضم من دول العالم حاليًّا: الصين، ومنغوليا، وفيتنام، وكوريا، وتايلاند، وأجزاء من سيبيريا، إلى جانب مملكة لاوس، وميانمار، ونيبال، وبوتان!!

    ويطلق اسم التتار -وكذلك المغول- على الأقوام الذين نشئوا في شمال الصين في صحراء (جوبي)، وإن كان التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة. ومن التتار جاءت قبائل أخرى مثل قبيلة المغول، وقبائل الترك والسلاجقة، وغيرها. وعندما سيطر المغول -الذين منهم جنكيزخان- على هذه المنطقة أطلق اسم (المغول) على هذه القبائل كلها.

    وكان للتتار ديانةٌ عجيبة، هي خليط من أديان مختلفة، فقد جمع جنكيزخان بعض الشرائع من الإسلام، والبعض من المسيحية، والبعض من البوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار، وسمَّى هذا الكتاب بـ (الياسة) أو (الياسك) أو (الياسق)[3].

    وكانت حروب التتار تتميز بسرعة انتشار رهيبة، ونظام محكم، وأعداد هائلة من البشر، وتحمُّل الظروف القاسية، والقيادة العسكرية البارعة، كما كانت تتميز كذلك بأنهم بلا قلب!![4] فكانت حروبهم حروب تخريب غير طبيعية، فكان من السهل جدًّا أن ترى في تاريخهم أنهم دخلوا مدينة كذا أو كذا فدمَّرُوا كل المدينة، وقتلوا سكانها جميعًا، لا يفرِّقون في ذلك بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مدني ومحارب!! وتميزت حروبهم أيضًا برفض قبول الآخر، والرغبة في تطبيق مبدأ (القطب الواحد).

    ولم يكن للتتار عهد، فلا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق؛ فكانت هذه صفة أصيلة لازمة لهم، لم يتخلَّوا عنها في أي مرحلة من مراحل دولتهم منذ قيامها، وإلى أن سقطت.

    والمهم في كل ذلك أن التتار بدءوا يفكرون جديًّا في غزو بلاد المسلمين، وبدءوا يخطِّطون لإسقاط الخلافة العباسية، ودخول بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية.

    [1] د/محمد فتحي الشاعر: مصر قاهرة المغول في عين جالوت، دار المعارف، بدون تاريخ، ص14.

    [2] د/مصطفى طه بدر: محنة الإسلام الكبرى أو زوال الخلافة العباسية على أيدي المغول، الهيئة العامة المصرية للكتاب، الطبعة الثانية، 1999م، ص92-94.

    [3] القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تحقيق د/يوسف علي طويل، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م، 4/314.

    [4] د/مصطفى طه بدر: محنة الإسلام الكبرى ص89-91.

    الهجمة التترية الأولى
    فكر جنكيزخان في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان؛ لذا فكَّر جنكيزخان في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية، التي تُعرف في ذلك الوقت بالدولة الخوارزمية، وكانت تضم بين طياتها عدة أقاليم إسلامية مهمَّة مثل: أفغانستان، وأوجيدكستان، والتركمنستان، وكازاخستان، وطاجكستان، وباكلاتان، وأجزاء من إيران، وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة أورجندة (في تركمنستان حاليًّا).

    وكان جنكيزخان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم (محمد بن خوارزم شاه) على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيزخان من أولئك الذين يحترمون اتفاقياتهم؛ لذا لا مانع من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة، وهي سُنَّة في أهل الباطل.. {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100].

    وبدأ الإعصار التتري الرهيب على بلاد المسلمين!!

    بدأت بالهجمة التترية الأولى على دولة خوارزم شاه؛ جاء جنكيزخان بجيشه الكبير لغزو خوارزم شاه، وخرج له (محمد بن خوارزم شاه) بجيشه أيضًا، والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرت أربعة أيام متصلة، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر سرداريا، ويقع في دولة كازاخستان المسلمة)، وقُتِل من الفريقين خلق كثير، لقد استُشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفًا، ومات من التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان، وانسحب (محمد بن خوارزم شاه) بجيشه؛ لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب ليحصِّن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة، وخاصةً العاصمة أورجندة. كان هذا اللقاء الدامي في عام 616هـ/ 1219م.

    انشغل (محمد بن خوارزم شاه) في تحضير الجيوش من أطراف دولته، ولكن كان هناك خطأٌ واضحٌ في إعداده، وهو أنه مع اهتمامه بتحصين العاصمة أورجندة إلا أنه ترك كل المساحات الشرقية من دولته دون حماية كافية! فلقد اهتم محمد بن خوارزم بتأمين نفسه وأسرته ومقربيه، وتهاون في تأمين شعبه، وحافظ جدًّا على كنوزه وكنوز آبائه، ولكنه أهمل الحفاظ على مقدرات وأملاك شعبه.

    جهَّز جنكيزخان جيشه من جديد، وأسرع في اختراق كل إقليم كازاخستان الكبير، ووصل في تقدُّمه إلى مدينة بُخارَى المسلمة (في دولة أوجيدكلاتان الآن)، وحاصر جنكيزخان البلدة المسلمة في سنة 616هـ/ 1219م، ثم طلب أهلها الأمان من جنكيزخان قبل التسليم؛ فأعطاهم إياه.

    وفتحت المدينة المسلمة أبوابها للتتار، ودخل جنكيزخان إلى المدينة الكبيرة، وأعطى أهلها الأمان فعلاً في أول دخوله خديعةً لهم؛ وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة.

    وفعلاً بدأ جنكيزخان بحصار القلعة، بل أمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة ليسهل اقتحامها، فأطاعوه وفعلوا ذلك!! وحاصر القلعة عشرة أيام، ثم فتحها قسرًا، ولما دخل إليها قاتل من فيها حتى قتلهم جميعًا!! ولم يبق بمدينة بخارى مجاهدون[5].

    وهنا بدأ جنكيزخان في خيانة عهده، يقول ابن كثير: "فقتلوا من أهلها خلقًا لا يعلمهم إلا الله U، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا معهنَّ الفواحش بحضرة أهليهن"[6]. وهكذا هلكت بُخارَى في سنة 616هـ/ 1219م!!

    ولكن كانت هذه أولى صفحات القصة، كانت بداية الطوفان وبداية الإعصار، فقد دخلت سنة 617هـ/ 1220م، وفيها ارتكب التتار من الفظائع ما تعجز الأقلام عن وصفه؛ فقد كرروا ما فعلوه في بخارى في عدة مدن إسلامية عظيمة أخرى مثل سمرقند، وقد استقر فيها السفاح جنكيزخان بعدما أعجبته، وقرَّر أن يقضي على محمد بن خوارزم شاه ليتفرَّغ لتحقيق مخططه في احتلال بلاد الخلافة الإسلامية كافة؛ فأرسل كتيبة مكوَّنة من عشرين ألف جندي -وهي قوة صغيرة بالنسبة لجيوش التتار- تطارده في كل مكان، وأخذ خوارزم شاه يفرُّ من وجهها في كل مكان يصلون إليه فيه[7].

    وصل الزعيم محمد بن خوارزم في فراره إلى جزيرة في وسط بحر قزوين، وهناك رضي بالبقاء فيها في قلعة في فقرٍ شديد وحياة صعبة، وهو الملك الذي ملك بلادًا شاسعة، وأموالاً لا تُعَدُّ، ولكن رضي بذلك لكي يفرَّ من الموت!

    وما هي إلا أيام، حتى مات محمد بن خوارزم شاه في هذه الجزيرة في داخل القلعة[8] وحيدًا طريدًا شريدًا فقيرًا، حتى إنهم لم يجدوا ما يكفنوه به، فكفنوه في فراش كان ينام عليه!! {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].

    كانت المسافة بين الفرقة التترية الصغيرة وبين القوة الرئيسية لجنكيزخان في (سمرقند) تزيد على ستمائة وخمسين كيلو مترًا، كلها أراضٍ إسلامية تُكِنُّ العداء الشديد للتتار، ومع ذلك انطلقت تلك الفرقة وسط جموع المسلمين في تلك البلاد الذين يبلغون الملايين، انطلقوا يقتلون ويأسرون، ويستولون على البلاد والمدن الإسلامية؛ فدخلوا مازندران (في إيران)، ثم الرَّيِّ (مدينة إيرانية كبيرة كذلك). وفي الطريق من مازندران إلى الري وجد التتار في طريقهم والدته ونساءه ومعهم الأموال الغزيرة والذخائر النفيسة التي لم يُسمع بمثلها، فأخذوا كل ذلك سبيًا وغنيمة، وأرسلوه من فورهم إلى جنكيزخان المتمركز في (سمرقند) آنذاك، ثم انطلقوا يكررون تلك الأفاعيل في المدن المحيطة[9].

    بعد إتمام هذا الهجوم الكاسح اتجهت قوات التتار إلى اجتياح أذربيجان المسلمة، ثم إلى أرمينيا وجورجيا لمواجهة قبائل الكرج (وهي قبائل وثنية ونصرانية)، وتم احتلال أرمينيا وجورجيا، وقُتِل من الكرج أعداد لا تُحْصى[10].

    لقد كان هجومًا كاسحًا يدل على وحشية التتار، وضعف مَن يواجهونهم في هذا الوقت. بعد أن اطمأن جنكيزخان إلى هروب محمد بن خوارزم شاه زعيم البلاد في اتجاه الغرب، وانتقاله من مدينة إلى أخرى هربًا من الفرقة التترية المطاردة له، بدأ جنكيزخان يبسط سيطرته على المناطق المحيطة بسمرقند، وعلى الأقاليم الإسلامية الضخمة الواقعة في جنوب سمرقند وشمالها.

    وجد جنكيزخان أن أعظم الأقاليم وأقواها في هذه المناطق: إقليم خوارزم وإقليم خراسان، أما إقليم خراسان فإقليم شاسع به مدن عظيمة كثيرة مثل: بلخ، ومرو، ونيسابور، وهراة، وغزنة، وغيرها (وهو الآن في شرق إيران وشمال أفغانستان).

    وأما إقليم خوارزم فهو الإقليم الذي كان نواةً للدولة الخوارزمية، واشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية والمهارة القتالية، وهو يقع إلى الشمال الغربي من سمرقند، ويمر به نهر جيحون (وهو الآن في دولتي أوجيدكلاتان وتركمنستان)، ولكن جنكيزخان أراد القيام بحرب معنوية تؤثر في نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذه الأقاليم العملاقة، فقرر البدء بعمليات إبادة وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في الإقليمين الكبيرين خوارزم وخراسان، فأخرج جنكيزخان من جيشه ثلاث فرق:

    فرقة لتدمير إقليم فرغانة (في أوجيدكلاتان الآن)، وهو على بُعد حوالي خمسمائة كيلو متر إلى الشرق من سمرقند.

    وفرقة لتدمير مدينة ترمذ (في تركمنستان الآن)، وهي مدينة الإمام (الترمذي) صاحب السنن رحمه الله، على بُعد حوالي مائة كيلو متر جنوب سمرقند.

    وفرقة لتدمير قلعة كلابة، وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر جيحون.

    وقد قامت الفرق الثلاث بدورها التدميري كما أراد جنكيزخان، فاستولت على كل هذه المناطق، وأعملت فيها القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب والحرق، مثلما اعتاد التتار أن يفعلوا في الأماكن الأخرى. ولما عادت هذه الجيوش من مهمتها القبيحة بدأ جنكيزخان يُعِدُّ للمهمة الأقبح، بدأ يُعِدّ لاجتياح إقليمي خراسان وخوارزم[11].

    ولأجل احتلال هذين الإقليمين بدأ التتار بغزو بلخ؛ فطلب أهلها الأمان فأعطاهم جنكيزخان الأمان على غير عادته، وذلك مقابل أن يعاونوه في غزو مدينة (مرو)؛ فاستجاب أهل بلخ المهزومون نفسيًّا، وعاونوه فيما أراد.

    قتل التتار في مرو سبعمائة ألف مسلم ومسلمة، هم كل سكان المدينة من الرجال والنساء والأطفال، وسلبوا كل الأموال حتى إنهم نبشوا قبر السلطان (سنجر) بحثًا عن أموال أو حُلِيٍّ تكون مدفونة معه[12].

    وبعد ذلك توجّه التتار إلى نيسابور (وهي تقع الآن في الشمال الشرقي لدولة إيران)، ثم هراة، فخوارزم.

    [5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الرابعة، 2003م، 10/404. ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408هـ- 1988م، 13/99.

    [6] ابن كثير: البداية والنهاية 13/99.

    [7] ابن الأثير: الكامل 10/405، 406.

    [8] السابق نفسه 10/411.

    [9] السابق نفسه 10/408، ابن كثير: البداية والنهاية 13/105.

    [10] ابن الأثير: الكامل 10/409، 410.

    [11] السابق نفسه 10/418، 419.

    [12] السابق نفسه 10/419، 420.

    جلال الدين والعدة لقتال التتار
    وبتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا على المناطق الشمالية ومناطق الوسط من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب إلى قريب من نهاية هذه الدولة (على حدود العراق)، ولكنهم لم يقتربوا بعدُ من جنوب دولة خوارزم. وجنوب دولة خوارزم كانت تحت سيطرة جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه، وهو ابن محمد بن خوارزم الذي فرَّ منذ شهور قليلة أمام التتار، وهرب إلى جزيرة ببحر قزوين حيث مات هناك.

    بدأ جلال الدين يُعِدُّ العدة لقتال التتار، وجمع جيشًا كبيرًا من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه (سيف الدين بغراق)، وكان شجاعًا مقدامًا، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضًا ستون ألفًا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها. كما انضم إليه أيضًا (ملك خان) أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيزخان مدينته، وبذلك بلغ جيش جلال الدين عددًا كبيرًا، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى (بلق)، وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة، وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار!

    دارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة، وقاتل المسلمون قتال المستميت؛ فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك لها. وكان لحميَّة المسلمين وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية للمنطقة، وكثرة أعداد المسلمين، وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، والقيادة الميدانية لجلال الدين، كان لكل ذلك أثر واضح في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار.

    واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام، ثم أنزل الله U نصره على المسلمين، وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين!! وكثر فيهم القتل، وفرَّ الباقون منهم إلى ملكهم جنكيزخان، الذي كان يتمركز في (الطالقان) في شمال شرق أفغانستان[13].

    وارتفعت معنويات المسلمين إلى السماء؛ فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في (غزنة) يؤتي ثماره؛ لقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم شاه، مع الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، مع ملك خان أمير هراة، واختار المسلمون مكانًا مناسبًا، وأخذوا بالأسباب المتاحة، فكان النصر.

    واطمأن جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيزخان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر جنكيزخان بالقلق لأول مرة، فجهَّز جيشًا أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقى الجيشان في مدينة (كابول) الأفغانية[14]. ومدينة كابول مدينة إسلامية حصينة تحاط من كل جهاتها تقريبًا بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان.

    ودارت موقعة كابول الكبيرة، وكان القتال عنيفًا جدًّا، أشد ضراوة من موقعة غزنة، وثبت المسلمون، وحققوا نصرًا غاليًا على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار.

    وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسرى المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار.

    كانت هذه الغنائم وبالاً على الجيش المسلم؛ روى البخارى ومسلم عن عمرو بن عوف t قال: قال رسول الله r: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"[15].

    [13] ابن الأثير: الكامل 10/422.

    [14] السابق نفسه، الصفحة نفسها.

    [15] البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (6061)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق (2961)، والترمذي (2462)، وابن ماجه (3995).

    فتنة المال.. وهلاك المسلمين
    لقد وقع المسلمون في الفتنة!!

    قام سيف الدين بغراق أمير الترك، وقام أمير آخر هو ملك خان أمير مدينة هراة، قام كل منهما يطلب نصيبه في الغنائم، فحدث الاختلاف، وارتفعت الأصوات، ثم بعد ذلك ارتفعت السيوف!! وسقط من المسلمين قتلى على أيدي المسلمين، وكان ممن سقط أخٌ لسيف الدين بغراق، فغضب سيف الدين بغراق وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه الثلاثون ألف مقاتل الذين كانوا تحت قيادته!! وحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين، وأصرَّ سيف الدين بغراق على الانسحاب، فاستعطفه جلال الدين بكل طريق، وسار بنفسه إليه وذكَّره بالجهاد، وخوَّفه من الله تعالى، لكن سيف الدين بغراق لم يتذكر وانسحب بجيشه فعلاً![16].

    وانكسر جيش المسلمين انكسارًا هائلاً، لقد انكسر ماديًّا، وكذلك انكلار معنويًّا!!

    ولم يفلح المسلمون في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في غزنة وكابول. وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيزخان بنفسه على رأس جيوشه ليرى هذا المسلم الذي انتصر عليه مرتين، ودبَّ الرعب والهلع في جيش المسلمين؛ فقد قلَّت أعدادهم، وتحطمت معنوياتهم، ورأى جلال الدين أن جيشه قد ضعف جدًّا، فماذا فعل؟!

    لقد أخذ جيشه وبدأ يتجه جنوبًا للهروب من جيش جنكيزخان، أو على الأقل لتجنُّب الحرب في هذه الظروف، ولكن جنكيزخان كان مصرًّا على اللقاء، فأسرع خلف جلال الدين!! وبدأ جلال الدين يفعل مثلما فعل أبوه من قبل!! لقد بدأ ينتقل من مدينة إلى مدينة متوجهًا إلى الجنوب، حتى وصل إلى حدود باكستان الآن فاخترقها، ثم تعمق أكثر حتى اخترق كل باكستان، ووصل إلى نهر السند الذي يفصل في ذلك الوقت بين باكلاتان وبين الهند، فأراد جلال الدين أن يعبر بجيشه نهر السند ليفر إلى الهند، مع أن علاقاته مع ملوك الهند المسلمين لم تكن على ما يرام، ولكنه وجد ذلك أفضل من لقاء جنكيزخان!!

    وعند نهر السند فُوجئ جلال الدين وجيشه بعدم وجود السفن لنقلهم عبر النهر الواسع إلى الناحية الأخرى، فطلبوا سفنًا من مكان بعيد، وبينما هم ينتظرون السفن إذ طلع عليهم جيش جنكيزخان! ولم يكن هناك بدٌّ من القتال؛ فنهر السند من خلفهم، وجنكيزخان من أمامهم، ودارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة، حتى إن المشاهدين لها قالوا: إن كل ما مضى من الحروب كان لعبًا بالنسبة إلى هذا القتال[17]. واستمر اللقاء الدامي ثلاثة أيام متصلة، واستحرَّ القتل في الفريقين، وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير ملك خان، الذي كان قد تصارع من قبل مع سيف الدين بغراق على الغنائم، وها هو لم يظفر من الدنيا بشيء، بل ها هي الدنيا قد قتلته، ولم يتجاوز لحظة موته بدقيقة واحدة. ولكن شتَّان بين مَن يموت وهو ناصر للمسلمين بكل طاقته، ومن يموت وقد تسبب بصراعه في فتنة أدت إلى هزيمةٍ مُرَّة.

    وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل، وبدأ كل طرف يعيد حساباته، ويرتِّب أوراقه، ويضمد جراحه، ويُعِدُّ عدته، وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند، ولم يضيِّع جلال الدين الوقت في تفكير طويل، بل أخذ القرار السريع الحاسم وهو (الهروب)!! وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة، ومعه خاصته ومقربوه، وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند، وتركوا التتار على الناحية الغربية من نهر السند؛ فانقلب جنكيزخان على بلاد المسلمين يصبُّ عليها جام غضبه، ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر. وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة غزنة، التي انتصر عندها المسلمون منذ أيام أو أشهر عندما كانوا متحدين، دخل جنكيزخان المدينة الكبيرة، عاصمة جلال الدين بن خوارزم فقتل كل رجالها بلا استثناء، وسبى كل الحريم بلا استثناء، وأحرق كل الديار بلا استثناء!! وتركها -كما يقول ابن الأثير- خاوية على عروشها، كأن لم تغن بالأمس[18]!!

    ويجدر بالذكر أن نشير إلى أنه في جملة الذين أمسك بهم جنكيزخان من أهل المدن كان أطفال جلال الدين بن خوارزم، وقد أمر جنكيزخان بذبحهم جميعًا. وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه. روى البيهقي بسند صحيح رواته ثقات إلا أنه من مراسيل أبي قلابة رحمه الله، أن رسول الله r قال: "كُنْ كَمَا شِئْتَ، كَمَا تُدِينُ تُدَانُ"[19].

    وبذلك حقق جنكيزخان حُلمًا غاليًا، ما كان يتوقع أن يكون بهذه السهولة، وهذا الحلم هو احتلال أفغانستان!!

    وبذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوجيدكلاتان ثم التركمنستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أذربيجان ثم أرمينيا ثم جورجيا، وقد اقتربوا جدًّا من العراق، كل هذا في سنة واحدة!! في سنة 617هـ/ 1220م.

    أما في عام 618هـ/ 1221م فقد دخل التتار مراغة، ثم فكَّروا في غزو مدينة (أربيل) في شمال العراق؛ فخشي الخليفة العباسي الناصر لدين الله أن يعدل التتار عن مدينة أربيل لطبيعتها الجبلية، فيتجهون إلى بغداد بدلاً منها؛ فبدأ يفيق من السبات العميق الذي أصابه في السنوات السابقة، وبدأ يستنفر الناس لملاقاة التتار في (أربيل) إذا وصلوا إليها، وأعلنت حالة الاستنفار العام في كل المدن العراقية، وبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهُّز.

    ولكن الخليفة العباسي الناصر لدين الله لم يستطع أن يجمع إلا ثمانمائة رجل فقط!! لم يكن الناصر لدين الله خليفة، وإنما كان (صورة) خليفة، أو (شبح) خليفة. ولم يستطع قائد الجيش (مظفر الدين) طبعًا أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل، فانسحب بالجيش، ومع ذلك -سبحان الله- فقد شعر التتار أن هذه خدعة، وأن هذه هي مقدمة العسكر، فليس من المعقول أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد على ثمانمائة جندي فقط؛ ولذلك قرروا تجنُّب المعركة وانسحبوا بجيوشهم.

    لقد كان التتار يقدِّرون إمكانيات العراق بأكثر من الحقيقة بكثير، ومن ثَمَّ فقد آثروا ألا يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر، واستبدلوا بذلك ما يُعرف (بحرب الاستنزاف)، وذلك عن طريق توجيه ضربات خاطفة موجعة للعراق، وعن طريق الحصار الطويل المستمر، وأيضًا عن طريق عقد الأحلاف والاتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب؛ لذلك فقد انسحب التتار بإرادتهم ليطول بذلك عمر العراق عدة سنوات أخرى.

    وفي طريق الانسحاب قام التتار باجتياح همذان وأردويل، ثم اقتربوا من تبريز، وكان التتار قد رضوا سابقًا بالمال والثياب والدواب من صاحبها المخمور (أوزبك بن البهلوان)، ولم يدخلوها لأنهم جاءوا إليها في الشتاء القارس، أما الآن وقد تحسن الجو وصفت السماء، فلا مانع من خيانة العهود ونقض المواثيق. ولكنهم -في طريقهم إلى تبريز- علموا بأمر قد جدَّ على هذه البلدة، لقد رحل عنها صاحبها المخمور أوجيدك بن البهلوان، وتولى قيادة البلاد رجل جديد هو شمس الدين الطغرائي، وكان رجلاً مجاهدًا يفقه دينه ودنياه، فقام رحمه الله يحمِّس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوة، وقوَّى قلوبهم على الامتناع، وحذرهم عاقبة التخاذل والتواني، وعلمهم ما عرفوه نظريًّا ولم يطبقوه عمليًّا في حياتهم على الإطلاق: علمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبدًا، وأن المسلمين مهما تنازلوا للتتار فلن يتركوهم، إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم، أما بغير قوة فلن يُحمى حق على وجه الأرض.

    وتحركت الحميَّة في قلوب أهل تبريز، وقاموا مع قائدهم البارِّ يحصنِّون بلدهم، لقد تجهز القوم -وللمرة الأولى منذ زمن- للجهاد!!

    وسمع التتار بأمر المدينة، وبحالة العصيان المدني فيها، وبحالة النفير العام، سمعوا بدعوة الجهاد، والتجهُّز للقتال، سمع التتار بكل ذلك، فماذا فعلوا؟ لقد أخذ التتار قرارًا عجيبًا!!

    لقد قرروا عدم التعرض لتبريز، وعدم الدخول في قتال مع قوم قد رفعوا راية الجهاد في سبيل الله!! لقد ألقى الله الرعب في قلوب التتار -على كثرتهم- من أهل تبريز على قلتهم[20].

    لقد نُصِر رسول الله r بالرعب مسيرة شهر، وكذلك يُنصر بالرعب كل من سار على طريقه r. فكانت هذه صورة مشرقة في وسط هذا الركام المظلم، ورحم الله شمس الدين الطغرائي الذي جدَّد الدين في هذه المدينة المسلمة (تبريز).

    مرَّ التتار بمدينة البيلقان؛ فوضعوا فيها السيف في رمضان 618هـ/ 1221م، ثم اتجهوا إلى مدينة كنجة؛ فلجأ أهلها إلى سلاح الجهاد، واستعدوا له كما فعلت تبريز؛ فألقى الله U في قلوب التتار الرعب منهم؛ فتركوا البلد على حالها ورحلوا عنها، واتجهوا لغزو داغستان والشيشان، وقاموا كعادتهم بتدمير كل شيء في هذه البلاد، وقتلوا معظم من وجدوه في طريقهم، وكانت أشد المدن معاناة من التتار هي مدينة شَمَاخِي المسلمة (في داغستان الآن)[21].

    مرت السنوات والجرئم التترية تزيد حتى جاءت سنة 622هـ/ 1225م، وفيها خفَّت قبضة التتار؛ فظهر من جديد جلال الدين بن خوارزم شاه، الذي ذهب يتحالف مع الأمير سعد الدين بن دكلا ضد أخيه غياث الدين بن خوارزم شاه!![22].

    وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس من جنوبه إلى الشمال محاربًا أخاه غياث الدين، حتى وصل إلى غرب إيران، وأصبح قريبًا من الخلافة العباسية. وكانت العلاقات القديمة بين مملكة خوارزم والخلافة العباسية متوترة جدًّا، ووجد جلال الدين في نفسه قوة، ووجد في الخلافة ضعفًا، فأعلن الحرب على الخلافة العباسية، هذا وجيوش التتار قابعة في شرق إيران!! ولا عجب؛ فقد كان جُلُّ الزعماء في تلك الآونة مصابين بالحول السياسي. ودخل جلال الدين بجيشه إلى البصرة، وحاصرها مدةَ شهرين، ثم تركها واتجه شمالاً ليمر قريبًا من بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وخاف الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه؛ فحصن المدينة وجهَّز الجيوش لدفع جلال الدين، ولكن لم يكتف بذلك بل ارتكب فعلاً شنيعًا مقززًا؛ إذ إنه أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين!![23] سبحان الله!!

    لكن التتار كانوا مشغولين ببسط سيطرتهم في المناطق الشاسعة التي احتلوها، فلم يحدث بينهم وبين جلال الدين قتال إلا في أواخر سنة 622هـ/ 1225م، واستثمر جلال الدين هذه الفترة في بسط سيطرته على المناطق المحيطة ببغداد، ثم شمال العراق ثم منطقة شمال فارس، وبدأ يدخل في أذربيجان وما حولها من أقاليم إسلامية.

    ثم بسط جلال الدين سيطرته على مملكة الكرج النصرانية بعد أن أوقع بهم هزيمة فادحة، واصطلح مع أخيه غياث الدين صلحًا مؤقتًا، وأدخله في جيشه، ولكن كان كل واحد منهما على حذر من الآخر[24].

    وبذلك بلغ سلطان جلال الدين من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين، وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أنها مليئة بالقلاقل والاضطرابات، إضافةً إلى العداءات التي أورثها جلال الدين قلوب كل الأمراء في الأقاليم المحيطة بسلطانه بما فيهم الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وسياسة العداوات والمكائد والاضطرابات هي السياسة التي ورثها جلال الدين عن أبيه محمد بن خوارزم، وتحدثنا عنها من قبلُ، ولم تأت إلا بالويلات على الأمة، وليت المسلمين يفقهون.

    وجاءت سنة 624هـ/ 1226م تحمل معها خبر موت جنكيزخان الطاغية الذي بنى خلال فترة حكمه مملكة واسعة من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب، بناها على جماجم البشر وأشلائهم، وخاصةً من المسلمين، وقد مات عن اثنين وسبعين عامًا[25].

    وبموت جنكيزخان هدأت الأمور نسبيًّا في هذه المنطقة، واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريبًا، بينما كان جلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران والمناطق الغربية من بحر قزوين، وكأن كل طرف قد رضي بما يملك، وآثر الاحتفاظ بما يعتقد أنه حق له.

    [16] ابن الأثير: الكامل 10/422، 423.

    [17] السابق نفسه 10/423.

    [18] السابق نفسه، الصفحة نفسها.

    [19] مصنف عبد الرازق، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ، 11/178، رقم الحديث (20262). قال الشيخ الألباني: ضعيف. انظر حديث رقم (2369) في ضعيف الجامع.

    [20] ابن الأثير: الكامل 10/414، 415.

    [21] السابق نفسه 10/415، 416.

    [22] السابق نفسه 10/450، 451.

    [23] د/مصطفى طه بدر: محنة الإسلام الكبرى ص67.

    [24] ابن الأثير: الكامل 10/449، 450.

    [25] د/فؤاد عبد المعطي الصياد: المغول في التاريخ، دار النهضة العربية، بيروت، 1980م، 1/136-138.

    الاجتياح التتري الثاني
    أتت سنة 628هـ/ 1230م تحمل هجمة تترية بشعة جديدة على الأمة الإسلامية؛ فقد تولى قيادة التتار الزعيم الجديد (أوكيتاي)، وأخذ ينظِّم أمور مملكته في معقلها بمنغوليا والصين، وذلك من سنة 624 إلى سنة 627هـ (من 1226 إلى 1229م)[26].

    وبعد أن تم له ذلك بدأ يفكر من جديد في اجتياح العالم الإسلامي، واستكمال الحروب بعد ذلك في منطقة روسيا التي هُزمت فيها قبل ذلك الجيوش التترية، ومحاولة استكمال الفتوح في داخل أوربا، كلف الخاقان الكبير (أوكيتاي) أحد أبرز قادته بالقيام بمهمة الاجتياح التتري الثاني، وهو القائد (شورماجان) الذي جمع جيشًا هائلاً من التَّتَر، وتقدَّم صوب العالم الإسلامي من جديد. لما جاءت جيوش التتار بقيادة شورماجان اجتاحت البلاد الإسلامية اجتياحًا بشعًا، وقد وصل إلى علمها أن جلال الدين قد ضعف جدًّا في هذه السنة لحدوث هزيمتين له من الأشرف بن العادل حاكم ديار الجزيرة في شمال العراق وجنوب تركيا، وكانت طائفة الإسماعيلية -وهي من طوائف الشيعة في غرب إقليم فارس- قد راسلت التتار وأخبرتهم بضعف جلال الدين؛ وذلك لأنه كانت بينهم وبين جلال الدين حروب، فأرادوا الانتقام منه بإخبار التتار بوقت ضعفه[27].

    وجاءت جحافل التتار ودمرت في طريقها كل ما يمكن تدميره، وأكلت الأخضر واليابس، وكان لها هدف رئيسي هو الإمساك بجلال الدين بن خوارزم، والتقى بهم جلال الدين في موقعة انهزم فيها شرَّ هزيمة، وأسرع بالفرار من أمام التتار وقد تمزَّق جيشه، وأخذ يتنقل بمفرده بين القرى فرارًا من التتار، واختفى ذكره من البلاد شهورًا متصلة؛ فلا يعرف أحد إن كان قُتل أو اختفى أو هرب إلى بلد آخر، حتى قابله أحد فلاحي الأكراد، وعرفه، فخدعه وأطعمه حتى نام، وهنا قام الفلاح وقتل جلال الدين بالفأس، وأخذ ما عليه من الجواهر وسلمها إلى شهاب الدين غازي صاحب هذه المنطقة، والذي طالما ذاق من ويلات جلال الدين[28].

    هكذا كانت نهاية الظالمين، ونهاية المفرِّطين، ونهاية الذين تملكوا رقاب العباد فما رعوا لله حقًّا، وما رعوا للرعية حقًّا، وما رعوا للرحم حقًّا، وعاشوا لأنفسهم فقط.

    ونتيجة سوء التربية، وغياب الفهم الصحيح للإسلام، والتمسك بالدنيا إلى أقصى درجة، وعدم وضوح الرؤية عند الناس؛ فقد دبت الهزيمة النفسية الرهيبة في داخل قلوب المسلمين، فما استطاعوا أن يحملوا سيفًا، ولا أن يركبوا خيلاً، بل ذهب عن أذهانهم أصلاً التفكير في المقاومة، وهذا -لا شك- سهَّل جدًّا من مهمة التتار الذين وجدوا أبوابًا مفتوحة، ورقابًا جاهزة للقطع!!

    يروي ابن الأثير في الكامل في أحداث السنة الثامنة والعشرين بعد الستمائة بعض الصور التي استمع إليها بإذنه من بعض الذين كُتبت لهم نجاة أثناء حملات التتار على المدن الإسلامية فيقول: كان التتري يدخل القرية بمفرده، وبها الجمع الكثير من الناس فيبدأ بقتلهم واحدًا تلو الآخر، ولا يتجاسر أحد المسلمين أن يرفع يده نحو الفارس بهجوم أو بدفاع[29]!!

    وقال أيضًا: "ولقد بلغني أن إنسانًا منهم أخذ رجلاً، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح؛ فوضع رأسه على الأرض، ومضى التتريُّ فأحضر سيفًا وقتله به"[30]!!

    لقد ضم شورماجان شمال إقليم فارس (شمال إيران حاليًا) إلى الإمبراطورية التترية، وذلك في سنة 629هـ/ 1231م، ثم زحف بعد ذلك على إقليم أذربيجان فضمه إلى أملاكه، وبتلك الانتصارات التترية -إلى جانب موت جلال الدين على النحو الذي مرَّ بنا- اكتمل سقوط إقليم فارس كله في يد التتار باستثناء الشريط الغربي الضيق الذي تسيطر عليه طائفة الإسماعيلية الشيعية.

    ثم بدا لشورماجان أن يستقر في هذه المناطق ولا يكمل زحفه إلا بعد ترسيخ قدمه، وتثبيت جيشه، ودراسة المناطق المحيطة، وما إلى ذلك من أمور تدعم السلطان التتري في هذه المنطقة. ظل شورماجان يرسخ حكم التتر في هذه المناطق مدةَ خمس سنوات كاملة، من سنة 629هـ/ 1231م إلى سنة 634هـ/ 1236م، وأثناء هذه السنوات الخمس لم تخرج عليه ثورة مسلمة!! ولم يتحرك لقتاله جيش مسلم!! مع أن جيوش المسلمين تملأ المناطق المجاورة لفارس وأذربيجان، وذلك في العراق والموصل ومصر والحجاز وغيرها!!

    بعد هذه السنوات الخمس في إقليمي فارس وأذربيجان بدأ شورماجان في سنة 634هـ/ 1236م في الالتفاف حول بحر قزوين من ناحية الغرب لينطلق شمالاً لاستكمال فتوحاته، وبسرعة استطاع أن يسيطر على أقاليم أرمينيا وجورجيا (مملكة الكرج النصرانية) والشيشان وداغستان. ثم بدأ جيش آخر من جيوش التتار بزعامة (باتو بن جاجي) في قيادة الحملات التترية شمال بحر قزوين، وذلك في نفس السنة 634هـ/ 1236م، وأخذ في قمع القبائل التركية النازلة في حوض نهر الفولجا، ثم زحف بعد ذلك على البلاد الروسية الواسعة، وذلك في سنة 635هـ/ 1237م.

    وبدأ هذا الجيش التتري الرهيب يقوم بالمذابح الشنيعة في روسيا النصرانية، فاستولى على العديد من المدن الروسية، وذلك في سنتي 635 و636 هجرية، سقطت تحت أقدام هذا الجيش مدن (ريدان)، ثم (كولومونا) بعدها بأيام، ثم سقطت مدينة (فلاديمير) الكبيرة بعد صمود ستة أيام فقط، واقترن سقوطها بمذبحة بشعة، ثم سقطت (سوذال)، ثم توجهت الجيوش التترية إلى أعظم مدن روسيا (موسكو) فتم اجتياحها وتدميرها، ثم سقطت بعد ذلك مدن (يورييف) و(جاليش) و(بريسلاف) و(روستوف) و(ياروسلاف)، ثم سقطت مدينة (تورزوك)، وبذلك احتل التتار دولة روسيا بكاملها!! ومع أن مساحة روسيا سبعة عشر مليون كيلو متر مربعًا، إلى جانب أعداد سكانها الهائلة وأحوالها المناخية القاسية إلا أن التتار احتلوها بالكامل في عامين فقط!!

    وفي سنة 638هـ/ 1240م تحركت جيوش التتار غربًا بقيادة (باتو بن جاجي) فاحتلوا دولة أوكرانيا بكاملها (ومساحتها ستمائة ألف كيلو متر مربع)، واجتاحوا العاصمة (كييف)، ودمروا كنوزها العظيمة، ولقي أكثر سكانها مصرعهم.

    وفي سنة 639هـ/ 1241م زحفت فرقة من قوات التتار بقيادة (بايدر) إلى الشمال الغربي من دولة أوكرانيا فدخلت مملكة بولندا، ودمرت الكثير من المدن البولندية، فلم يجد الملك البولندي إلا أن يستعين بالفرسان الألمان القريبين منه (ألمانيا تقع في غرب بولندا مباشرة)، فجاء الأمير هنري دوق (سيليزيا الألمانية)، واشترك مع ملك بولندا في تكوين جيش واحد لملاقاة التتار، غير أن هذا الجيش لقي هزيمة ساحقة على أيدي الجيوش التترية بقيادة (بايدر)؛ وبذلك سقطت بولندا أيضًا تحت حكم التتار!

    وفي هذه الأثناء وفي نفس السنة 639هـ/ 1241م ترك (باتو) قائد التتار المتمركز في أوكرانيا فرقة تترية في هذه المنطقة، واتجه بجيشه الرئيسي غربًا إلى مملكة المجر حيث التقى مع ملك المجر في موقعة رهيبة دمر على أثرها الجيش المجري بكامله، وبذلك احتُلت المجر أيضًا!

    ثم نزل (بايدر) من بولندا في اتجاه الجنوب لمقابلة جيوش التتار بقيادة باتو في المجر، وفي طريقه للنزول اجتاح دولة سلوفاكيا وضمها بكاملها إلى دولة التتار!! ثم تدفقت الجيوش التترية إلى دولة كرواتيا فاجتاحتها!!

    وبذلك وصلت الجيوش التترية إلى سواحل البحر الأدرياتي (وهو البحر الفاصل بين كرواتيا وإيطاليا)، وبذلك يكون التتار قد ضموا إلى أملاكهم نصف أوربا تقريبًا!!

    وكان من الممكن أن تستمر الفتوحات التترية في أوربا -وقد وصلت حدود دولة التتار إلى دول ألمانيا والنمسا وإيطاليا- لولا أن الخاقان الكبير ملك التتار (أوكيتاي) مات في هذا العام 639هـ/ 1241م فاضطر الأمير (باتو بن جاجي) أن يوقف الحملات، ويستخلف أحد قواده على المناطق المفتوحة، ويعود إلى (قراقورم) عاصمة التتار في منغوليا للمشاركة في اختيار الخاقان التتري الجديد[31].

    أخذت عقائد الجيش التتري في التغيُّر بعد الحملات التي وجهوها إلى أوربا، فقد تزوج عدد كبير من قادة المغول من فتيات نصرانيات، وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبيًّا في البلاط المغولي، وقد ساعد هذا على إمكانية التعاون بين التتار والصليبيين.

    بعد تولية كيوك بن أوكيتاي خاقان التتار الجديد قرَّر أن يوقف الحملات التوسعية، ويتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء مملكته المختلفة، وقد ظلَّ كيوك يحكم من سنة 639هـ/ 1241م إلى سنة 646هـ/ 1248م، وفي هذه السنوات السبع لم يدخل التتار بلادًا جديدة إلا فيما ندر، وكانت فترة هدوء نسبي في المناطق المجاورة لمملكة التتار، وإن كانت المناطق المنكوبة بالتتار ما زالت تعاني من ظلم وبشاعة الاحتلال التتري.

    وفي سنة 640هـ/ 1242م تُوُفِّي المستنصر بالله الخليفة العباسي، وتولَّى الخلافة ابنه المستعصم بالله، وكان يبلغ من العمر آنذاك ثلاثين عامًا، وهو وإن كان قد اشتهر بكثرة تلاوة القرآن، وبالنظر في التفسير والفقه، وكثرة أعمال الخير إلا أنه لم يكن يفقه كثيرًا -ولا قليلاً!- في السياسة، ولم يكن له علم بالرجال؛ فاتخذ بطانة فاسدة، وازداد ضعف الخلافة عما كانت عليه، فهو آخر الخلفاء العباسيين، وهو الذي ستسقط بغداد في عهده بعد ذلك.

    في هذه الأوقات كان لويس التاسع ملك فرنسا يجهز لحملته الصليبية على مصر، والتي عُرِفت في التاريخ بالحملة الصليبية السابعة، وكان يجمع جيوشه في جزيرة قبرص، وذلك في سنة 646هـ/ 1248م، وقد رأى لويس التاسع أن الأمل لم ينقطع في إمكانية التحالف مع التتار ضد المسلمين؛ فأرسل سفارة صليبية ثالثة من قبرص إلى منغوليا لطلب التعاون من كيوك في هذه الحملة، وزوَّد السفارة بالهدايا الثمينة، والذخائر النفيسة، لكن عندما وصلت هذه السفارة إلى (قراقورم) العاصمة التترية في منغوليا فوجئت بوفاة خاقان التتار (كيوك)، ولم يكن كيوك قد ترك إلا أولادًا ثلاثة صغارًا لا يصلحون للحكم في هذه السن الصغيرة، فتولَّت أرملة كيوك -وكانت تُدعَى أوغول قيميش- الوصاية عليهم، ومن ثَمَّ تولت حكم التتار، وذلك ابتداءً من سنة 646هـ/ 1248م، ولمدة ثلاث سنوات.

    حاول لويس التاسع الاتصال بالتتار، والتنسيق معهم للهجوم على المسلمين؛ فاعتذرت أرملة كيوك؛ لانشغالها بالصراعات على الحكم، لكنَّ لويس التاسع أصرَّ على القيام بحملته حتى مع عدم اشتراك التتار، وتوجه بالفعل إلى دمياط واحتلها، لكن انتفاضة المماليك في نهاية عصر الأيوبيين، تمكنت من هزيمة لويس التاسع وحملته، بل وأسر لويس نفسه بعد موقعة المنصورة الشهيرة في التاريخ.

    في ذات الوقت اجتمع المجلس الوطني للتتار والمسمَّى (بالقوريلتاي)، وذلك في سنة 649هـ/ 1251م، وقرروا اختيار خاقان جديد للتتار، وبالفعل اختاروا (منكوخان) ليكون زعيمًا جديدًا للتتار.

    وكان اختيار منكوخان زعيمًا لمملكة التتار بداية تحول كبير في سياسة التتار، وبداية تغيير جذري في المناطق المحيطة بالتتار، فقد كانت لديه سياسة توسعية شبيهة بسياسة جنكيزخان المؤسِّس الأول لدولة التتار، وشبيهة أيضًا بسياسة أوكيتاي الذي فُتحت أوربا في عهده؛ ومن ثَمَّ بدأ منكوخان يفكر من جديد في إسقاط الخلافة العباسية، وما بعدها من بلاد المسلمين[32].

    [26] د/مصطفى طه: محنة الإسلام الكبرى ص113.

    [27] ابن كثير: البداية والنهاية 13/150.

    [28] د/مصطفى طه: محنة الإسلام الكبرى ص117.

    [29] ابن الأثير: الكامل 10/494.

    [30] السابق نفسه، الصفحة نفسها.

    [31] د/فؤاد عبد المعطي: المغول في التاريخ 1/187، 188.

    [32] السابق نفسه 1/208-216.

    الاجتياح التتري الثالث

    سقوط بغداد

    قطز.. وخطوات التغيير

    ماذا قرر قطز؟!

    موقعة عين جالوت
    مرَّ جيش التتار غرب بيسان، وانحدر جنوبًا في اتجاه عين جالوت حيث كانت القوات الإسلامية قد أخذت مواقعها، ورتبت صفوفها، ووقفت في ثبات تنتظر الجيش التتري.

    كان هذا في يوم 24 من رمضان سنة 658هـ/ 1260م، وهو اليوم السابق مباشرة للموقعة الرهيبة: عين جالوت. وعلى ذلك انتهى يوم الرابع والعشرين من رمضان، وقضى المسلمون الليل في القيام والابتهال والدعاء والرجاء.

    وحان وقت الفجر، وصلى المسلمون الفجر في خشوع، ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما هي إلا لحظات وأشرقت الشمس؛ هذا يوم الجمعة الخامس والعشرون من رمضان سنة 658هـ/ 1260م، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا، ورأى المسلمون من بعيد جيش التتار!!

    أتى الجيش التتري المهول من اتجاه الشمال، وبدأ في الاقتراب من سهل عين جالوت، وعلى أبواب السهل وقف الجيش التتري في عدده الرهيب وعُدَّته القوية، ولم يكن بالسهل أحد من المسلمين؛ فقد كانوا يقفون جميعًا خلف التلال.

    لكن -كما أشرنا من قبل- كانت مقدمة جيش المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس لا تخفي نفسها؛ وذلك حتى يعتقد جواسيس التتار أن هذه المقدمة هي كل الجيش، ومع ذلك فعند قدوم جيش التتار كانت هذه المقدمة مختفية هي الأخرى، ثم أشار لها قطز -رحمه الله- أن تنزل من فوق التلال للوقوف على باب السهل لقتال الجيش التتري.

    وبدأت القوات الإسلامية تنساب من فوق التلال إلى داخل سهل عين جالوت، ثم تتجه إلى شمال السهل للاقتراب من جيش التتار، ولم تنزل مقدمة الجيش دفعة واحدة، إنما نزلت على مراحل، وفي صورة عجيبة؛ تتابعت الكتائب الإسلامية بألوانها الرائعة المختلفة، كل كتيبة بلون؛ فبُهِت كتبغا وقادته وجنودهم {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258].

    لقد كان كتبغا معتادًا أن يرى جنود المسلمين وراء الحصون والقلاع يرتجفون ويرتعبون، أو يراهم وهم يتسارعون إلى الهروب فزعًا من جيش التتار، أو يراهم وهم يسلِّمون رقابهم للذبح الذليل بسيوف التتار!! كان كتبغا معتادًا على رؤية المسلمين في إحدى هذه الصور المهينة، أما أن يراهم في هذه الهيئة المهيبة العزيزة، فهذا ما لم يحسب له حسابًا أبدًا!!

    كانت كل هذه الفرق هي مقدمة جيش المسلمين فقط، وهي أقل بكثير من جيش التتار الرهيب؛ فقد احتفظ قطز -رحمه الله- بقواته الرئيسية خلف التلال، وقد قرر ألا تشترك في المعركة إلا بعد أن تُنهَك قوات التتار.

    وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس بدأت فرقة الموسيقى العسكرية الإسلامية المملوكية تظهر على الساحة، وانطلقت في قوة تدق طبولها، وتنفخ في أبواقها، وتضرب صنوجها النحاسية، لقد كانت الجيوش المملوكية تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات المتفق عليها، والتي لا يعرفها الأعداء.

    ونظر كتبغا إلى مقدمة القوات الإسلامية، وكان لا يدرك شيئًا عن القوات الرئيسية المختبئة خلف التلال، فوجد أن قوات المقدمة الظاهرة أمامه قليلة جدًّا بالنسبة لقواته، ومع ذلك فهي في هيئة حسنة ومنظر مهيب، فأراد كتبغا أن يحسم المعركة لصالحه من أول لحظاتها؛ لذلك قرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لحرب مقدمة المسلمين.

    وهذا تمامًا ما كان يريده الملك المظفر قطز رحمه الله، وأعطى كتبغا قائد التتار إشارة البدء لقواته، وانهمرت جموع التتار الرهيبة وهي تصيح صيحاتها المفزعة على مقدمة جيش المسلمين. أمَّا القائد المحنك ركن الدين بيبرس فقد كان يقف في رباطة جأش عجيبة، ومعه الأبطال المسلمون يقفون في ثبات، وقد ألقى الله U عليهم سكينة واطمئنانًا، وكأنهم لا يرون جحافل التتار، حتى إذا اقتربت جموع التتار أعطى بيبرس إشارة البدء لرجاله، فانطلقوا في شجاعة نادرة في اتجاه جيش التتار.

    وارتطم الجيشان ارتطامًا مروعًا! كانت هذه الفرقة المملوكية من أفضل فرق المسلمين، وكان كثير من أمراء هذه المقدمة -بما فيهم ركن الدين بيبرس- من أولئك الذين شاركوا في موقعتي المنصورة وفارسكور ضد الحملة الصليبية السابقة بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وذلك منذ عشر سنوات في سنة 648هـ/ 1250م؛ وبذلك يكون هؤلاء الأمراء من أصحاب الخبرة العسكرية الفائقة، ومن أعلم القادة بطرق المناورة وأساليب القتال وخطط الحرب.

    وثبتت القوات الإسلامية ثباتًا رائعًا مع قلة عددها؛ مما دفع كتبغا إلى استخدام كل طاقته دون أن يترك أي قوات للاحتياط خلف الجيش التتري، كل هذا وقطز -رحمه الله- يرقب الموقف من بعيد، ويصبِّر نفسه وجنده عن النزول لساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة.

    كان هذا هو الجزء الأول من الخطة الإسلامية: استنزاف القوات التترية في حرب متعبة، والتأثير في نفسياتهم عند مشاهدة ثبات المسلمين وقوة بأسهم.

    ثم جاء وقت تنفيذ الجزء الثاني من الخطة الإسلامية البارعة، ودقت الطبول دقات معينة لتصل بالأوامر من قطز إلى بيبرس؛ ليبدأ في تنفيذ الجزء الثاني من الخطة. وكان الجزء الثاني من الخطة عبارة عن محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت، وحبذا لو سُحِب الجيش بكامله؛ بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيدًا لحصارها.

    وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ هذا الجزء من الخطة على صعوبته، فكان عليه أن يُظهِر الانهزام أمام التتار، ويتراجع بظهره وهو يقاتل، على ألا يكون هذا التراجع سريعًا جدًّا حتى لا يلفت أنظار التتار إلى الخطة، ولا بطيئًا جدًّا فتهلك القوة الإسلامية القليلة أثناء التراجع. وبدأ ركن الدين بيبرس في الانسحاب التدريجي المدروس، وكلما رجع خطوة تقدم جيش التتار في مكانه. هذه الخطة هي نفس خطة القوات الإسلامية في موقعة نهاوند الشهيرة ضد القوات الفا
    ЋҚm äĽģđĄŖ
    ЋҚm äĽģđĄŖ
    عضو برونزي


    الابراج : العذراء عدد المساهمات : 175
    نقاط : 206
    السٌّمعَة : -1
    تاريخ التسجيل : 29/03/2010
    العمر : 28
    الموقع : مصــفح ..

    معلوملت قيمة عن التتار Empty رد: معلوملت قيمة عن التتار

    مُساهمة  ЋҚm äĽģđĄŖ الأربعاء أبريل 21, 2010 7:55 pm

    مشكور وبــآرك الله فيك ..
    avatar
    الأستاذ حمد الجنيبي
    عضو جديد


    عدد المساهمات : 12
    نقاط : 18
    السٌّمعَة : 1
    تاريخ التسجيل : 08/04/2010

    معلوملت قيمة عن التتار Empty رد: معلوملت قيمة عن التتار

    مُساهمة  الأستاذ حمد الجنيبي الخميس أبريل 22, 2010 7:49 pm

    مشكور على هذا الموضوع الكبير والصحيح ان التتار قيبلة والمغول قيبلة وقد حاول جنكيز القضاء على التتار لكنة عجز وتراني يا محمد متخصص في التاريخ وتموجين أسم جنكيز الحقيقي وهو اسم قائد من التاتار قتلة ابو جنكيز فلما عاد الى وطنة قيل لة أنك رزقت بولد فاطلق عليه تموجين على اسم خصمة

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:25 pm